قال القيادي الفلسطيني وزعيم التيار الإصلاحي بحركة فتح، النائب محمد دحلان، إنّه من العبث النظرلمشروع الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسمى بـ"صفقة القرن" أو البحث في تفاصيله، وذلك لأنّ العقل السوي يفرض النظر لتوقيت وأهداف المشروع، مُبيّناً أنّ توقيت الخطة انتخابي بحت.
وأوضح دحلان في تصريح لصحيفة "العرب" اللندنية أنّ ترامب يقول إنّه "سيتم إعطاء 40 في المئة من أراضي القدس والضفة الغربية فوراً للاحتلال الإسرائيلي، وننتظر لنرى إنّ كنتم أنتم الفلسطينيون أولادًا طيبين في السنوات الأربع القادمة، وإذا ما تأكدنا من ذلك وفق مقاييسنا نحن، سوف نمنحكم بعض ما تبقى من 60 في المئة من أراضي الضفة الغربية، لكن عليكم أولًا أن تسموها دولة فلسطين، وأنّ تعتبروا ذلك نهاية للصراع بشروطنا، وأولها الاعتراف بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل دولة يهودية وإسقاط حق العودة، ولكم دولة بلا حدود إلا مع إسرائيل".
وبيّن أنّ المشروع الأميركي يطرح دولة بلا سيادة جواً وبراً وبحراً، دولة منزوعة السيادة بالكامل عاصمتها في بقعة محشورة، مُضيفاً: "سموها إنّ شئتم القدس الجديدة، باختصار فريق الرئيس ترامب رمى جمرة ملتهبة للجانب الفلسطيني، فإن تلقفها حرقته، وإن تجنّبها قالوا الفلسطيني أضاع فرصة سلام جديدة".
وشدّد دحلان على أنّ مشروع ترامب لا يُقلقه شخصياً بقدر ما ينظر ببالغ الخطورة إلى ما يُنفّذ على أرض الواقع في القدس والضفة الغربية من قضم وضم، ومن ترويض وتدجين للقرار الفلسطيني، وفقدان للثقة وإضعاف للحماسة الوطنية في مجابهة الاستحقاقات، لافتاً إلى أنّه أخذ عهدًا على نفسه بدعم الموقف الفلسطيني الرسمي في هذه المرحلة من المواجهة، وأنّه ملتزم بعهوده ما لم تتغير مواقف الآخرين.
وحول ردّة فعل السلطة ومواقف الفصائل عقب الإعلان عن الخطة الأميركية، قال: "نظرياً الرفض وعملياً لا أحد يحرك ساكناً لمواجهة الصفقة، لكنّ إنّ سألتني هل نحن جميعاً على نفس الخط تعبوياً أقول لك لا نحن لسنا كذلك، وهناك مسافة شاسعة بين ضجيج المواقف وواقع التعبئة الوطنية".
وتابع: "المشهد الحالي مريح نسبياً للاحتلال الإسرائيلي، لأنّ جوهر الموقف الرسمي الفلسطيني مؤسس على منطق أنا أرفض الاعتداء، لكنّ لن أقاوم إلا ببلاغة اللغة، والأمر لا يختلف كثيراً في مواقف الأخوة في قيادة حركة حماس التي تحاول المواءمة بين الاحتياجات الضاغطة والمواقف الواجبة".
وبالحديث عن الأوراق الرابحة في يد السلطة في المعركة الراهنة مع الاحتلال الإسرائيلي، بيّن دحلان "أنّه في أي صراع أوراق القوة دائمًا موجودة بقليل أو كثير من الجسارة الوطنية"، مُستدركاً: "هناك نقاط ضعف في كل صراع، فالنقص ليس في شح الأوراق الرابحة بل في شح الإرادة، ومن هو جاهز للمخاطرة، وقادر على توظيف أوراق القوة، فالمصالح والقناعات الشخصية تلعب دوراً خطيراً في التأثير على طبيعة قرارات هذا القائد أو ذاك".
وأشار إلى أنّ قيادة السلطة الفلسطينية الرسمية لم تستخدم أوراق قوتها بعد، مُضيفاً: "فضلت المغامرة بأضعف الأوراق المرتكزة على تأكيد وتكرار المواقف التقليدية، هل أنا قلق من ذلك لا ونعم. لا: لأنّ الأصدقاء الدوليين يرغبون في رؤية الهدوء وحالة اللاعنف استناداً لنظرية دع المراكب تسير بلا مخاطر، ولا بأس من إتاحة بعض الوقت للأصدقاء ليفعلوا ما يعتقدون بأنهم قادرون عليه، شريطة وضع سقف زمني قصير وواضح لذلك، مع تحفيز المقاومة الشعبية فوراً، ونعم: لأنّ هذه الوداعة السياسية الفلسطينية قد تصبح نهجا ثابتا يطلب أصحابه من الشعب التطبع عليه، وهذا يخالف جوهر حقنا الفلسطيني في مقاومة المحتل".
وأردف دحلان: "لا أحد على وجه الحياة يملك من القدسية والسلطة الوطنية والأخلاقية ما يؤهله منع الشعب الفلسطيني من مقاومة المحتل بكل الوسائل المشروعة في القانون الدولي، وهنا ستبدأ المعضلة والصراع بين وداعة الطبقة السياسية، والغضب الشعبي العارم المشروع".
أما عن رؤيته لتحقيق الوحدة الفلسطينية لمواجهة الخطة الأميركية الداعمة لإسرائيل، عبّر عن أسفه لانتظار خطة أميركية مجحفة ليجد الفلسطينيون طريقهم إلى حل خلافاتهم وتوفير سبل ومقومات وحدتهم، مُتسائلاً: "ألا يكفي الاحتلال كي نتوحد؟ ألا تكفي هذه المعاناة الفلسطينية الوطنية والاجتماعية والاقتصادية الشاملة لنتوحد؟ ألا يكفي ما يهدد القدس من مخاطر مصيرية لنتوحد؟".
ورأى أنّ إنهاء الانقسام وإنجاز الوحدة الفلسطينية أهدافاً وطنية لا يجب أنّ تخضع لضرورات الدبلوماسية والسياسة هنا أو هناك، مُشدّداً على أنّ الوحدة الفلسطينية ضرورة الضرورات لمواجهة الماضي والراهن والقادم من المخاطر المهددة.
وأكّد دحلان على أنّ محاولات تيار الإصلاح الديمقراطي الذي يقوده تُجسّد كل تلك المفاهيم السامية، وعدم الاكتفاء بوضع الخلافات مع حماس جانباً، وعمل التيار على القفز فوق الجراح المؤلمة بحثاً عن أفق وطني جامع.
وقال لقيادة السلطة: "إنّ كنتم قادرين على ضبط الأمور والتواصل مع مؤسسات الاحتلال، وإنّ كانت مؤسسات الاحتلال تجد ضرورة في التهدئة مع حماس وغزة، فلماذا ممنوع ضبط الأمور والتواصل بين قيادة السلطة وغزة وتحديداً قيادة حماس، أين الممنوعات، لماذا الممنوعات، ومن يفرض الممنوعات؟".
ونوّه إلى أنّ الانقسام الفلسطيني آفة فتاكة أضعفت وتضعف المناعة الفلسطينية بشكل عام وعلى نحو شامل، وإنهاء الانقسام وتعزيز قوة الجبهة الداخلية ضرورة إستراتيجية، بغض النظر عن المخاطر والاستحقاقات الراهنة ومن بينها مشروع ترامب.
واستدرك: "على أرض الواقع يُنفذ الاحتلال الإسرائيلي بالقوة مشاريع تغيير ديموغرافية عميقة وآخرها الخطة الاستيطانية لابتلاع أراضي مطار قلنديا، ونتنياهو كان سينفذ تلك المشاريع بوجود أو عدم وجود مشروع ترامب، لأنه وبكل بساطة ليس أكثر من استجابة لوقائع يعمل نتنياهو على فرصها بقوة الاحتلال العسكري".
وأضاف دحلان: “من يُعطّل التفاهم الوطني وإنهاء الانقسام يخدم مخططات نتنياهو الاستيطانية، ومن بينها مشروع ترامب، لأنه ليس أكثر من اشتقاق هامشي لطموحات وأهواء نتنياهو وعصبة توراتية متشددة يقودهم رابايات نيويورك".
وفي معرض إجابته على اتهام بعض الفصائل الفلسطينية للدول العربية بالتخاذل في دعم فلسطين ضد خطة ترامب، طالب دحلان بالكف عن هذا التلاسن العبثي وفي ذلك مصلحة وطنية فلسطينية، مُعبراً عن شكره لما قدّمه الأشقاء العرب بلا استثناء.
وتابع: "قدّم العرب للفلسطينيين كل الدعم السياسي والاجتماعي والمالي على مدى سنوات وعقود، وطلب الفلسطينيون من الأشقاء العرب قبول ما نقبل ورفض ما نرفض، وذلك ما فعلوه تماماً، وكل العرب تبنّوا شعار الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين (مع فلسطين ظالمة أو مظلومة)، والمواقف العربية الرسمية لم تنزل يوماً عن الموقف الرسمي الفلسطيني".
وأوضح أنّ لغة تلك المواقف الثابتة تراعي أحياناً مصالح وموجبات اضطرارية، ومثلما يتفهم العرب المواقف والعلاقات الفلسطينية مع كل من إيران وتركيا وقطر، على الفلسطينيين تفهّم واستيعاب مواقف العرب ومصالحهم وإلا خسرنا الجميع وألحقنا ضرراً بالغاً بالمصالح الوطنية الفلسطينية.
وقال دحلان: "العرب يفعلون ما تطلبه القيادة الفلسطينية منهم، ونحن حين نغضب ونرفض كل مظاهر التطبيع وكل تواصل عربي إسرائيلي، وذلك حق وواجب، لكن في نفس الوقت الناس تسألنا عن التنسيق الأمني (المقدس) ودعوات الحج إلى القدس، فمن أين يطلب الحاج العربي أو المسلم التأشيرة وإذن الدخول إلى أراضينا المحتلة؟ نحن أم من المحتل؟ وبكلمة واحدة لست مع ما يقدم عليه بعض العرب، لكن لا أريد للقيادة الفلسطينية خسارة أي عربي".
وبالحديث عن تأثير عدم تجديد الشرعيات في المؤسسات الفلسطينية على الوضع الراهن، بيّن أنّه وقف في عام 2005 بكل قوة إلى جانب أبومازن إيماناً بمواقفه المعلنة عن الديمقراطية والحوكمة والشفافية ومكافحة الفساد وبناء المؤسسات السليمة، وليس نادماً على وقفته ومواقفه لأنه انحاز لآماله وطموحاته المنحازة لأبناء جيله وللشعب الفلسطيني.
وأضاف: "بكل صراحة أقول نحن جيل تأثر بإشعاعات وقيم الديمقراطية الإسرائيلية رغم كل نفاقها ومحاولاتها اليائسة للفصل بين ديمقراطيتهم وبشاعة احتلال تلك الديمقراطية المزعومة لأرضنا وشعبنا، واليوم نحن نقف أمام واقع مؤلم، واقع تكريس الزعيم الضرورة وتخوين من يطالب بالتغيير، ومع كل ذلك أقول وعلى رؤوس الأشهاد بأن شرعية الأخ أبومازن الآن ليست قانونية أو دستورية، ولا مجال للحديث عن شرعيته إلا إن قرر هو استبدال شرعية الصندوق مؤقتا بشرعية المقاومة الوطنية الجدية وبمقاومة فعلية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وذلك ركن لم يتحقق بعد، لكن علينا أن ننتظر".
أما عن رؤيته لموقف الرئيس أبومازن من الترشح مجدداً للرئاسة، أكّد دحلان على أنّه لا يتمنى مشهداً سيئاً لأبومازن إنّ قرر الترشح مجددًا في هذا السن رغم محافل النفاق حوله، لكنّ إجمالاً أي شخص حر في خياراته، وله كل الحق في الترشح للمناصب العامة، ويبقى الشعب هو صاحب القرار الأول والأخير.
وأوضح: "إذا أراد أبومازن الترشح لأي منصب رسمي فعليه أولًا إعلان ذلك، ثم عليه ثانيًا إقناع الشعب لانتخابه، وعليه ثالثاً تقبّل قواعد الديمقراطية وروح المنافسة الشريفة مع مرشحين آخرين دون تشكيك أو تهميش وتخوين"، مُتسائلاً: "لكن هل فعلاً نحن أمام أجندة انتخابية وطنية جدية أم نحن في رحلة بحث عن أسباب عدم إجراء الانتخابات؟".
الترشح للرئاسة
وحول إمكانية ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، جدّد دحلان التأكيد على أنّه من السابق لأوانه الإجابة على هذا السؤال، مُضيفاً: "كل الاحتمالات مفتوحة وكل الناس يتمتعون بحقوق متساوية، لكن السؤال الأهم هو هل نحن على أعتاب انتخابات فلسطينية وشيكة؟".
ونبّه إلى أنّه لا يسعى ولا وقت لديه لمعارك جانبية سخيفة مع بعض الإخوان أو غيرهم، رغم سعي البعض إلى إدامة هذه المعركة الجانبية"، مُردفاً: "من كان يفعل ذلك لأسباب فلسطينية أقول له ركّز على الاحتلال والاستيطان، ولدينا المتسع من الوقت للعراك لاحقًا، أما من يريد افتعال المعارك معي لأسباب إقليمية فأقول له العب بعيداً يا شاطر، أنت مكشوف وأطماعك وشهواتك معروفة ومكشوفة، وليس لديّ وقت لتفاهاتك الرخيصة، لكن إن قررت المضيّ قُدما في معركتك المشبوهة معي، فلن تجد مني إلا الإهمال والاحتقار، فارجع إلى أسيادك هنا أو هناك وقل لهم لم نستطع استدراج دحلان للجدل".
ورداً على سؤال حول أسباب ازدياد الهجوم ضده، شدّد على أنّ العقول المريضة وحدها تفكر بعقلية قطاع الطرق، مُستدركاً: "أنا محمد دحلان هنا قوي وصريح وثابت على مواقفي المناهضة للانقسام الوطني، المقاومة للاحتلال، والداعية إلى بناء جبهة فلسطينية عريضة تطلق مقاومة وطنية جدية وفاعلة لمجابهة الاحتلال، والساعية إلى إعادة إنعاش وتكريس الديمقراطية الفلسطينية سبيلًا وحيدًا لإعادة بناء الحياة السياسية الفلسطينية".
كما أكّد على أنّ الفلسطينيين يُريدون الانتخابات الآن قبل الغد، بحيث تكون شفافة شاملة وغير خاضعة للأعذار والشروط الإسرائيلية، مُتابعاً: "نريدها في القدس قبل الضفة وقطاع غزة، ونقول للجميع ولمن بيدهم الأمر نريد فتح موحدة في الانتخابات فذلك حلمنا وهدفنا، وإن لم تفعلوا عليكم تحمّل نتائج المخاطرة الديمقراطية، ونعدكم بأننا شركاء في وحدة فتح والمقاومة وحماية الديمقراطية، وإن افترقت الطرق تقول لهم لا تخافوا، ربما لن نتفوق عليكم في الانتخابات، لكننا سنكون حاضرين في المشهد وبقوة، ولن تستطيعوا تغييبنا".
وبيّن دحلان أنّ تيار الإصلاح الديمقراطي لا يرى الانتخابات قريبة، لأنّ من بيدهم زمام الأمور لا يضع تلك الانتخابات الضرورية على رأس أولوياته، موضحاً: "هي بالنسبة لهم من ضرورات الكلام وشعارات لاستكمال الديكور اللفظي وديماغوجيا الخطاب الشعبوي الفارغ من أي مضمون".
وعن وجود فرصة لعقد الانتخابات بشكلٍ جدّي، لفت إلى أنّه لا يحكم على النوايا بقدر ما يتعامل مع الوقائع، مُبيّناً في ذات الوقت أنّ الرئيس عباسيقول إنّه يُريد انتخابات ولا يمكن التشكيك في تصريحاته المعلنة، لكنّ واقعياً هو مضطر أو بالاختيار وضع مفتاح الانتخابات الفلسطينية بيد المحتل بحجة القدس دون التفكير بمخارج وحلول خلاقة، وشعبنا قادر على الإبداع بها، ولا أعرف إنّ كان ذلك يحدث سهواً أو عمداً.
وبسؤاله عن الطرف المعطّل للمصالحة الفلسطينية، رأى أنّ الطرف المعرقل لها هو الأكبر ثم الكبير، مُضيفاً: "في المشهد الراهن مفاتيح معالجة الانقسام بيد قيادة السلطة، ولو فعلّت مفاتيح الحل فإنها إما ستنجح وإما ستكشف المعطل، أي أنها منتصرة في الحالتين، وقيادات السلطة تعتبر المصالحة مع حماس بمثابة طلاق رسمي مع إسرائيل والتنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي".
وأشار إلى أنّ حماس مستعدة ومحتاجة ومرحبة بالمصالحة، لأنّها تُريد التخفيف عن نفسها من الأعباء الاجتماعية والاقتصادية لإدارة حياة الناس في غزّة، لكنّها أيضاً مشاركة في التعطيل، داعياً حماس إلى التخلّي عن السلطة لنزع الذرائع.
وتابع: "حماس حركة سياسية براغماتية، وما يراه البعض تناقضاً في مواقفها قراءة خاطئة، لأنّها تمتلك ديناميكية التكييف والتعايش مع متطلّبات وشروط كل مرحلة من مراحل الصراع حسب مصالحها، ومن يظن بأنّها حركة دراويش أو انتحاريين أو عابثين فهو في مكان غلط، نعم لحركة حماس خياراتها العقائدية وتحالفاتها مع تركيا وإيران وقطر، لكنّها تُدرك قيمة وأهمية علاقاتها المصيرية مع مصر، وكذلك بطريقة غير مباشرة علاقاتها مع إسرائيل والغرب، وفي الوضع الراهن هناك تداخل شديد بين شبكة العقائد والمصالح، وما دامت هناك مصالح تُوجد مساحة للحوار والتوافق، واليوم فقط مصر تستطيع تطوير أجندة المصالح مع حماس لتعزيز التهدئة وتمهيداً لإنهاء الانقسام الفلسطيني".