ثمة ما هو مهم ذكره لهذا الحوار الذي اجراه القيادي الوطني الفلسطيني و قائد التيار الاصلاحي بحركة فتح مع صحيفة العرب المؤرخ بتاريخ 2/3/2020 .
لقد شدني كثيرا بما احتوى من ركائز تفصيلية و مركزة حول الوضع الذاتي للواقع الفلسطيني و امتداداته الاقليمية و الدولية ، لقد فتح شهيتي التي كانت تحتاج غذاء وطني خالص في هذه المرحلة الدقيقة بعد ان تداخلت كثير من المفاهيم والاعتبارات والتعليلات والتبريرات من وسائط قيادية مختلفة في داخل الساحة الفلسطينية ، فتح شهيتي بصفاء الابجديات و نقائها ووضوح مفاهيمها ومعانيها السياسية و الوطنية ، في هذا الوقت الذي يجب ان يكون فيه القائد في علاقة مباشرة بين الحدث و الشعب ووضوح اللغة و الهدف ، وعندما تتعلق الأمور بمصير شعب و وطن و مؤسسات وارض و تاريخ .
فعندما يتحدث محمد دحلان يتحدث من موقع الرصيد الكافي نضالا وتاريخا و معلوماتيا ولذلك في المحصل قد نجمع المشهد بكامله وبكل تفاصيله و كما اوضحها في هذا الحوار .
من اول القضايا التي برزت في هذا الحوار موقف دحلان مما يسمى صفقة القرن الذي وصفها بأنها لا تمثل تلك الخطورة الكبيرة بل الخطورة من الاجراءات العملية التي تنفذ على الأرض في حين ان تلك الصفقة لا تعطي اي سيادة فلسطينية لا ارضا ولا جوا ولا بحرا و دولة بلا حدود و انهاء الصراع بالشروط الامريكية الاسرائيلية مع اغتصاب وتهويد 60% من اراضي الضفة الغربية ، حتى تلك الدولة كما وصفها دحلان هي تحت الاختبار لمدة 4 سنوات و هي دولة منزوعة السلاح في النهاية ، واوضح دحلان ان الموقف الفلسطيني لا يحسدوا عليه فإن قبلوا تفاصيلها وقبلوها كما وصف "حرقتهم" و ان لم يقبلوها "قالوا ان الفلسطينيين اضاعوا فرصة أخرى للسلام" و هنا يشير دحلان للمبادرات السابقة منذ عام 1938 مرورا بقرار التقسيم و المبادرات التالية التي رفضها الفلسطينيون و الجانب العربي ولكن كان رأي دحلان بالتأكيد بأنه لا يمكن التعامل مع تلك الصفقة بأي حال من الأحوال .
من يتعمق في هذا الحوار و أبجدياته يصل الى قناعه بأن محمد دحلان وبخلفيته الفتحاوية بأدبياتها مجتمعة هو رجل ثورة ورجل كفاح مسلح و هي احد افرع الحرب الشعبية المؤثرة وان لم يصرح بها لاعتبارات متعددة ، محمد دحلان يؤمن بالبناء الثوري بخطوطه التعبوية و التوعوية المستندة الى ثقافة المقاومة الشعبية التي تنطلق من عمق الشارع الفلسطيني وبإرادة شعبية التي تستطيع ان تفرز واقع جديد ، وهذا اعتقد ما اشار له بشكل اخر في اشارة الى الصمت الفلسطيني الذي يصل الى حد العجز بتقليدية المواقف وكلاسيكيتها ردا على صفقة القرن و الاجراءات الاسرائيلية التي عبر عنها بأنها تنفذ على الأرض ، فعملية ضم اجزاء كبيرة من الضفة والقدس سيقوم بها ناتنياهو سواءا بصفقة القرن او بدونها ، ولقد عبر عن ذلك ايضا في جزء من الحوار و موقع في هذا الحوار بالتالي " أن مشروع ترامب لا يقلقه شخصيا بقدر ما يقلقه ما ينفّذ على أرض الواقع في القدس والضفة الغربية من قضم وضم، ومن ترويض وتدجين للقرار الفلسطيني، وفقدان للثقة وإضعاف للحماسة الوطنية في مجابهة الاستحقاقات، وأنه أخذ عهدا على نفسه بدعم الموقف الفلسطيني الرسمي في هذه المرحلة من المواجهة، ويلتزم بعهوده ما لم تتغير مواقف الآخرين على نحو يهدد السلامة الوطنية.
وعن ردّة فعل السلطة ومواقف الفصائل عقب الإعلان عن الخطة الأميركية، أكد دحلان أنه نظريا الرفض وعملياً لا أحد يحرك ساكنا لمواجهة الصفقة،"
اما عن ارادة المقاومة للشعب الفلسطيني و بدون تسميات لهذا الفصيل او ذاك فهي ارادة شعب وقراره في النهاية ، فقد اوضح في استرسال لتفاصيل المشهد بالتالي "لا أحد على وجه الحياة يملك من القدسية والسلطة الوطنية والأخلاقية ما يؤهله منع الشعب الفلسطيني من مقاومة المحتل بكل الوسائل المشروعة في القانون الدولي، وهنا ستبدأ المعضلة والصراع بين وداعة الطبقة السياسية، والغضب الشعبي العارم المشروع”.
و هنا قد يكون التحريض في الإتجاه الإيجابي لكي يصنع الشعب الفلسطيني متغير بدلا من الصمت الذي يقبع في سلوكيات و ادمغة الطبقة السياسية وهي المعالجات الحقيقية للموقف و هنا اشير ان تلك الطبقة السياسية العاجزة الهرمة لابد من تجديدها والخروج عن المألوف و الحالة الكلاسيكية والنمطية ، فالشعب الفلسطيني مبدع ولا محال من الخروج من هذا الواقع و ان كان القائد الفلسطيني محمد دحلان لاعتبارات كثيرة قد اختار ابسط الجمل واخفها حين اتهم القيادة السياسية بالصمت فإن ما يشير له ذوي الفكر في الساحة الفلسطينية وتشخيصا للواقع فإن هذا الصمت ان كان فشلا او قلة حيلة فإنه يعني الاتهام ويعني ايضا التواطؤ ، فهناك خيارات التي ذكرها القيادي محمد دحلان انها اضعف الاوراق التي اختارتها القيادة ، ولكن هناك خيارا قويا كما وصفه محمد دحلان بالمقاومة الشعبية ، او ان تعلن على الملأ للشعب الفلسطيني بأنها عجزت وفشلت وتقدم استقالتها من خلال عملا مشروعا قانونيا لملئ الفراغ في الساحة الفلسطينية فهناك قضية الانتخابات التي وصفها محمد دحلان وركز عليها بأنها استحقاق وطني بصرف النظر عن اي اعتبارات اخرى وهي ضرورة ملحة ، وموضحا بأن الترشح من حق اي فلسطيني حتى الرئيس محمود عباس اما عن ترشحه للرئاسة التي ينظر لها بأنها يجب ان تكون بعيدة عن الاستحواذ او الاقصاء قائلا بأن كل الاحتمالات مفتوحة ولكن ركز على ان تكون الانتخابات ان يقبل الجميع مبدأ الديمقراطية بدون تهميش او تشويه او تخوين او تشكيك وقبول مرشحين و منافسين و في موقع اخر من الحوار اكد ان قضية الانتخابات يتناقلها المسؤولين في السلطة بشكل شعبوي وبخطاب شعبوي بعيد عن الحالة الجادة ، فهم لا يضعونها في اولوياتهم وجعلوها خيارا اسرائيليا و ما يتعلق بقضية الانتخابات بالقدس ، اما كما وصف لترشح ابومازن و منظور الشرعيات في الساحة الفلسطينية فأبو مازن ليس لديه شرعية للأن الا بالانتخابات وامامه خيار اخر وهي الشرعية الثورية وهو يفتقدها اي تعني الكفاح المسلح والثورة والغاء جميع الاتفاقيات مع الجانب الاسرائيلي .
اما عن المصالحة والمعطل فكانت وجهة نظر دحلان ان المعطل هو رأس الهرم الفلسطيني وهو محمود عباس ويليه حماس ، ناصحا حماس بتخليها عن السلطة و موضحا ان حماس بحاجة الى المصالحة لتتخلص من اعباء قطاع غزة الملقاه على عاتقها الان ومضيفا ان حماس فصيل براغماتي يجيد العمل في كافة الظروف والمراحل ويستطيع ان يتعامل مع كافة الاوضاع المختلفة والمتغيرات و من يصف حماس بغير ذلك فهو في موقع خطأ من الفهم وحماس تحتفظ بعلاقات معتدلة وهامة مع مصر ومثيلتها مع ايران و تركيا وقطر ، وهناك تطوير للعلاقة بين حماس ومصر وفهم لدور مصر التاريخي .
خصصت في هذا المقال اهم الركائز التي اتت في هذا الحوار ولم اتطرق للخلاف مع تركيا والهجمة الشرسة التي يشنها اردوغان على محمد دحلان ، و موقف دحلان من هذا الهجوم ، ولكن قد اوضح ان هذا النظام عجوز وآيل للسقوط هو و حركة الاخوان المسلمون وان هناك علاقات تاريخية تربط الشعب الفلسطيني و الشعب التركي وهذا النظام مصيره الى الزوال و مشيرا ايضا في موقع اخر من الحوار بأن هناك من يريد ان يستدرج القيادي محمد دحلان لسجال ومواقع من المناكفات و افتعال معارك جانبية قال لهم دحلان "اولا اهتموا بالاحتلال وملحقين على خلافاتنا " واصفا لهؤلاء بالسخافه ولن يجدوا ردود فعل منه لأفعالهم الرخيصة والسخيفه .
يحتاج هذا الحوار الى عمق و دراسة وهو اثراء من حيث الوصف والمعالجات للواقع الفلسطيني بإمتداداته الاقليمية والدولية .