«حماس» تسعى إلى تغيير «قواعد اللعب» عبر الوساطة الروسية

حجم الخط

بقلم: شلومي إلدار


لا تريد «حماس» أن تنأى بمصر كوسيط رئيسي بين الجماعة وإسرائيل، لكنها ترغب في إضافة روسيا إلى المعادلة.
في حين أن إسرائيل مشغولة بحملتها الانتخابية المشؤومة، توجه رؤساء «حماس» إلى الكرملين في 2 آذار للقاء وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف. لم تحصل هذه الزيارة على أي تغطية إعلامية تقريبا في إسرائيل. ومع ذلك، فمن المحتمل أنه حتى لو تمت الزيارة في ظل ظروف طبيعية غير انتخابية، فلن يقوم رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ولا زعيم «أزرق أبيض»، بيني غانتس، بشجب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لاستضافة رؤساء منظمة حددتها إسرائيل – وكذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمات إضافية – كيانا «إرهابيا». لا يمكننا إلا أن نخمن كيف كان رد فعل شخصيات إسرائيلية بارزة لو أن هذه الزيارة تمت في دولة أوروبية أو آسيوية أو أميركا اللاتينية. ولكن عندما يفتح بوتين بوابات الكرملين لـ»حماس» يختار نتنياهو الصمت.
من بين شخصيات «حماس» في موسكو رئيس «حماس» اسماعيل هنية. نائبه، صالح العاروري؛ وموسى أبو مرزوق، عضو آخر بالمكتب السياسي. في تغريدة، تفاخر أبو مرزوق بالمحادثات الرسمية والمثمرة على طول الطريق، حتى أنه نشر صورة لهنية وهو يقدم هدية متواضعة لافروف – لوحة للمسجد الأقصى وحمامة (حمامة السلام؟).
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يستقبل فيها قادة «حماس» بحرارة في موسكو. زار الرئيس السابق لـ»حماس»، خالد مشعل، موسكو في آذار 2006، على رأس وفد من كبار السن من «حماس» من غزة ودمشق. تمت هذه الزيارة بعد أسابيع قليلة فقط من فوز «حماس» في انتخابات البرلمان الفلسطيني وتعيين هنية رئيسا للوزراء. في البداية، كان من المفترض أن يلتقي مشعل مع بوتين، لكن في اللحظة الأخيرة، تم تخفيض رتبة الزيارة. كانت لوفد «حماس» علاقة مع وزير الخارجية في اجتماع في غرف وزارة الخارجية. في اليوم التالي فقط أجرت قيادة «حماس» جولتها المنشورة في الكرملين.
ربما تكون تلك الزيارة في العام 2006 غيرت الوضع المحزن في غزة، وسعت «حماس» الى الضحك للحصول على اعتراف دولي من شأنه أن يخرجها من العزلة والحصار الجزئي الذي تفرضه إسرائيل على القطاع (الذي كان في حقبة ما قبل العام 2007). لكن بدلاً من التصرف كدبلوماسي محسوب، وجد مشعل ملجأً في شعاره الذي لم يتغير: «لن نعترف بإسرائيل». حتى صيغة التسوية التي عرضتها موسكو على «حماس» رفضها مشعل. وهكذا، عاد إلى دمشق بأيد فارغة واستمر الإغلاق على غزة المعزولة حتى يومنا هذا.
التقى مشعل مع لافروف مرة أخرى في آب 2015 في قطر. في تلك المرحلة، طلب مشعل مساعدة القطاع في ضوء التدمير الرهيب للبنية التحتية وآلاف الأشخاص الذين قُتلوا أو جُرحوا من جراء القصف الإسرائيلي. لكن «حماس» لم تتلق شيئا. تحاول قيادة الحركة الآن تجنيد مساعدة موسكو، هذه المرة لإكمال الترتيب مع إسرائيل أو على الأقل تلقي ضمانات بهذا المعنى.
لكن الأمور تغيرت منذ آخر لقاء لافروف مع مشعل منذ 14 عاما في الكرملين – التغييرات ليس فقط في «حماس» ولكن أيضا في العلاقات بين موسكو والقدس. بعد سنوات من التمرد، استوعبت «حماس» أن سياسة «لا» لم تتقدم في المنظمة بمقدار بوصة واحدة. صحيح أن الترتيب مع إسرائيل لا يشكل اعترافا رسميا بوجود دولة إسرائيل، لكنه بالتأكيد اعتراف ضمني.
يتطلب الاتفاق بين إسرائيل و»حماس»، الذي تمت بلورته في العام الماضي – والذي يطلق عليه «ترتيب» – وقف العمليات المسلحة من جانب «حماس» مقابل تسهيلات اقتصادية. بمعنى آخر: اعتراف فعلي بإسرائيل دون إعلان رسمي. يزعم منتقدو «حماس» في غزة أن المنظمة تخلت عن طريق الجهاد والنضال المسلح، وهناك بعض الحقيقة في ذلك.
يدرك هنية أن كلمة واحدة من بوتين إلى نتنياهو لها وزن أكبر بكثير من كل المحادثات التي أجراها رؤساء المخابرات المصرية مع كبار الجنرالات الإسرائيليين، ورئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) نداف أرغامان، ومدير مجلس الأمن القومي مائير بن شبات. يمكن لرعاية بوتين لجهات الاتصال من أجل ترتيب ما، من وجهة نظر «حماس»، أن تساعد في تعزيز عجلات ترتيب ما على افتراض أن الروس يضطلعون بدور الوسيط المعني، وأن كلا الطرفين يتعاون في هذه العملية.
بشكل عام، كلا الجانبين – إسرائيل و»حماس» – مهتمان بترتيب ومستعدان لدفع الثمن. بالنسبة لـ»حماس»، هذا يعني التخلي عن الجهاد. كما ذُكر آنفا، فإن هذا يترجم إلى قبولها الصامت بوجود دولة إسرائيل. هناك تنازلات إضافية أخرى متضمنة: اتفاق غير معلن على أن حدود فك الارتباط من غزة، التي بدأتها إسرائيل في العام 2005 هي الحدود بين غزة وإسرائيل. تم التخلي عن حلم تحرير أرض الوقف (الأرض المقدسة لفلسطين). بالنسبة لنتنياهو، أي ترتيب مع «حماس» هو ترتيب مع منظمة «إرهابية» نجحت في فرض «الإرهاب» على إسرائيل، وهو ترتيب مع كيان «إرهابي» قال هو نفسه إنه يجب إلغاؤه. الآن يجب عليه خفض ملف التعريف الخاص به والتوصل إلى اتفاق معهم بدلاً من ذلك.
في الأشهر الأخيرة، سمح نتنياهو بتدفق الأموال القطرية إلى القطاع. هذا ما يبقي «حماس» على قيد الحياة. كما أن رئيس الوزراء على استعداد للنظر في مطالب خاصة، بما في ذلك منح آلاف تصاريح العمل للعمال في غزة والموافقة على المشاريع الاقتصادية، والتي من شأنها في الواقع أن تديم نظام «حماس» في القطاع. كل هذا على الرغم من نقطة مؤلمة واحدة: لم تمنع «حماس» «الجهاد الإسلامي» من إطلاق الصواريخ على إسرائيل في جولات لا تعد ولا تحصى خلال الأشهر الأخيرة.
العلاقات التي تريدها «حماس» مع موسكو لم تكن تهدف إلى استبدال الوساطة المصرية. لم يخدع أي من قادة الحركة أنفسهم في الاعتقاد بأن مصر مستعدة للتخلي عن دورها كوسيط. تدرك «حماس» أيضا أن مصر تسيطر على «أنبوب الأكسجين» في غزة، وهو معبر رفح الح دودي. لكن هنية ورؤساء الحركة الآخرين يعتقدون أن موسكو يجب أن تنضم أيضا إلى طاقم التمثيل وأن تلعب دورا بسيطا وراء الكواليس. سيكون هذا «الدور» هو الحفاظ على الضغط على نتنياهو. في الواقع، سوف يفكر نتنياهو مرتين قبل أن يقول «لا» لبوتين.
حتى الآن، تعاون نتنياهو ورؤساء الأذرع العسكرية الإسرائيلية مع المصريين بتفهم كامل. تنظر كل من إسرائيل ومصر إلى «حماس» على أنها منظمة إشكالية يجب أن تكون موضع شك في جميع الأوقات. ومن الأمثلة على ذلك القيود التي فرضها المصريون على هنية في أعقاب الزيارة الأخيرة لهنية لإيران. سوف ترحب إسرائيل بإضافة لاعب ثقيل الوزن مثل موسكو إلى اتفاق الترتيب، حتى لو كان ذلك «بدوام جزئي». قد يغير وجود موسكو القواعد الواضحة للعبة التي تم إنشاؤها بعد سقوط جماعة الإخوان المسلمين في مصر، العام 2013.
على أي حال، فإن وجود موسكو له ميزة لا يمكن لأحد أن ينكرها: تعرف كل من إسرائيل و»حماس» أنه إذا تورطت موسكو ودعمت اتفاق ترتيب، فلن يجرؤ أحد على اللعب به.

عن «المونيتور»