إذن ثمة انتفاضة في القدس شديدة، حيث إنها جبت حياة أناس، ونجحت في الصعود الى العناوين الرئيسة. وهي لم تبدأ، أمس، واذا اعتمدنا على معطيات الشرطة فهذا موضوع عمره سنة ونيف. كم نيفا؟ منوط بمن تسألون – ذاك الذي رشقوا عليه حجرا أم رجل الإحصاء.
في كل الاحوال فقد باتت الان، وان لم يوقع أحد بعد رسميا على الاسم، انتفاضة ثالثة. ومثل حرب لبنان الثانية، يستغرق هضم الامور والاعتراف بأن ما نراه هو بالفعل الامر نفسه وقتا.
قبل اسبوعين كتبت عن ذلك هنا. هذا لا يصل الى الصفحات الرئيسة في الصحيفة ولا تستهل به نشرات الاخبار. بعد ذلك أحصيت سلسلة طويلة من النماذج التي يفترض بها أن تثبت ما أزعمه: آلاف احداث الاحراقات المقصودة، الاصابات القاسية والمتكررة للقطار الخفيف، مئات حالات رشق الحجارة والزجاجات الحارقة في الشهر، اضطرابات في الحرم، سيطرة على محطة شرطة هناك وكذا دواليك، كل ما يندرج في نهاية النهار ضمن التعريف المضني. كما اقتبست عن باحث كبير أوصى بالامتناع عن استخدام الاصطلاح، لأن من شأن هذا أن يكون نبوءة تجسد نفسها. وأنهيت بالقول ان المشكلة ليست في تعريف الاسم بل انعدام الفعل، والتسليم بما يحصل.
وكانت هناك ردود فعل. ومثلما هي الحال دوما، فان البعض اتفق والبعض لم يتفق، احد ما – شخص مدعٍ يعتبر موضوع التماثل ضروريا له وكان فيه يكمن الخلاص - ادعى ضدي بأني ضربت نماذج على رشق الحجارة ولكن ليس على "تدفيع الثمن" على انواعها، وآخرون كتبوا يقولون: "انعدام الفعل؟ آلاف الشرطة، جنود حرس الحدود، جنود النظامي ينشغلون في هذا".
صحيح أنه الآن ينشغل في هذا الشأن آلاف افراد الشرطة والجنود، ومن شبه المؤكد أن هذا يجتذب زمن وجهد قسم كبير من كبار رجالات الشرطة والجيش. الكل منشغلون في المساعي لاطفاء الحريق، او على الاقل للسيطرة عليه. الاحتمالات غير عالية ولكن اذا ما وعندما ينتهي هذا فانه لن يقال اننا نجحنا بالفعل، او أن تشديد العقاب على راشقي الحجارة، أو أنه فرضت غرامات ثقيلة على اهالي الفتيان، أو أن وحدات مختارة من أجهزة الامن أخرجت من البيوت واعتقلت في ظلمة الليل أولئك الذين اعتبرتهم زعماء الكفاح. مثال جيد على ذلك هو كفاح محمد علان، المعتقل الاداري المضرب عن الطعام والذي تسرح لتوه من المستشفى في نهاية كفاح طويل، واعتقل مجددا. لا حاجة لان يكون المرء عبقريا كي يقدر بأنه ليس فقط سيعود ليضرب عن الطعام، مثلما فعل حقا، بل سيجد نفسه على ما يبدو مرة اخرى في المستشفى، واسرائيل ستجد نفسها في النقطة ذاتها بالضبط.
هذا هو الموضوع: آلاف افراد الشرطة ممن تم استدعاؤهم في العيد لضمان سلامة المواطنين في القدس، في الطريق اليها وفي "المناطق"، ليسوا البرهان على أن انعدام الفعل. العكس هو الصحيح. هذا دليل على انعدام الفعل. فلو لم تكن حكومة اسرائيل ترد كل امكانية للقيام بخطوة من التفاهم، التسوية – لكان بوسع افراد الشرطة هؤلاء أن يحتفلوا مع ابناء عائلاتهم حول طاولة رأس السنة.
أن ندعو الان ابو مازن الى المحادثات، بل والاعلان بأن هذا بلا شروط مسبقة هو مهزلة حقا. فماذا يعني بلا شروط مسبقة؟ أي بلا أن يعملوا على تهدئة الخواطر؟ بلا أن نبذل نحن جهودا للتهدئة؟ بلا أن نرى مثلا أننا نفهم بأنه لا يمكن تحرير علان وفي الوقت ذاته اعتقاله مرة أخرى؟
لقد انتهت الانتفاضة الاولى باتفاقات اوسلو، وانتهت الانتفاضة الثانية باعادة احتلال الضفة وبناء جدار الفصل، ولكن ايضا مع 1.115 قتيلا اسرائيليا ونحو 8.000 جريح ومع 4.269 قتيلا فلسطينيا ونحو 30.000 جريح.
إذاً، على اسرائيل على ما يبدو أن تقرر كيف ستنتهي الانتفاضة الحالية. صحيح: ليس كل شيء منوطا بنا. وفي ضوء الواقع في الشرق الاوسط، فان احدا لا يخطئ في التفكير في أنه بيدينا سنغير الأمور. ولكن، ولا يزال، ومهما يكن من كليشيه، فان لرقصة التانغو هناك حاجة إلى اثنين.
عن "يديعوت"