الانتحار أو الشروع فية في مجتمعنا الفلسطيني ظاهرة خطيرة للذين ينهوا حياتهم بتلك الصورة البشعة , التي أقدم عليها شباب وفتيات فلسطينيات في الآونة الأخيرة ، وهي مؤشر خطير وجديد من نوعه تجاه مجتمع مسلم ومحافظ، لديه عاداته وتقاليده الدينية والنضالية والأخلاقية التي تحكمه والتي تنهية عن قتل النفس . فمنذ أن أخذت حالة الأمن الإنساني داخل المجتمع الفلسطيني لاسيما في قطاع غزة بالتدهور بدأت تظهر مؤشرات واضحة تدل على تغير حقيقي في سلوك وعادات الأفراد داخل المجتمع وهي تغيرات سلبية لا علاقة لها بالفكر والدين، أي أن الآفة حديثة وهي بمثابة صراع أخر مع الحياة والذات وضد سيرة الإنسان الفلسطيني الأخذة في الانحدار في الوقت الراهن ، بالتالي القضية طارئة جدآ وتستدعي الانتباه والبحث من قبل الجهات ذات الأختصاص. وذلك لما طالعتنا به وسائل الإعلام على مر الأيام والأشهر الأخيرة من ارتفاع مؤشرات الإنتحار وبوسائل متعددة ، محملين أستمرار الوضع السياسي والإجتماعي والإقتصادي المزرى الذي يعانية الشعب الفلسطيني وبالأخص قطاع غزة نتيجة الإحتقان في الشارع الفلسطيني وتعذر المصالحة الفلسطينية. وحالة الجمود السياسي وغياب أي أفق سياسي من عملية التسوية والحصار وأفق البطالة والفقر والحرمان كشماعة يعلقون عليها أسباب الإنتحار تاركين خلفهم الجرم الأكبر من فقدان الوعي بما يحيل ألية الشروع بتلك الحالة من عقاب ناتج عن إرتكاب هذا الجرم الخطير , مستعينين بالجهل علي أنهم مالكي حياتهم وهم يعلمون أن الله هو الذي وهبهم هذه الحياة وهو الواحد الأحد القادر فقط علي إنتزاعها .
فمن منطلق قول الله تعالى ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾. فالنفس ملك لله وحده، والحياة وهبها الله للإنسان، فليس للإنسان أن يستعجل الموت بإزهاق الروح؛ لأن ذلك تدخل فيما لا يملك، وتؤكد تعاليم الدين الإسلامي على أن الإنسان في هذه الحياة في مرحلة عابرة، وأن الحياة الحقيقية هي الحياة الأخروية التي يجازى فيها الإنسان يوم يقوم الناس لرب العالمين، وأن هذه الحياة فترة أختبار أي: دار آمتحان وإبتلاء، وعلى هذا الأساس فإن الإسلام يحث على الصبر على طاعة الله وفي مواجهة الحياة وما يعرض للإنسان من متاعب بروح الإيمان بالله واليوم الآخر، والتسليم لأمر الله وقدره، وعدم الجزع، ولا اليأس من رحمة الله، وأن الله يجازي العباد في الدار الآخرة، كما أن مفهوم الحرية الشخصية؛ لا يتجاوز حدود العبودية لله رب العالمين. فالموت ليس خلاصا من الحياة، وهي لا تنتهي به، وعقوبة القاتل نفسه لا تتحقق إلا في الحياة الأخروية ، وما قد يترتب عليه من تعذيب نفسه، وإقلاق أسرته ومجتمعة، ولربما كانت وفاته سببا لتفويت حقوق والتزامات متعلقة بالآخرين. أن جناية الإنسان على نفسه كجنايته على غيره في الإثم لأن نفسه ليست ملكا له مطلقا بل هي لله تعالى فلا يتصرف فيها إلا بما أذن له فيه . وفي الحديث: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :من قتل نفسه بحديدة؛ فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه؛ فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه؛ فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا النفس وغيره من أصحاب الكبائر في النار. وفيه إثبات عقوبة بعض أصحاب المعاصي.
يعد قتل الإنسان نفسه معصية من كبائر الذنوب، ويكون قاتل نفسه عاصيا، ويعاقب في النار يوم القيامة، بسبب هذا الجرم الذي أرتكبه، ولا يخرج عن الإسلام بهذه المعصية، ولا يخلد في النار، قال الله تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء﴾.
الإنتحار محرم في الإسلام، وهو كبيرة من كبائر الذنوب، وقد ثبت تحريمه بالكتاب والسنة. قال الله تعالى:﴿ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما﴾.
أن الإنسان ملك لخالقه ومولاه، فقد وهبة الله الروح والجسد وأمر الملائكة بالسجود له، وأنزله إلى الأرض ليعمرها، ويكون خليفة الله فيها. فلا يجوز للمسلم قتل نفسة فجسمه أمانة إئتمنه الله عليها ولا يجوز إتلاف الجسم؛ لأنه لا يجوز العبث بالأمانة.
لقد ابتليت الأمة بنكبات كثيرة على مر الدهور والأزمان حتى يومنا هذا، وأشد أنواع النكبات التي قد تبتلى بها الأمة أن يتسرب اليأس إلى القلوب، وتتفرغ القلوب من الأمل واليقين، فيتخلص المرء من حياته عن طريق الإنتحار لاعتقاده أن هذا هروب ، ولقد ظهر في الآونة الأخيرة في مجتمعنا جريمة تعد من أبشع الجرائم على الإطلاق، وهي جريمة الإنتحار.
والأسباب الذي يظهرها من يشرك بهذا العمل ناجمة عن ضعف الوازع الديني عند الإنسان/عدم اكتمال المعنى الإيماني في النفس البشرية/الجهل والجزع وعدم الصبر، والأستسلام لليأس والقنوط/المشاكل الاقتصادية كالفقر، والبطالة/المشاكل الأُسرية وأحترام الذات/الأنفتاح الإعلامي والثقافي غير المنضبط الذي نعيشه في مجتمعنا المعاصر/الفشل/الشعور بالذنب أو الوحدة/ المشاكل الصحية الخطيرة.
وكذلك حدود السياسة والأمن من أهم الأسباب بل تتخطاها لتطال جوانب حياة المجتمع كافة كالأمن الإقتصادي والأمن الإجتماعي والنفسي مما يعني مزيداً من تدهور حالة حقوق الإنسان والمساس المباشر بجملة حقوقه الأساسية كالحق في الحياة والصحة والتعليم والعمل والحق في العيش بكرامة ونحظى بمستوى معيشي ملائم أسوة بشعوب العالم الحر وزيادة حالات الاحتقان العائلي أو المناطقي نتيجة انتشار المحسوبية القبلية والحزبية و المناطقية ونحن علي علم ويقين أن هذه أسباب وبلاء لكن التمسك بقيمنا وأن نكون علي علم ويقين ومؤمنين كل الأيمان أن هناك حساب وعقاب وأن الله وحدة من يحاسب وأن الله وحدة من يهب وينزع وأن الله وحدة من يسلب الروح.
فغالبية من يقدم علي هذه الظاهرة يدعي لأهم هذه الأسباب التي أمرنا الله بها بالصبر والتروي والأقدام عليها بمثابة شرك وقد نهي ديننا علي إرتكاب مثل هذه المعاصي.
هذا العمل كبيرة من كبائر الذنوب، وقتل النفس ليس حلاًّ للخروج من المشاكل التي يبثها الشيطان، والوساوس التي يلقيها في النفوس، ولو لم يكن بعد الموت بعث ولا حساب، لهانت كثير من النفوس على أصحابها، ولكن بعد الموت حساب وعقاب، وقبر وظلمة، وصراط وزلة، ثم إما نار وإما جنة؛ ولهذا جاء تحريم الانتحار بكل وسائله؛ من قتْل الإنسان نفسَه، أو إتلاف عضو من أعضائه، أو إفساده أو إضعافه بأي شكل من الأشكال، أو قتل الإنسان نفسه بمأكول أو مشروب
ما كان الإنتحار علاجًا ولن يكون، فالانتحار حرام بكل صوره وأشكاله، وليس دواءً يوصف للمعضلات والمشكلات، بل داءً يسبب الانتكاسة والحرمان من الجنة، ويجلب سخط الرب ؛ قال صل الله عليه وسلم: ((تَداوَوْا، ولا تَداوَوْا بحرام))، وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما جعل الله شفاءكم فيما حَرَّم عليكم)).
ويجب الحد من مثل هذه الظاهرة والأخذ بالأمور ذات الأهمية التي تنهي فيها علي مثل هذه الظاهرة:
1- نشر التربية الإسلامية الشاملة الواعية: وهو تمكن واستحكام اليقظة من القلب، فلا نريد يقظة لحظية، بل نريدها يقظة حقيقية دائمة، تتمكن من القلب لتبدأ معها الحياة تدب في جنباته/ولادة القلب الحي / الحضور القلبي الدائم مع الله.
2- إعلاء منظومة القيم الإسلامية العالية.
3- حملات التوعية المجتمعية من خلال المؤسسات ذات الإختصاص وتحمل الحكومة الجانب الأكبر منها.
4- إحياء الروح المعنوية عن طريق بث الأمل في النفوس.
5- البعد عن اليأس فهو سبب لفساد القلب.
6- الأمل دافع للتقدم والنجاح
7- بث الروح على طريق الأمل والأيمان بالله وحدة.
8- دور الأحزاب والحكومة بالبعد عن المحسوبية.
لذلك علي مجتمعنا الإنصات للأشخاص المقربين والأصدقاء والأبناء، ومن يمرون بظروف صعبة، والتواصل العاطفي معهم، وعدم الضغط على الأبناء ، وعدم مقارنتهم بآخرين أو أنتقادهم المستمر، أو إحراجهم والإستهزاء بهم , والحث علي محاولة تفهم الظروف والأسباب التي قد تدفع بعض أفراد المجتمع إلى محاولة الإنتحار ومعالجة الأمراض النفسية والأضطرابات لدى الفرد؛ كالأكتئاب، والفصام، والإدمان، فلا يجب إخفاء أو إهمال ما يظهر على الفرد من أضطرابات سلوكية غير مألوفة وهذه مسؤولية أساسية للعائلة.
وفي الختام :- هذا يستدعي منا التمسك بمخافة الله رب العالمين، فلا الدين ولا الأخلاق ترضى بأذى النفس، ولا يمكن لعاقل أياً كان مشربه الاجتماعي والسياسي أو العقائدي أن يقبل بوجود هذه الظاهرة التي تسئ لمجتمع عرف بأنه من أكثر المجتمعات تعلماً ووعياً وصبراً لذلك جددوا صلتكم بالله، وأكثروا من الطاعات، والجؤوا إليه سبحانه بالدعاء والتضرع أن يصرف عنكم السوء، وأن يحبب إليكم الإيمان، وأن يزينه في قلوبكم، وأن يكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان، وأن يجعلكم من الراشدين، وتفاءلوا بالخير تجدوه، واعلموا أن الحياة نعمة عظيمة أنعم الله بها عليكم، وفرصة لا يمكن تعويضها، فاغتنموها في العمل الصالح؛ حيث به تحيون حياة كريمة كما قال تعالى :-
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
وأعلموا أن كل شيء ممكن وليس هناك مستحيل، وأنكم من تصنعون الظروف، لا الظروف التي تصنعكم، فكونوا متفائلين وإيجابيين، وهو ما يشير إليه قوله تعالى :- إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم.
ولا نخفي الدور الأساسي علي العائلة فهي الملاذ الأمن للأبنائهم والحد من تفكير الهجرة واليأس والضياع وزرع الأمل في نفوس أبنائهم وتوعيتهم وحسهم من التقرب الي الله , فالله هو خير وكيل.
وكذلك لا نخفي دور الحكومة والمؤسسات والجمعيات في نشر التوعية والبعد عن المحسوبية والأخذ بإجراءات تعسفية نتيجة الوضع المزرى الذي يعاني منة قطاع غزة علي وجه الخصوص , ووضع قوانين ميسرة والبعد عن أتخاذ أي إجراءات وهي علي علم ويقين أن المواطن لا يستطيع عليها كفرض ضرائب جديدة أو توظيف ضمن أطر المحسوبية الفصائلية أو الحزبية , وضع مخافة الله امام أعينكم بما يعانية شعبكم من نتائج انقسامكم البغيض والإسراع في أخذ القرارات الحاسمة لإنهاء هذا الأنقسام فسوف تسألون عن شعبكم يوم القيامة . عن عمر بن الخطاب قال : لو ماتت شاة على شط الفرات ضائعة لظننت أن الله تعالى سائلي عنها يوم القيامة. نتمنى من الله أن تكونوا مثل عمر بن الخطاب .
نسأل الله العلي القدير أن يحفظنا جميعًا ويحفظ أهلنا جميعًا وكل من نحب وجميع أمة محمد أجمعين من كل شر، وأن يوفقنا إلى طاعته، وأن يرزقنا حياة طيبة ، وأن يختم لنا بخاتمة حسنة ، وصل الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آلة وصحبه أجمعين.
لقد سلطنا الضوء على موضوع من أهم الموضوعات التي تواجه المجتمع في الفترة الأخيرة وهو الإنتحار ، ونتمنى من المسؤولين والجهات المختصة أن تولي أهتمامًا كبيرًا لمحاربة هذه الظاهرة ، ونتمنى النجاح والتوفيق للجميع , أذكر الجميع ونفسي من قبلكم الألتزام بالعمل الصالح خالصًا لوجه الله وإبتغاء مرضاة الله ، وأتمنى أن يديم علي نعمة العلم والمعرفة ، وأتمنى من الله أن يوفق الجميع إلى ما يحب ويرضى. ، ونتمنى لوطننا العزيز السلام والأمان .