إسرائيل تمارس "الترانسفير" المدني تمهيداً لـ"الترانسفير" الجسدي

حجم الخط

بقلم: مني ماوتنر



ترافق فكرة «الترانسفير» الصهيونية من البداية. إلى حين إقامة الدولة كان اليهود أقلية في «ارض إسرائيل». وحسب قرار التقسيم في تشرين الثاني 1947 فإن 45% من سكان الدولة اليهودية سيكونون فلسطينيين. في هذه الظروف، أحد الاحتمالات التي ناقشها الزعماء الصهاينة هو ترحيل الفلسطينيين.
يوسف فايتس، الذي كان في بداية ثلاثينيات القرن الماضي مدير قسم الأراضي والتحريج في الكيرن كييمت، هو الذي دفع قدما بفكرة «الترانسفير» وليس بالإكراه، في النصف الثاني من الثلاثينيات. وبعد قرار التقسيم قال فايتس، إن «الدولة اليهودية لا يمكنها الوجود مع نسبة مرتفعة من أقلية عربية». ومثلما هو معروف، في «حرب الاستقلال» في العام 1948، هاجر 700 ألف فلسطيني من بيوتهم. وهناك نقاش تاريخي حول عدد الذين تم طردهم بالقوة وعدد الذين غادروا بإرادتهم.
أحد التفسيرات، التي أُعطيت للنظرية الصوفية للحاخام ابراهام اسحق هكوهين كوك، هو أن «ارض إسرائيل» هي ارض مقدسة. وأن الشعب اليهودي مقدس، ومن المحظور تدنيس الأرض من خلال استيطان غير اليهودي فيها. وهناك من يقولون إن جهات في اليمين الإسرائيلي أملت بأن تأتي الفرصة المناسبة التي تسمح بـ»الترانسفير». وحسب هذه الأقوال فإن من يؤيدون ضم «يهودا» و»السامرة» يعرفون أنه لن يكون بالإمكان إعطاء حقوق مدنية كاملة للفلسطينيين الذين سيتم ضمهم، وأيضا لن يكون بالإمكان معاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية. لذلك، هم يتمنون احتمالية حدوث «الترانسفير».
في النصف الثاني من الثمانينيات اقترح رحبعام زئيفي «ترانسفير» طوعياً. و»ترانسفير» بالاكراه للفلسطينيين في «يهودا» و»السامرة». وقال زئيفي، إنه «اذا كان الترانسفير غير اخلاقي، فإن الصهيونية غير اخلاقية؛ لأنها قامت ونمت وأصبحت دولة من خلال استخدام مكثف لطريقة الترانسفير». في بداية القرن الواحد والعشرين اقترح افيغدور ليبرمان خطة «تبادل المناطق» التي في إطارها سيتم ضم مستوطنات لإسرائيل، ويتم نقل سكان قرى المثلث إلى الدولة الفلسطينية. تفكير مشابه يمكن أن نجده ايضا في «صفقة القرن»، التي أطلقها الرئيس الأميركي ترامب.
منذ إعلان الاستقلال كان موقف إسرائيل هو أن المواطنين العرب سيحظون بالمساواة في الحقوق على أساس شخصي، لكن لا توجد لهم أي حقوق قومية. هذا الموقف كرره أيضا من يؤيدون قانون الأساس: إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي. والذي تم سنه في الكنيست في تموز 2018.
قبل ذلك عندما صادق الكنيست على اتفاق اوسلو في ايلول 1993 كان هناك من قالوا إن الاتفاق غير شرعي. لأنه من بين الـ61 عضو كنيست الذين أيدوه كان هناك اعضاء كنيست عرب. أي أنه لم تكن أغلبية يهودية من اجل المصادقة على الاتفاق. ظهر هذا الموقف، مؤخراً، عندما نزع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وأعضاء الكنيست تسفي هاوزر ويوعز هندل واورلي ليفي ابيقاسيس الشرعية عن خطوة تشكيل حكومة تستند الى اصوات اعضاء الكنيست العرب. والنزاهة تقتضي التفكير بأن هذا ايضا كان موقف جميع المتحدثين بلسان «ازرق ابيض» حتى موعد الانتخابات.
لكن الحق في تحديد تشكيل الحكومة هو حق أساسي لكل المواطنين في الدولة الديمقراطية. واحدى طرق تطبيق هذا الحق هي المشاركة في الانتخابات. وطريقة اخرى هي تصويت ممثلي المواطنين في مجلس النواب. تحدثت حنه ارنديت عن المواطنة باعتبارها «الحق في أن تكون صاحب حقوق»، الحق الذي يتبع له جميع الحقوق الاخرى. اعتقدت ارنديت أن حقوق الانسان العالمية مهمة، لكن دون القدرة على تطبيقها في اطار المواطنة في الدول، فهي لا قيمة لها. موقف رئيس الحكومة واعضاء الكنيست، الذين تم ذكرهم، يسلب المواطنين العرب جزءاً مهماً من حقهم في أن يكونوا أصحاب حقوق. وهو يصل الى مستوى «ترانسفير» مدني ضدهم.
«الترانسفير» الجسدي هو رعب اخلاقي، و»الترانسفير» المدني هو رعب ديمقراطي. ومثلما قلنا، هو موقف يعارض موقف إسرائيل منذ اعلان الاستقلال. وهو موقف كرره من يؤيدون قانون القومية، لكن قبل سنتين. العلاقة بين نوعي «الترانسفير» وثيقة.         فـ»الترانسفير» المدني يمكنه في نهاية المطاف تمهيد الوعي قبل القيام بخطوة «الترانسفير» الجسدي. وكل انسان يجب عليه معارضة نوعي «الترانسفير».

عن «هآرتس»