غيرت روسيا فلاديمير بوتين وجهها بحيث لم يعد ممكنا التعرف عليه، وعادت الى بعض المواقف التقليدية للاتحاد السوفييتي، وبهذه الصفة تعمقت الخلافات وتضاربت المصالح بينها وبين اسرائيل. احد المؤشرات الواضحة الى ذلك هو عملها على تحقيق الهدف الدائم في تاريخها الطويل – تغطيس أقدامها "في المياه الدافئة" للشرق الاوسط. وكانت فعلت ذلك لاول مرة في سبعينيات القرن الثامن عشر وتوقفت، وبالاساس في نحو ثلاثين سنة من منتصف القرن العشرين.
من يعود ليتابع تسلسل الامور في العام 1967 سيجد أن القشة التي قصمت ظهر الهدنة الهشة كانت تصريح رئيس الاركان، اسحق رابين، الذي حذر سورية من انها إذا واصلت التخريب على تحويل مجرى المياه فمن شأن النظام في دمشق أن ينهار. ورأى الروس في ذلك تهديدا عليهم لأنه كان هناك شيوعي لاول مرة في الحكومة السورية، فجندوا جمال عبد الناصر لخطوات هجومية تردع اسرائيل في الجنوب والباقي هو تاريخ حرب "الايام الستة".
اساس المواجهة كان في حرب الاستنزاف في السبعينيات، عندما اسقط طيارون اسرائيليون نظراءهم الروس في جبهة القتال فوق قناة السويس وشبه جزيرة سيناء. وحذر وزير الدفاع، موشيه دايان، من أنه ينبغي الانصات الى خطوات السوفييت في مصر مثلما يلصق المرء اذنه على مسار الفيلة في الغابة.
الآن يعود الروس ويتسللون بقوة عسكرية صغيرة الى روسيا، ولكن الاجواء مختلفة. فلا توجد قطيعة في العلاقات الدبلوماسية مثلما في الـ 1967، ونتنياهو سيطير، الاسبوع القادم، الى موسكو في محاولة لبلورة خطوط تخوم مع بوتين. وتلمح روسيا الى انها لا تبحث عن مواجهة مع اسرائيل، بل تساعد (مع ايران) الاسد ضد "الخلافة الاسلامية"، التي خطرها أكبر. هذا صحيح، ومن المعقول الافتراض بأن يعلون وآيزنكوت، مثل نظرائهما الروس، يعرفان وينسقان حدود اللعب، ولكن الواقع على الارض ليس في حال يمكن توقعه مسبقا.
طالما كانت اسرائيل تبقي لنفسها حرية العمل الجوي في سماء سورية، فثمة خطر الانزلاق الى صدام مع الروس بسبب فقدان التحكم عن غير قصد. فما بالك أن روسيا تشدد موقفها من اسرائيل ليس فقط في الموضوع الفلسطيني بل حتى في تأييدها للمبادرة العربية للتدخل في ما يجري في المفاعل النووي في "ديمونا". روسيا غير معنية بالمواجهة، ولكن عند اطلاق النار، وبالاساس إذا لم ينجح الدفاع عن الأسد، فمن شأن المعركة أن تتدهور إلى مكان يعد نتنياهو ويعلون وكذا بوتين وجيشه أنفسهم الا يصلوا إليه.
عن "إسرائيل اليوم"