إطلالة على مشهد «كورونا» في إسرائيل

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


في الساعة الثالثة، أول من أمس، حدث خلل في جدول أعمال وزارة الصحة. تابعت وسائل إعلام ومواطنون عاديون أخبار الوزارة، وعلموا أن عدد المصابين بالـ»كورونا» في إسرائيل ارتفع خلال بضع ساعات بـ 89 إصابة، ووصل إلى 344.
وخلال دقائق نشرت الوزارة توضيحاً بأن هذا الخبر خاطئ، والرقم الأصلي أعيد إلى ما كان عليه. كانت هذه الفترة كافية كي تزيد نغمة الذعر في تقارير وسائل الإعلام.
قدّم الخلل المؤقت لنا فرصة لرؤية الواقع الذي ينتظرنا اليوم. في الوتيرة التي يرتفع فيها الرسم البياني فإن عدد المصابين سيصل اليوم إلى العدد المغلوط ذاته الذي ظهر أمس.
وعندها سيستمر في الارتفاع بوتيرة متزايدة. العدد المرتفع للمصابين بالفيروس يعكس فقط جزءاً من أبعاد انتشاره، سواء بسبب عدد الفحوصات المحدودة أو بسبب أن أعراض الإصابة تظهر فقط خلال فترة أسبوع أو أكثر.
هكذا، فإن تأثير كل خطوة وقاية يتم اتخاذها الآن سيتبين فقط لاحقاً.
يمر الوضع الاقتصادي، الآن، بعملية تكيف على أبعاد الـ»كورونا» القاسية.
شركات ومصالح تجارية قامت بتقليص عدد العاملين فيها، وتقوم بتحويل الموظفين للعمل من البيوت.
وقام عدد من هذه الشركات بإقالة عدد من الموظفين أو أرسلتهم إلى إجازة دون راتب.
ولكن الأثر الصحي للخطوات الحذرة هذه سيكون محدوداً: بعد يوم الأحد، الذي كانت فيه الشوارع شبه فارغة، خرج الإسرائيليون، أول من أمس، إلى الشوارع بجموعهم.
عند السفر بين المدن ترى آباء كثيرين مع أولادهم، وكأنه يوم عطلة. عدد غير قليل من المصالح التجارية ما زالت مفتوحة.
والنتيجة هي استمرار العدوى في المجتمع، بحيث تكون عملية وقف انتشار الفيروس جزئية حتى لو تم حدوثها أخيرا.
البروفيسور ايتمار غروتو من وزارة الصحة قدر، أول من أمس، في محادثة مع مراسلين، بأنه حتى الآن لا توجد عدوى دراماتيكية في أوساط الجمهور، وأن العدد الإجمالي الحقيقي للمصابين يمكن أن يكون بضعة آلاف.
اتبعت إسرائيل حتى الآن عدة خطوات لمواجهة الفيروس، منها إغلاق المعابر من الخارج وإجراء فحوصات وتوجيهات بالحجر لمن يوجدون في محيط المصابين وقيود على العمل.
ولكن كل ذلك ما زال بعيداً عن الإغلاق الكامل وشل كامل للاقتصاد.
وعلى ذلك يتركز النقاش بتشاور مستمر تقريبا منذ السبت. تضغط وزارة الصحة من أجل إغلاق كامل وعلى الفور.
والجيش، الذي كان سيطلب منه مساعدة الشرطة في تطبيق الإغلاق، يحتاج إلى فترة أطول من أجل الاستعداد.
في المقابل، تناضل وزارة المالية بكل الطرق لتأخير الإغلاق خوفا من الضرر الاقتصادي غير المسبوق.
ما زال رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، عالقاً في الوسط، وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده، أول من أمس، ظهر أنه يريد تأجيل النهاية لبضعة أيام، رغم أنه تبين أن توجه الإغلاق الشامل (باستثناء عمل محدد في أماكن حيوية) سيكون أخيرا أمراً محتماً لا يمكن منعه.
في هذه الأثناء ينتقل القطاع العام إلى حالة الطوارئ، وينتقل القطاع الخاص إلى نظام مقلص من العمل.
وقد أعلن نتنياهو عن خطوات أخرى، منها تشغيل وسائل متابعة الكترونية للمصابين رغم الخلاف الكبير حول ذلك، والاستعداد لفرض الإغلاق على مناطق تم فيها تشخيص انتشار استثنائي للفيروس.
إن ما حدث حتى الآن بعيد عن النموذج الصيني أو نموذج كوريا الجنوبية، حيث هناك تم اتخاذ خطوات إغلاق صارمة، ووسائل متشددة وإجراء فحوصات كثيرة ساعدت على وقف وتيرة الانتشار.
في المقابل، نذكر برهبة النموذج الإيطالي. فهناك ساعد الاندماج بين الرد المتأخر للسلطات مع اللامبالاة الكبيرة في أوساط الجمهور على الانتشار الذي يزهق أرواح المئات يوميا.
في أرجاء العالم يجري الآن اختبار كبير الأبعاد للعلاج الجماعي، في ظروف عدم يقين كبير. المواطنون يشكلون رغم أنوفهم أرانب تجارب بقرار من الحكومات والمهنيين.
في الخلفية يتواصل النقاش حول عدد الفحوصات. الضاغط الأساسي لهذا هو وزير الدفاع، نفتالي بينيت، فهو نشيط جداً في النقاشات، مؤخراً، ويطرح بلا توقف اقتراحات، ويدفع بأفكار كثيرة من أجل تنفيذها بسرعة.
ومثل قطب للمعلومات هو يعطي أهمية كبيرة لتركيز المعطيات وتوسيعها.
أول من أمس تم إجراء 1200 فحص فقط، وهذا العدد يمكن أن يرتفع إلى 1400 فحص.
وفي نهاية الأسبوع سيصل إلى 10 آلاف فحص يومياً.
حسب بينيت هذا غير كافٍ. والعدد يمكن، بل يجب، أن يصل إلى 15 ألف يوميا.
زيادة عدد الفحوصات ستكشف بالطبع عدداً أكبر من المصابين، وستزيد بالتالي العبء على المستشفيات وعلى الطواقم الطبية، حيث يزداد هناك الخوف على خلفية النقص الكبير في وسائل حماية الأطباء والممرضين.
في هذه الأثناء العدد المحدود نسبيا للمصابين يسمح بعلاج واسع وشامل، حتى الآن لم تسجل أي حالة وفاة في إسرائيل بسبب الـ»كورونا».
يدخل الجيش الإسرائيلي إلى الصورة بالتدريج. اليوم (أمس) سيتم افتتاح منشأتين لعلاج المصابين بإصابة طفيفة في فنادق من خلال التعاون بين جهاز الأمن وصناديق المرضى. قيادة الجبهة الداخلية جندت حتى الآن بضع مئات من جنود الاحتياط، من بين الآلاف الذين سمح لها بتجنيدهم.
وقد تم الاستعداد لتجنيد أكبر من أجل المساعدة لاحقا في توفير الدعم اللوجستي للمواطنين والحفاظ على النظام العام.
مع استمرار لعبة البوكر بين «الليكود» و»أزرق أبيض» (التي يمكن حتى الآن أن تنتهي بحكومة وحدة كلما زادت أزمة الـ»كورونا») أصبح بالإمكان رؤية التوتر في الحكومة، من خلال الفهم بأن الأزمة ستكلف في المستقبل ثمنا سياسيا للمشاركين فيها. بينيت يعمل في قضية الـ»كورونا» مثلما حارب في قضية الأنفاق في عملية «الجرف الصامد»؛ وقد نشر، أول من أمس، منشورا غريبا طلب فيه من الموظفين تقصير الاجراءات حتى لو كان ذلك يقتضي تجاوز التعليمات بهدف المساعدة في محاربة الفيروس.
وزارة المالية غير متحمسة لخطوات وزير الدفاع. ومن المعقول أن عدداً من هذه الأمور لا تروق لنتنياهو.
التوتر الشديد ظهر على وجه رئيس الحكومة أثناء توجهه للمراسلين، أول من أمس: جميع المشكلات الأخرى، القانونية والسياسية، يجب أن نضيف إليها حقيقة أنه بسبب عمره فهو يوجد في مجموعة الخطر الزائد نسبياً المعرضة للإصابة بالفيروس. لذلك يجب أن نذكر بأن رئيس الحكومة امتنع عن اعتبار نفسه قائم مقام.
وصلت أزمة الـ»كورونا» بسرعة من الصين، ووجدت جهاز صحة إسرائيليا بعد سنوات من الانهاك والتدمير المنهجي، هبط فيها إلى مكان متدنٍ جداً في سلم الأولويات.
تحذير رؤساء الجهاز والخبراء ومراقب الدولة بخصوص الاستعداد لأحداث عامة مثل الأوبئة، موثق جيدا منذ سنوات.
لا يوجد أي تشابه بين حجم الميزانيات التي استثمرت في الاستعدادات الأمنية لحدوث كوارث وبين الاستعدادات لعلاج حدث صحي مشابه.
سيظهر هذا الفرق في الأسابيع القريبة القادمة بكامل القوة في نقص الأسرة وأجهزة التنفس الصناعي.
في جلسات الحكومة الأخيرة برزت صعوبة أمام الوزراء والوزارات في إعطاء أرقام دقيقة عن حجم الموارد والوسائل.
وقد أُضيف إلى هذه المشكلة النقص الكبير في إجراء فحوصات الـ»كورونا»، الذي يتم الشعور به الآن والفجوة غير المحتملة في وسائل حماية الأطباء.
هذان الأمران كانا أمام النظام في إسرائيل شهرين من أجل الاستعداد لهما. ولكن يبدو أنه لم يتم علاجهما بشكل تام. ولو أنه كان لا يزال لدينا مكتب لمراقب الدولة، وهو المكتب الذي تم خصيه مؤخراً بشكل مستمر من قبل نتنياهو، لكان لدينا هنا إمكانية كبيرة لتوقع إجراء فحص أساسي عندما سيتبدد الغبار.

عن «هآرتس»