إسرائيل تخلع ثوب الديمقراطية !

حجم الخط

بقلم: ألون بن دافيد



كل يوم، شريحة إثر شريحة، يسلبوننا ذخائرنا التي جمعناها وبنيناها. بإسناد من أنبياء الغضب حول توقعات الآخرة، نوقع بأيدينا خراباً لعشرات آلاف العائلات، التي يُلقى بها الى البطالة، والمستقبل الذي وُعد به الأبناء تبدد الى انعدام لليقين. أسرع من انتشار الفيروس، ننزع أيضاً ذخائرنا الاجتماعية، الشخصية، والقومية. في نهاية هذا الاسبوع، يبدو «الكورونا» المشكلة الصغرى لإسرائيل.
قبل أسبوعين حذرتُ هنا من أنه سيوجد من يحاول استغلال هذه الأزمة لأغراضه الشخصية والسياسية. وكان ثمة كثيرون ممن غضبوا لقراءة ما كتبت، ومنذئذ توقف جهازنا القضائي عن العمل، ولم تعد السلطة التشريعية موجودة، وتلقت الشرطة والمخابرات الإذن بالتعقُّب الالكتروني للمواطنين، ومن المشكوك فيه أن تكون إسرائيل لا تزال تستطيع مواصلة تسمية نفسها ديمقراطية. ينبغي للمرء أن يكون أعمى كي لا يرى ما يجري هنا.
مثل الضفدع الذي ينضج في الوعاء، ترتفع الحرارة حولنا كل يوم، ويحتمل أن تكون المياه تغلي منذ الآن، ولن نتمكن من القفز الى الخارج. أتذكر حديثاً كان لي مع أصدقائي الصحافيين في تركيا. كيف حصل أن صدرت كل بضعة أيام أنظمة طوارئ جديدة لاردوغان، ولوى الجميع ألسنتهم. قالوا إن هذا رهيب، ولكنه سيمر، ولكن هذا لم يمر. الديمقراطيات لا تموت حقا دفعة واحدة دراماتيكية في الظلام، بل بخطوات صغيرة وفي وضح النهار.
تحت غطاء «الكورونا» تلقت الشرطة والمخابرات الإذن بتعقُّب هواتفنا، في خطوة استهدفت ايضاً الالتفاف على كل رقابة برلمانية عليهما. الخطوة، التي تقررت، هي ظاهراً صغيرة ومحددة، محدودة الزمن، وتستهدف خدمة غاية أهم – انقاذ الحياة. ولكن الروبيكون تم اجتيازه، والخطوة التالية، التي ستمنح الشرطة والمخابرات صلاحيات أوسع، سيكون قبولها أسهل بكثير.
تحت رعب الوباء كان يمكن لرئيس الكنيست أن يصعد الى خشبة القفز، وأن يرينا جميعاً ما يفكر به حول القانون في دولة إسرائيل. فهل سيفاجأ أحد ما حقاً إذا ما أُعلن قبل لحظة من انعقاد محكمة العدل العليا للبحث في الالتماسات حول تعليق الكنيست إغلاق لن يتيح للمحكمة إجراء المداولات؟
رئيس الدولة، ولعله السند غير المنحاز الأخير المتبقي، يصمت حالياً. قد يكون يخشى من أن يُفرض عليه ايضاً الإغلاق. نأمل ألا نصل الى اليوم الذي يصبح فيه رئيس الاركان ورئيس المخابرات الحاجز الأخير أمام تحطيم النظام الديمقراطي.

تعالوا نتحدث عن إيطاليا
كل شيء بالطبع يتم من أجل الحفاظ على حياتنا، وبإسناد من المهنيين. «يحتمل أن يموت الآلاف من المرض»، وعدَنا، هذا الأسبوع، مدير عام وزارة الصحة، موشيه بار سيمان توف، في مسرحية الرعب اليومية له. عند النظر الى معطيات المرض في العالم، من الصعب أن نفهم على أي أساس من المعطيات يقيم هذا القول. ولكن لماذا كان الرجل الذي يفترض به أن يحرص قبل شهرين بأن يكون هنا مخزون كاف من الفحوصات، يختار بالذات فرض الرعب علينا». عمله في مثل هذه الأيام هو أن يركض ليشتري الأطقم الناقصة، ولكن بدلاً من هذا يكبّد نفسه عناء إخافتنا. كيف يجدي هذا بالضبط؟ ليس مفهوماً ان تقف قوة عظمى في التكنولوجيا العليا، «أمة الابتكار»، أمام نقص فظيع في وجود عصي ذات رأس قطني.
يحب رئيس الوزراء استخدام تشبيهات الحرب والعدو لوصف الوضع، وبالتالي اذا كنا سنبقى في عالم المفاهيم هذا، أجد من الصعب أن أتخيل رئيس الأركان يقف أمام شعب إسرائيل في ذروة معركة قاسية ويعلن لنا بأسى بأن الآلاف منا سيموتون. فعمله هو ان يقاتل وينتصر، وهذا أيضاً ما يفترض أن يعمله، الآن، مدير عام وزارة الصحة.
في بريطانيا تحدثوا حتى الأيام الأخيرة عن الرغبة في تحقيق «مناعة القطيع»، أما عندنا فالقطيع بات يندفع منذ الآن بفزع نحو الهوة. كل صوت يحاول أن يحذر القطيع من أنه يندفع نحو مصيبة اقتصادية واجتماعية يسكتونه. هذا ليس زمن التهدئة، وبالتأكيد ليس زمن الحديث عن الديمقراطية. لم يعد مؤكداً أننا سننجح في وقف الاندفاع.
«كله على أن نكون إيطاليا»، يقول الكثيرون لأنفسهم. إذاً، هاكم بضع معطيات عن ايطاليا، حيث أُحصي حتى الآن نحو 3 آلاف ميت من المرض. لإيطاليا هرم ديمغرافي مميز، مع عدد صغير من الأولاد وثلث السكان أكبر من ستين سنة. كل شتاء يموت هناك 15 – 20 الف شخص نتيجة للانفلونزا بسبب هذا النموذج المميز. 99 في المئة من الموتى الايطاليين بالكورونا عانوا من أمراض على خلفية أخرى. وفي حالات عديدة – حتى النوبة القلبية لمريض كورونا ابن 90 جعله يسجل كضحية اخرى للمرض. إذا كان ثمة درس من النموذج الايطالي، فهو الحصول بأسرع وقت ممكن على أجهزة التنفس وأسرّة العناية المكثفة. هذا قد يؤثر على معدل الوفيات على نحو أفضل من إلغاء الكنيست.
الحقيقة المؤسفة هي أن العالم العلمي ايضاً لا يملك حتى الآن أجوبة مطلقة عن طبيعة هذا المرض. في كل يوم تنشر بحوث تكشف عن مجال آخر له، ولكن معظم النماذج الرياضية عن انتشاره تستند الى فرضيات، وفي أفضل الأحوال الى التخمين. أما عندنا فقد تبنوا، وعلى ما يبدو ليس صدفة، نموذج الحد الأقصى.
هذا الوباء يحل بالانسانية في عصر الانعزال– كلنا اليوم معزولون أكثر مما كنا قبل بضعة عقود، نتصل الواحد بالآخر عبر شاشات ورسائل مكتوبة. والعزلة التي يفرضها علينا «الكورونا» ستسرع فقط هذا الميل. الكائن البشري هو كائن اجتماعي يحتاج الى اللمس والقرب من الناس الآخرين. في ظل غيابهما تصبح البشرية أضعف وعديمة الأمان. معاً نحن أقوياء – كذرات منعزلة من السهل جداً إخافتنا.
والآن يتسبب لنا الوباء في أن نرى الغير مصدراً للتلوث، ينبغي الحذر منه والحفاظ على مسافة عنه. المصافحة، العناق – وهي تجارب تعد جزءاً مما يعطينا الثقة بمن يحيطون بنا- محظوران، الآن، ولا يعرف أحد لكم من الوقت. في الجيش الإسرائيلي يتحدثون منذ الآن عن أزمة سترافقنا حتى ربيع 2021. فهل بعد أن ينتهي كل شيء سيكون بوسعنا أن نعود مرة أخرى إلى عاداتنا القديمة والطيبة – اللمس البشري، العناق، الديمقراطية؟

 عن «معاريف»