روى طبيب شهادة صادمة عن المأساة التي عايشها أثناء عمله في المستشفى الرئيسي بلندن، وحالة العجز التي خيّمت على الأطباء وهم يشاهدون وفاة المرضى، في ظل تفشي فيروس "كورونا" المستجد.
وقال الطبيب:" كنا نظن أنّ خدماتنا الصحية معدة لتحمل الفيروس التاجي، لكنّ الأيام القليلة الماضية جلبت لنا حقيقة مخيبة للظن، فهل سبق أنّ رأيت شخصاً يلهث لآخر أنفاسه؟ بالنسبة لأولئك الذين شهدوا الموقف لن يتمكنوا من نسيانه للأبد ولا نسيان حالة الرعب المتزامنة معه".
وأضاف: "أتمنى أنّ أنسى كل وجوه الموتى التي رأيتها الأسبوع الماضي، فالذعر الذي ظهر على الوجوه، والصوت المضطرب الذي يصدر عن المرضى وهم يحاولون بيأس للحصول على الأكسجين، ويفشلون في إيصاله لرئتيهم".
وتابع: "أنا طبيب منذ أكثر من عقد، وكنت أظن أنني رأيت كل ما يمكن رؤيته في حياتي المهنية، لكن أعتقد أنّ ما جعلني فيروس كورونا أعيشه فاق كل التوقعات".
وأردف: "كان ذلك بعد وقت الغداء مباشرة، يوم السبت، عندما بدأ الكابوس. دقت صفارة الإنذار في مستشفى لندن فهرعت لزملائي، ليخبروني أنّ مريضاً انتكست حالته وهو تحت جهاز التنفس، كان رجلاً في السبعينيات من عمره مصاباً بفيروس كورونا، لقد توقف قلبه عن النبض، ما وجدته عندما وصلت لغرفة المريض لم يبشرني بالخير، كان هناك ذعر مطلق، لم يعرف الطاقم الطبي ماذا يجب أن يفعل".
وأشار إلى أنّ ذلك كان مؤشراً مبكراً على مدى الاستعداد غير الكافي لدولة لمواجهة هذا الفيروس، مُضيفاً: "لم تكف الصعقات الكهربائية لإنعاش المريض، لقد كنا شخصين، طبيب عام وطبيب تخدير، عجزنا عن فعل شيء أمام المرض الذي فتك بقوة بضحيته أمام أبصارنا".
واستدرك: "الأطباء والممرضات، جميعهم زملاء لامعون ومحترفون محترمون، كانوا مثلي يؤدون وظائفهم منذ فترة طويلة، ولم يكن هناك أي خوف عليهم، لكنّ ما استطعت رؤيته، وشعرت بتغلبه علينا جميعاً هو الفيروس القاتل".
وأوضح: "نعم علمنا أنّ الفيروس قادم، لكننا لم نكن مستعدين لذلك، قبل ساعات قليلة من تسجيل أول وفاة بالفيروس في مستشفانا، أعدنا هيكلة المكان لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المرضى الذين تم إدخالهم في ظروف حرجة".
وأكمل حديثه: "أنا طبيب، أنا مدَرب على إخفاء الذعر الذي يأتي إلينا جميعاً في أوقات التوتر الشديد، لكنّ لم أتمكن من ذلك هذه المرة، حيث كان الجميع يصرخ في وجهي باستمرار (يا إلهي، ما الذي يحدث؟)".
وجاء في شهادة الطبيب: "كنا نعلم أنّ هذا الرجل هو أول شخص نراه يموت بهذه الطريقة المؤلمة، كان الطفل الذي بداخلي يفكر: "إذا كان بإمكاني فقط أنّ أنقذه، فربما سيكون كل هؤلاء الأشخاص الذين تراكموا في غرف المستشفى على ما يرام أيضاً"، لكنّ بالطبع الحياة الحقيقية صعبة، للأسف هذه ليست قصة أطفال".
وبيّن: "لم يكن هناك وقت للهدوء، لأنّه سرعان ما أصبح لدينا جناح كامل من مرضى الفيروس القاتل الذين يجب عزلهم عن بقية المرضى. لكن لم نستطع السيطرة على المرض، وانتشاره في المستشفى كان مسألة وقت".
ولفت إلى أنّه "بعد فترة وجيزة من وفاة أول حالة دوى جهاز النداء ثانيةً، وأحضروا شخصاً آخر كان يحترق من الحمى، لقد تم إدخال هذا الشخص إلى المستشفى لسبب غير الكورونا، والآن إنّه هنا مستلقياً إلى جانب المصابين بالفيروس، كان واضحاً أنّ العديد من الموجودين في المستشفى سيعانون من المرض".
وتابع: "كنت أعمل لمدة 9 ساعات متواصلة بمعدة فارغة، لم أتمكن من الأكل، بعد ذلك أخذت قسطاً صغيراً من الراحة، وكنت على يقين أنه لن يكون هناك وقت للراحة بعد وفاة أول حالة".
وأضاف: "في نفس الوقت تقريباً، بدأ المصابون بالظهور، انطلقت صفارات إنذار المستشفى، وهرعت بين الأجنحة لأتلقى تنبيهات من جميع أنحاء المستشفى".
وقال: "مع كل اكتشاف حالة جديدة، كل ما سمعته كان صوتي الداخلي يصرخ بصوت أعلى (لا ، لا ، لا ، لا. أرجوك يا إلاهي)".
وأشار إلى أنّه "يُدرك أنّ صعوبة فهم ذلك بالنسبة لبعض الناس"، مُردفاً: "وفقاً لأحد الرسومات التي رأيتها في وسائل التواصل الاجتماعي، فإن "Covid19" أسوأ قليلاً من إنفلونزا الشتاء، ولكنّ دعني أخبركم أنّ الوضع أسوأ بكثير، ولا تستخفوا بالمرض".
وأوضح أنّه إلى جانب أمراض الرئة الأكثر عدوانية، فإنّ إمكانية هذا الفيروس على الانتشار تميزه تماماً عن أي إنفلونزا أخرى، مُستدركاً: "كطبيب يجب أنّ أنقذ الأرواح، ولكن للمرة الأولى في مسيرتي واجهت الخوف من أنني يمكن أنّ أكون قاتلاً صامتاً، وليس لدي خيار سوى إخفاء هذا الخوف والاستمرار فيه".
وختم الطبيب حديثه، بالقول: "في نهاية الأسبوع الماضي، أصبح من الواضح أنّه لا يوجد الكثير مما يمكننا القيام به لوقف انتشار هذا الفيروس العدواني الذي لا يلين، لأنّ المرضى ببساطة لا يستجيبون للعلاج وأقنعة الأكسجين".