الكورونا والسياسه :غايه ووسيله

حجم الخط

يقلم د. ناجى صادق شراب

 

 هل عادت مقولات ميكيافيلى الغاية تبرر الوسيلة ، ولا أخلاقية السياسة ، ونصائحه لأميره بأن يتسلح بكل الأسلحة من مكر ودهاء وقوة من جديد مع إنتشار فيروس الكورونا الذى حطم الحدود السيادية بين الدول، ليترجم العولمة على أرض الواقع، ويثبت فعلا كونية العالم . وهل فعلا يشكل الكورونا العدو المشترك لكل الدول؟وهل هو العدو الخفى بين أكبر قوتين اليوم في العالم الولايات المتحده والصين؟ الإتهامات التي صدرت وتوجيه الإتهام لكل منهما، الصين وفى تصريحات ان الفيروس مصدره الولايات المتحده، والولايات المتحده وعلى لسان رئيسها ترامب اعتبره ووصفه بالفيروس الصينى وأكد سنتغلب عليه.يؤكد ان هناك جانبا سياسيا خطيرا يصاحب الإعلان عن ظهور هذا الفيروس الذى جاء في اعقاب حرب تجاريه كبيره بين الدولتين، ومحاولة الصين أنها قوة عالمية تتقاسم قمة القوة العالمية مع الولايات المتحده، والولايات المتحده من جانبها ما زالت تتمسك بمقولة القوة العالمية ألأحادية ، وشعار أمريكا أولا الذى يفسر في أحد جوانبه بهيمنة الولايات المتحده كقوة عالمية.ولا شك أنه مع إصابات الآلآف وعزل الملاييين عبر العالم فلقد أصبح الفيروس جائحه وهدفا عالميا،لدرجة أن البعض ذهب لوصفه بالفاعل الدولى الجديد الذى تجاوز حتى قدرات الدولة وهى الفاعل الرئيس.وعلى الرغم من الإعتبارات الجيوسياسيه والتي لا تقلل من الإعتبارات الطبية والصحية والحياتية ، فكل المراقبين يرون أن له تداعيات كبيره على دور ومكانة الولايات المتحده كدولة وقوة عالميه أحاديه.وكما في عمليات التحول في النظم العالمية يبدأ التغير تدريجيا ، ثم يبدأ التحول القطعى والإنفصال عن نظام سابق بحدث عالمى كبير، كما رأينا في الحربين الكونيتين ألأولى والثانية ، وكما أشار البعض ويدلل بحدث السويس عام 1956 والذى على أثره فقدت بريطانيا دورها كقوة عالمية وليحل محلها دور الولايات المتحده ، وفى حدث إنتهاء الحرب البارده بين الولايات المتحده والإتحاد السوفيتى عام 1991، وتفرد الولايات المتحده كقوة عالمية أحاديه غير منازع. واليوم ومع جائجة الكورونا يربط البعض بين هذا الحدث وما سبقه من أحداث كبرى ، ويتحدثون عن الصراع والتنافس بين الولايات المتحده والصين، ورغبة ألأخيرة في كسر السيطرة والهيمنة الأمريكية ، والتمهيد للنموذج الصينى ليصبح نموذجا عالميا، وتتحول الصين لقوة عالميه منافسه للولايات المتحده. وهنا يدللون على عدد من التطورات وإن كانوا يربطونها بنظرية المؤامرة.وإبتداء الإشارة إلى عدم الثقة في ردة الفعل والإستجابة ألأمريكية وعلى عدم قدرة الولايات المتحده على الإستجابة كقوة عالمية بدليل الإصابات الكبيره التي تجاوزت الآلآف .وكيف أن الإستجابة ألأمريكية برهنت على عدم قدرة الولايات المتحده على قيادة الإستجابة العالمية، وأن الولايات المتحده فقدت عناصر القياده العالمية الثلاث من إستجابة وردة فعل عالمية وتنسيق عالمى ومبادره وتقديم مساعدات للدول الأخرى ، فلا يكفى الإعتماد على عنصرى الثروة والقوة ، بل ما إفتقدته الولايات المتحده عنصر الإستجابة العالمية ، ويلاحظ ذلك في البداية بالإستخفاف بالفيروس، وانه صيني وعدو خارجى . وحالة من التخبط في الإستجابة .على عكس الصين التي منذ البداية كانت لديها ما تعلنه وتخفيه عن العالم من منطلق النظرية الصينية في القياده العالمية ، ففي البداية لم تعلن البيانات الكافية والدقيقة ، فالحدث بدأ مع ديسمبر 2019، ولينتهى بالإعلان عن السيطرة عليه في مدينة وهان، الزيارة التي قام بها الرئيس الصينى هذا الشهر, ولم تكتفى الصين بذلك ، بل بادرت عالميا بتقديم خبراتها للعديد من دول العالم ، وبتقديم المساعدات الطبية من أقنعة وبدلات حماية وتنفس حتى للدول الأوروبية ،كما رأينا في تقديمها مليونين من الأقنعة لإيطاليا إلى جانب المساعدات الأخرى وإرسال وفودا طبيه، وتقديم المساعدات إلى صربيا التي اعلن رئيسها أن الصين هي الدولة الوحيده التي قدمت المساعده وتحدث عن خرافة التضامن الأوروبى , ولم تكتفى المساعدات لأوروبا بل قدمت لإيران، ولأكثر من خمسة وأربعين دولة في أفريقيا. حتى ان مؤسس على بابا الصينية جاك ماك عرض تقديم المساعدات للولايات المتحده وتزويدها بأدوات الفحص وألأقنعة وبدلات الحماية.ويرى المراقبون ان الصين كانت لديها رؤية مسبقه لهذا الدور العالمى .بالتأكيد على ان الصين لكن تكن لديها الشفافية في نشر المعلومات الحقيقية منذ الإعلان عن ظهور الجائحة ، وكيف لها في شهور قليله السيطرة عليه.ولم يتم غلق المدينة والمدن الصينية لشهور كثيره مما ساهم في نشره عالميا في الوقت الذى العالم فيه غير مستعد، وكيف ان الصين قد أشترت وأنتجت كل الإحتياجات اللازمة لمواجهة هذا الفيروس ، وان لها فائضا كبيرا لتوظيفه في الوقت المناسب، ولتقدم نفسها ونموذجها الصينى انه ألأكثر تأهيلا وقيادة في العالم.ووصف احد الخبراء كيف ان هذه الأزمة كان يمكن أن تقوض قيادة الحزب الشيوعى ، ووصفها بتشرنوبيل الصين.وان يتم أعلان والسيطرة في شهور قليه فهذا يعنى التشكيك في الإحصائيات الصينية ،ويكشف عن النظرية الصينية في القياده العالميه.والهدف واضح ان الصين عالمية ورياديه، وان النموذج الصينى يمكن ان يحتذى به، وأن يكون بديلا للنموذج الأمريكي.وما عزز هذه النظرية أن إستجابة الولايات كانت ضعيفه ومتأخره، وفقدت كل عناصر القياده العالمية وخصوصا تقديم النموذج والمساعده، والتي رأيناها تاريخيا بعد الحرب العالمية الثانية في مشروع مارشال لمساعدة أوروبا ، وفى العديد من المساعدات التي قدمت للعديد من الدول ، ومع إدارة الرئيس ترامب وتبنى شعار أمريكا أولا والإنسحاب من العديد من الإتفاقات الدولية كالمناخ، والعقوبات التي فرضتها على العديد من الدول كالصين وروسيا وحتى حلفائها من المكسيك وكندا،والإنسحاب والتهديد بالإنسحاب من بعض المنظمات الدولية ، والدور الأمريكي في العديد من ألأزمات الدولية كما رأينا في ليبيا وسوريا والعراق وأزمتها مع إيران وتخليها عن حلفائها في الغرب والأكراد، كل هذا خلق حالة من الفراغ العالمى الذى رأت فيه الصين انها مؤهلة لملئه، وكان الحدث ألأكبر وهو جائحة الكورونا، وتحكم الصين في مساراتها.ويبقى التساؤل على مدى قدرة الصين ومؤهلاتها القيادية ، وعلى قدرة الولايات المتحده على إستعادة دورها بإدارة ألأزمة داخليا ، وبقدرتها على التنسيق مع حلفائها وحتى مع الصين وقدرتها على تقديم المساعدات للدول المحتاجه وهى كثيره.وكيف تستعيد دورها كدولة ملهمة للعالم.وأخيرا لا أحد يستطيع ان ينكر حقيقة سياسية ان النظم الدولية لا تبقى ثابته دون تغيير ، فمنذ ثيوسيدس وحرب أسبرطا وأثينا قبل اكثر من الفين عاما قبل الميلاد إنتقل العالم من نظام دولى إلى آخر، وفى ضوء الصراع على القوة العالمية الصين هي الدولة الوحيده القادره على تحقيق هذا التحول . فهل تستطيع الولايات المتحده وقف النظرية والرغبة الصينية في إعادة شكل وخارطة النظام الدولى لنعود لنظام دولى ثنائى القطبية بتعددية في القوةهذا ما قد تكشف عنه السنوات القادمه.