حالة هوس بتخزين المواد التموينية سيطرت على المواطنين في قطاع غزّة، تزامناً مع إعلان وزارة الصحة تسجيل أول إصابتين بفيروس كورونا المستجد "كوفيد-19"، فذاكرة الغزّيين مليئة بالأزمات والحروب التي دفعتهم لهذا السلوك؛ خوفًا من إغلاق الاحتلال الإسرائيلي منافذ القطاع التجارية، الأمر الذي يتهدد حياتهم بالخطر بعد حصار القطاع لما يزيد عن 13 عامًا، لكنّها المرة الأولى التي يتم بها اللجوء "لتخزين المواد التموينية" بسبب "وباء عالمي" وليس الاحتلال.
هلع نفسي
بدوره، رأى رئيس قسم علم النفس في جامعة الأقصى، مدير مركز التأهيل المجتمعي وإدارة الأزمات، فضل أبو هين، أنّ سلوك تخزين المواد التموينية طبيعي، في ظل ما تعودنا عليه من أزماتٍ سابقة، وذلك لأنّ الأمن الاقتصادي مرتبط بـ"الأمن النفسي".
وأضاف أبو هين خلال حديثه لوكالة "خبر": "لكنه غير طبيعي في هذه الأوقات؛ لعدم وجود احتلال يستخدم التضييق الاقتصادي كحرب ضد المواطنين في القطاع، وإنّما يوجد وزارات تابعة للحكومة بغزّة تؤكّد خطورة الأوضاع لكنّها تُتابع وتطمأن المواطنين بتوفير الأمن السلعي".
وأكّد أبو هين على أنّ تهافت الناس بشكلٍ كبير على الأسواق ظاهرة غير طبيعية، وتُشير إلى مزيد من الهلع النفسي وتزرع الخوف.
من جهته، أوضح أستاذ علم النفس في جامعة الأقصى درداح الشاعر، أنّ الدوافع النفسية لتخزين المواد التموينية تُعبر عن حالة الهلع والجزع من رحمه الله عز وجل في تصريف الأمور.
وتابع الشاعر خلال حديثه لـ"خبر": "من قام بهذا السلوك لا يعي ولا يفهم معني الفيروس"، مُتسائلاً: "ماذا سيفعل بالمواد الغذائية المخزنة إذا ما أصابه الفيروس؟! هل ستوفر له الوقاية منه؟ إلى من سيتركها إذا أصيب بالفيروس؟".
التحصن بالوعي وليس تخزين السلع
وبالحديث أنّ ظاهرة تخزين المواد التموينية أصبحت سلوكًا عالميًا، تساءل الشاعر: "ماذا فعلت إيطاليا بالسلع التي كدستها؟ هل مشكلتها في السلع أم نقص الوعي في العقلية الإيطالية وهي تهلو وتلعب ولم تحطاط بالعلم الكافي والوعي؟"، مُردفاً: "الأصل أنّ نُحصن أنفسنا ليس بالسلع وإنما بالوعي والإدراك".
كما نوّه أبو هين إلى وجود مبرر للعالم بهذا السلوك، وذلك لوجود أمراض حقيقية ومنتشرة، وبالتالي عوامل الحماية من الموت والوقوع في المرض، تكمن في المكوث في البيت وأي خروج يُشكل خطراً محدقاً، مُضيفاً: "لكنّ نحن لم نصل لهذه المرحلة؛ وبالتالي سلوك تخزين السلع غير محسوب".
وأردف أبو هين باستغراب: "الناس تُخزن الطعام، وفي نفس الوقت تخرج من البيت وتذهب للتنزه بالمولات التجارية"، مُؤكّداً على عدم وجود أي داعي للهلع، وعلاج الوباء العالمي هو "الموث في البيت".
آفات اجتماعية
وبشأن الأضرار الناتجة عن عملية تخزين السلع، قال أبو هين: "إنّ بعض الناس لا تملك المال والإمكانية الاقتصادية للشراء، ما يترك علامات الغيرة في المجتمع عندما ترى فئات تُخزن السلع بكميات ضخمة"، مُحذّراً من حدوث مشاكل اجتماعية من وراء هذا السلوك.
من جهته بيّن الشاعر، أنّ هذا السلوك يتنافى مع الشخصية الوطنية الفلسطينية التي تعرضت لمحن وأزمات أشد من "كورونا"، لافتاً إلى أنّ هذا السلوك سيولّد مشاعر الكره والحقد في المجتمع وتمنى الفشل والمرض لأصحاب الطمع الزائد الذين يخزنون السلع.
وتساءل الشاعر: "من لا يملك مالاً ماذا سيفعل عندما لا يجد السلعة في السوق؟ وهي مكدسة عند هذه الفئة، فيما لا يجد الفقراء قوت يومهم؟"، داعياً إلى ضرورة التكاتف الاجتماعي والتعاون وإسناد المواطن لأخيه الفلسطيني؛ خاصةً أنّ المعابر لم تُغلق والموجود في القطاع يكفي لعدة شهور.
"قوت يومك لا عامك"
ودعا أبو هين سكان قطاع غزّة إلى البعد عن حالات الهلع والخوف والتوتر؛ لأنّه يضعف جهاز المناعة عند الإنسان ويسرع بأمراض أخرى أشد خطورة من " الكورونا".
وشدّد على ضرورة التحلي بالقناعة والإيمان بالله وتحكيم العقل والمنطق، مُستدركاً: "من حقك أنّ تخاف، ولكنّ ليس من حقك المبالغة في الخوف".
أما الشاعر، فقال: "لا يصح للإنسان إلا أنّ يأخذ حاجته؛ لأنّ هذه السلع لم تنتهي والله عز وجل خلق الإنسان وتكفل برزقه ولا داعي للهلع والجزع".
واستشهد بحديث الرسول صل الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا"، مُوضحاً أنّ الرسول دعا لأخذ قوت اليوم وليس السنة، لذلك لا يجوز هذا السلوك من إنسان فلسطيني مقاوم مجاهد، يسعي لاحتكار بعض السلع بعيداً عن جاره.
ودعا الشاعر إلى تضافر جهود القيادات السياسية والاقتصادية والصحية والإعلامية؛ لطمأنة الناس والتعريف بحقيقية المرض الذي لا يقتل كما السرطان والأمراض المزمنة على حد قوله، مُردفاً: "لابد من أخذ التدابير الاحترازية مع البعد عن الخوف الذي هو أشد خطورة من المرض نفسه".