نتنياهو مشغول بالمؤامرات السياسية: لا وقت لـ«كورونا»!

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


بعد بضعة أسابيع من ازمة «كورونا»، يستمر الارتباك في سياسة إسرائيل لمحاربة الفيروس. تضغط وزارة الصحة من اجل فرض فوري لإغلاق كامل بذريعة أن القيود التي تم فرضها على الجمهور استنفدت، وفي القريب يتوقع انتشار كبير للفيروس الذي يمكن أن يشل المستشفيات. وما زالت وزارة المالية تحاول منع ذلك بهدف تقليص الأضرار الاقتصادية.
تكرر الطقوس نفسها كل يوم. مرة تلو الأخرى تخرج تسريبات حول نية آخذة في التبلور لفرض إغلاق شامل. ومرة أخرى قبل الإعلان اليومي (تقريبا) لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للجمهور في المساء، يتم التوصل الى تسوية – تشديد معين ولكن حتى الآن دون إغلاق شامل. ربما يتبين أن نتنياهو ليس قبطانا جيدا كما يطرح نفسه، حيث إن جزءا كبيرا من وقته مخصص للمؤامرات السياسية من أجل تشويه الديمقراطية، وحتى نوعية القرارات تعاني من أزمة، حيث يصفها بأكبر الازمات التاريخية.
كان لإسرائيل وقت كبير نسبيا من أجل أن تستعد لوقف «كورونا»، بعد التحذير الاستراتيجي الذي قدمته الصين في كانون الثاني الماضي. الخطوات المهمة التي اتخذت – وقف رحلات الطيران من الصين وفرض الحجر على العائدين من الخارج وبعد ذلك تقليص كاسح في رحلات الطيران الى الخارج بشكل عام – سبقت بقليل معظم الدول الغربية، وأعطت جهاز الصحة المحلي فترة ثمينة أخرى من اجل الاستعداد.
ولكن مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، اللتين ترددتا حتى مساء أول من أمس، ما زالت إسرائيل تتردد هل تفرض اغلاقا شاملا وقاسيا كما يبدو من خلال الايمان بأن الخطوات التي تم فرضها الى جانب فروقات اخرى (بالاساس السكان الاصغر سنا) ستجنّبها مصيرا مشابها لمصير ايطاليا واسبانيا.
ويضاف إلى ذلك فشل الفحوصات المستمر. فرغم وعود وزارة الصحة إلا أن وتيرة توسيع الفحوصات ما زالت تتقدم ببطء، رغم الرفض المتزايد من العلماء والأطباء والوزراء. أحيانا يبدو أن وزارة الصحة تحول الفشل الى ايديولوجا. أبناء عائلات المصابين والاشخاص الذين يظهر عليهم أعراض الفيروس يجدون صعوبة في الوصول الى إجراء الفحوصات. الكثيرون ينتظرون اياماً. وفي ظل غياب فحوصات كافية وغياب معلومات عن تقدم المرض وعدم اليقين الكبير، فإن المسافة قصيرة لاتخاذ قرار كاسح ومتطرف بالاغلاق الشامل.
رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الجنرال احتياط غيورا آيلاند، فتح المجال للكثير من زملائه ممن خدموا في الجهاز الحكومي، والذين ما زالوا يخدمون، لاعطاء رأيهم، عندما وجه انتقادا شديدا لهذه السياسة. في مقابلة مع القناة 13 قال آيلاند، إن الازمة «تدار بشكل سيئ جدا»، بالطريقة الابعد عن الطريقة التي يجب أن تدار فيها ازمة وطنية.
وحسب قوله كانت ثمة حاجة إلى تقليص مسؤولية وزارة الصحة لتقتصر على مجال تخصصها المهني. وتمكين جهات أخرى مثل وزارة الدفاع للاسهام بأفضليتها النسبية في مسائل مثل شراء معدات من الخارج. يعتقد آيلاند أن أموراً أساسية مثل توزيع منظم للصلاحيات والمسؤوليات بين الجهات المختلفة وتشكيل مركز لادارة الازمة لم تتم. وعاد وانتقد التأخير في تشغيل مختبرات الفحص في ارجاء البلاد.
حسب رأيه، لم تستطع إسرائيل استغلال ميزاتها في ادارة الازمة: البعد النسبي عن الصين، حقيقة أنه يوجد للدولة بوابة دخول واحدة فقط (مطار بن غوريون)، والتجربة المهمة التي تراكمت هنا في المواجهة مع اوضاع طوارئ. بشأن مطار بن غوريون، فإن آيلاند يختلف مع نتنياهو حول الثناءات التي أغدقها نتنياهو على الجهاز وعلى نفسه: لو أنه أُعطي لمدير المطار في وقت أبكر توجيه للقيام بفحوصات الحرارة ووقف دخول المصابين دون عزل، قال، لكننا، اليوم، في وضع افضل بكثير.

المجتمع في الجبهة القادمة
في الإحاطة الصحافية للاستعدادات لتفشي الفيروس يتم التأكيد طوال الوقت على الوضع في المستشفيات. هذا هو الذخر الاستراتيجي لجهاز الصحة، الذي كل أجهزة الدفاع الأخرى (بوساطة التعليمات للسكان) توضع من اجل الدفاع عنه في ضعفه. ولكن عدد الأسرة التي تستطيع استيعاب مرضى «كورونا» في النهاية في المستشفيات هو عدد محدود. فعليا، من المعقول أن جزءا كبيرا من العبء في معالجة المرضى سيلقى على الجهاز الطبي في المجتمع الذي تشغله صناديق المرضى.
عندما ستمتلئ المستشفيات فإن الكثير من المرضى، معظمهم في وضع طفيف، سيضطرون الى الوصول الى الفنادق التي أعدتها وزارة الدفاع بالتعاون مع صناديق المرضى أو البقاء في معالجة بيتية، مع إشراف اطباء العيادات المجتمعية، الذي سيجري جزء منه عن بعد. في النقاشات التي يجريها جهاز الصحة يشار الى الشتاء القادم، على فرض أنه حتى ذلك الوقت لا يزال من غير الممكن تطعيم السكان ضد «كورونا»، كنقطة الذروة المتوقعة للأزمة.
الاطباء وأعضاء الطواقم في العيادات المجتمعية ما زالوا لا يحظون بمستلزمات الحماية والادوية والوسائل اللوجستية التي ستمكن من اجراء العلاج المعقد للمرضى الذين سيمكثون في البيوت. وبالمقارنة مع عيادات صناديق المرضى فإن شبكة المستشفيات أقوى وأكثر ميزانية. ولكن الجبهة القادمة يمكن أن تكون في العيادات المجتمعية. وزارة الصحة ستضطر الى الاهتمام بذلك، والعمل بصورة وثيقة مع الصناديق ومع رؤساء البلديات والمجالس. وهذه مسألة يبدو أنها لم تعط الاهتمام المناسب.

قليل جدا ومتأخر جدا
خلال ذلك، نُشر، أول من أمس، تقرير مراقب الدولة، الذي جاء فيه أن إسرائيل غير مستعدة لانتشار وباء. هذا التقرير كتبه المراقب السابق، يوسف شبيرا، ولكن حسب تقدير الاشخاص الذين يعرفون اختلاف المقاربات والاساليب بين شبيرا ومن حل مكانه، متنياهو انغلمان، يبدو أن الصيغة التي نشرت في نهاية المطاف اجري عليها في الاشهر الاخيرة إعادة صياغة استهدفت تخفيف الاستنتاجات وطمس هوية المسؤولين عن الاخفاقات.
الانتقاد معمم مقارنة مع تقارير في السابق، وهو عام في صياغته وليس مثلما في السابق، ولا يوجه اصبع اتهام واضحة لمسألة لدى من حدثت الاخفاقات المذكورة: غياب خطة عمل منظمة لمعالجة الوباء، الاخفاق في جهاز المعالجة، الاخفاق في اجراء تحقيقات وبائية، ونقص الأدوية لمعالجة التلوث الوبائي.
يعقوب (مندي) أور، من كبار رجال مكتب المراقب في السابق، قال للصحيفة إنه «بقدر ما كانت التقارير التي كتبناها في السابق لاذعة اكثر، زادت ردود الجمهور الواسع واجبرت السلطات على العمل على اصلاح العيوب. عندما يكون التقرير موجها لشخص مجهول مثل تقرير الفيروسات الحالي، فإن الرد سيكون لامبالاة مطلقة. يكشف التقرير عيوباً، لكن بصعوبة يستخدم هذا المفهوم، باستثناء اعلان المراقب لوسائل الاعلام». وقد قال أور إن الحركة لنقاء الدولة، التي هو من رؤسائها، ستدعو الكنيست للعمل فورا على تشكيل لجنة تحقيق رسمية، لأن تأجيل التحقيق حتى انتهاء الازمة لن يمكن من اصلاح العيوب في موعده.
أوضح نتنياهو في رده، كما هو متوقع، بأن «كورونا» يحدث مرة كل مئة سنة، وفي الواقع لا يمكن الاستعداد له. ولكن مثلما قال آيلاند، يبدو أن هناك خطوات كان من السليم القيام بها قبل وقت طويل. وهناك موضوع آخر: تقرير الأوبئة استكمل في تشرين الثاني الماضي، وهكذا كان يمكن نشره في كانون الثاني الماضي. انغلمان، لاعتباراته الخاصة، طلب تأجيل النشر حتى أيار، سوية مع التقرير السنوي.
في شباط الماضي، عندما خرج «كورونا» من حدود الصين، تحدثوا في القناة 12 عن تأخير نشر التقرير، وبعد ذلك قرر مراقب الدولة تبكير موعد النشر من أيار الى نهاية آذار. وفي نهاية المطاف يحدث هذا متأخرا جدا، واذا كانت هناك فائدة فورية توجد في التقرير، بسبب امكانية تشخيص عيوب بصورة أبكر، يبدو أنه تمت اضاعتها. هذه الامور تضاف الى ما نشر في «هآرتس»، أول من أمس، عن أنه حتى لو اصبحت الازمة موجودة لدينا، فإن انغلمان لا يظهر اشارات الى أنه يرغب في الاسراع وفحصها.
عن «هآرتس»