هل يوقف "كورونا" النزاع في سورية؟؟

هاني حبيب.jpg
حجم الخط

هاني عوكل

قبل أن ينتشر فيروس "كورونا" بهذا الشكل الهستيري الذي أربك العالم، اتفقت روسيا وتركيا على وقف التصعيد في محافظة إدلب التي شهدت نزاعاً دموياً بين الجيش السوري وروسيا من جهة، وتركيا والمعارضة السورية من جهة أخرى، ولولا هذا الاتفاق لكان من الممكن أن يتطور النزاع إلى مستويات غير مسبوقة.

"كورونا" الفيروس المستجد دخل حديثاً على خط النزاع وفرض وجوده بقوة، إلى درجة أن روسيا وتركيا منشغلتان بأولوية مكافحته ومنع تفشيه، وكذلك يفعل فرقاء النزاع السوري الذين يتجنبون التخالط ويفضلون التباعد العسكري والاجتماعي خشية أن يفتك بهم الفيروس.
الملف السوري لم يعد أولوية كما كان من قبل في وسائل الإعلام وبين الدول الكبرى المؤثرة فيه، وبات "كورونا" هو الحدث الأبرز الذي يهيمن على العالم، إلى درجة أنه ألزم المؤسسات الدولية والأممية الدعوة للتوحد والعمل الجماعي من أجل محاربته، وترك باقي الأولويات إلى وقت آخر.
نتيجةً لسرعة انتشار الفيروس وخطورته خصوصاً على الدول الفقيرة وتلك التي تشهد نزاعات وحروباً متواصلة، ناشدت الأمم المتحدة بأمينها العام أنطونيو غوتيريش العالم إلى التوحد وترك الخلافات الجانبية من أجل القضاء على هذا الفيروس، وكذلك فعل المبعوث الدولي الخاص إلى سورية غير بيدرسون.
بيدرسون دعا فرقاء النزاع السوري إلى وقف إطلاق النار على المستوى الوطني والتفرغ لمواجهة "كوفيد 19"، إدراكاً منه أن هذا الفيروس إذا انتشر في سورية، فإنه سيخلق تداعيات خطيرة وكُلفاً إنسانية وصحية باهظة، أولُ من يتحملها هو المواطن السوري الذي يدفع الثمن دائماً في الحرب والكوارث الطبيعية والأوبئة.
مع انتشار الفيروس أعلنت السلطات السورية خلوّ البلاد من "كورونا"، غير أنها سجلت إصابةً واحدة به، ومن المحتمل أن يزيد عدد المصابين إذا خالط هذا الشخص مَن كان حوله، علماً أن ظروف الحرب وتواصلها لأكثر من ثمانية أعوام استنزفت بالفعل الموارد الطبية، وأثقلت كثيراً على البنية التحتية الصحية التي هي ضعيفة في الأساس.
ليس القلق من انتشار "كورونا" في المدن السورية فحسب، وإنما الخوف من انتشاره في تجمعات النازحين واللاجئين والمناطق الفقيرة التي تفتقر إلى الرعاية والكوادر الصحية، والموضوع لا يحتاج فقط إلى مناشدة لفرقاء النزاع بتثبيت إطلاق النار والتباعد العسكري، بقدر ما أنه بحاجة إلى العمل الجمعي لمواجهة الفيروس.
ينبغي على منظمة الصحة العالمية أن تنسق مع الأمم المتحدة لإدخال الأجهزة والمستلزمات الطبية والأدوية إلى سورية بشكل عاجل وفوري، وعدم الاكتفاء بالتدابير الاحترازية والوقائية التي تقوم بها السلطات السورية على المستوى الوطني، لأن الحديث هنا عن فيروس ينتقل بين الناس بسرعة الصاروخ.
حتى الدول المتطورة مثل إيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية تأثرت بقوة من هذا الفيروس الذي حوَّل أهم معالمها إلى مدن أشباح، فما البال إذا تفشى "كورونا" في سورية، فإنه سيحصد أرواح الآلاف من السوريين الذين هربوا من ويلات النزاع وشردوا من مكان إلى آخر.
مناشدة المبعوث الدولي الخاص إلى سورية هي صحيحة وتأتي في محلها، لأن "كورونا" هو عدو مشترك لا يلتزم بالحدود ولا يعترف بقوة الدول، والأولى أن يتوقف النزاع تماماً وتحول المخصصات للموازنات والإنفاق العسكري إلى ميزانية الصحة والدوائر ذات الصلة لفرملة انتشار الفيروس.
قبل "كورونا" والاتفاق الروسي- التركي، كان الجيش السوري مصراً على استعادة محافظة إدلب حتى لو كلفه ذلك مواجهة عسكرية محدودة مع تركيا، إلا أن الاتفاق ألزمه بوقف القتال، حتى أن روسيا أوفدت وزير دفاعها سيرغي شويغو إلى دمشق للقاء الرئيس الأسد وتأكيده رغبة الكرملين بتثبيت وقف إطلاق النار.
"كورونا" بالتأكيد سيفرض وجوده على كل تفاصيل المشهد السوري، وهذا يعني أنه قد يعزز من فرص تثبيت التهدئة إلى أجل غير مسمى، لكن الجيش السوري سيتحيّن الفرصة المناسبة لاستعادة محافظة إدلب بالقوة، اللهم إلا إذا فتحت روسيا خطاً للمفاوضات مع تركيا بشأن تسليم المحافظة إلى الجيش السوري.
على كل حال، لا أحد يأتي بالذكر على الملف السوري في هذه الأيام، والإعلام كله عن بكرة أبيه موجه إلى التدابير والإجراءات التي تتخذها الدول لمحاربة "كورونا"، وكذلك هناك اهتمام بسورية من جهة أعداد المصابين والاحتياطات الوقائية للحد من انتشار الفيروس.
متى توفر اللقاح لهذا الفيروس ومتى ظل ملف إدلب هكذا عالقاً بدون حلول سياسية، قد تحدث موجة جديدة من النزاع العسكري بين الفرقاء في مربع هذه المحافظة، لأن الجيش السوري الذي يظن أنه متفوق على غيره في هذا النزاع، يريد أن يحقق إنجازات عسكرية، وكذلك يريد أن يضع حداً لهذه الحرب الاستنزافية الطويلة.
المسألة مرتبطة بالوقت وبالأولويات، والأولوية الحالية تقتضي حماية البلاد من "كورونا"، حتى أن من يحملون السلاح في سورية يعتقدون أن المعركة ليست في إدلب بقدر ما أنها معركة مع الزمن لحماية أنفسهم من هذا الفيروس الذي يهدد كل البشرية في زمن الحرب والسلم.