الخوف السياسي يعرقل الإغلاق الموضعي للتجمعات الأصولية

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


بعد هدنة استمرت بضعة أيام، عادت التصريحات لوسائل الإعلام ومعها الأحكام الجديدة المفروضة على الجمهور. من الصعب الامتناع عن التفكير التآمري بأن التغييرات في محاربة «كورونا» متعلقة بشكل ما أيضا بالتغيرات في الحالة السياسية لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. الإجراءات الوقائية تم تخفيضها قليلا بعد أن نجح نتنياهو في اقناع جناح غانتس – اشكنازي بالتخلي عن موقفه المعلن والموافقة مبدئيا على الانضمام لحكومة تناوب برئاسته. أول من أمس، شددت مرة اخرى هذه الاجراءات بعد يوم عاصف في الجبهة السياسية.
هناك بالطبع المعطيات ذاتها، وهي تعكس في الأيام الأخيرة تباطؤاً معيناً في وتيرة العدوى لمرضى جدد تم تشخيصهم. وهذا بفضل الخطوات الحذرة التي تم اتخاذها. هذه المعطيات، التي هي بصورة طبيعية يريد الكثيرون التمسك بها، تجعل الخلافات حول تشديد سياسة الاغلاق تطفو على السطح من جديد، الى درجة مطالبة وزارة الصحة بفرض الاغلاق الشامل. عدد من المشاركين في النقاشات يتشككون من أن موقف الوزارة منسق تماما مع نتنياهو الذي يقول إن الاغلاق الشامل يتناسب مع مزاجه ورغبته في تحصين موقف أفضل سياسيا رغم الاخطار الواضحة التي تحدق بالاقتصاد. وفي الخلفية نشاهد انهيار جهاز الصحة في إيطاليا وإسبانيا والآن ايضا في مدن أميركية رئيسية كضوء تحذير.
مشاركون آخرون في النقاشات أكدوا على الإدارة المزعجة للازمة: جلسات مطولة ماراثونية يتراوح فيها منحنى القرارات بين قطبين متعارضين واحيانا تنتهي دون حسم. ومن الواضح لمن ينشغلون بهذا الامر أن البؤرة القادمة للفيروس والخلاف هي المدن والاحياء المتدينة التي فيها وتيرة العدوى مرتفعة بأضعاف عما هي في الاماكن الاخرى.
استيقظ معظم الحاخامات، لكن هذا الاستيقاظ حدث بشكل متأخر جدا. الخطوة المطلوبة - كما يبدو - هي فرض اغلاق متشدد أكثر على الاحياء التي حدث فيها الانتشار. ولكن هنا يوجد تخوف من أن الامر سينظر اليه كتمييز، ولا نريد الحديث عن الثمن السياسي في فترة المفاوضات السياسية. تحدث نتنياهو، أول من أمس، عن «عملية تطبيق متزايدة للقانون». ولكن ليس واضحا ماذا ستشمل بالضبط. وهناك خطر من أن الجمهور الاصولي سيتضرر مرتين – أولا بسبب عدم مبالاة الحاخامات والآن بسبب سياسييه، الذين كان من الافضل أن يطلبوا اتخاذ جميع الوسائل من اجل الدفاع عمن انتخبوهم للكنيست.
وزير الصحة، يعقوب ليتسمان، هو أول من رفع الراية عندما دعا في مقابلة مع «يديعوت احرونوت» إلى فرض الاغلاق على بني براك. يبدو أنه من المفضل القيام بذلك وبسرعة. وفحص خطوات مشابهة ايضا في مراكز عدوى اخرى. في هذه الاثناء معظم دعوات صناديق المرضى للمصابين المتدينين بحالة طفيفة بالخروج من الحجر البيتي والانتقال الى مراكز العزل من اجل منع المزيد من العدوى في هذا التجمع، استقبلت للاسف بالرفض.
في هذه الاثناء، اذا سمح لنا باستخدام تعبيرات عسكرية، فإن الدولة تواصل اطلاق المدفعية الثقيلة على الفيروس، لكنها تمتنع عن القيام بأي عملية جراحية موضعية، رغم ارتفاع عدد الفحوصات والمبادرات الشخصية لجمع المعلومات مثل الاستطلاع اليومي الذي ينشره باحثون في معهد وايزمن، يضع في يديها معلومات اكثر عن انتشار الفيروس.

تذكّر بعمل البقالة
في هذه الاثناء وعد نتنياهو، أول من أمس، بتطبيق برنامج مساعدة اقتصادية بمبلغ 80 مليار شيكل تقريبا. عينات عشوائية من المحادثات مع رجال الاعمال المستقلين واصحاب المشاريع الصغيرة تعكس خوفا حقيقيا وصعوبة متزايدة في دفع الاجور للعمال وتغطية التكاليف الجارية. بلديتان في مركز البلاد قامتا بإجراء استطلاعات سابقة، الاسبوع الماضي، كشفت أن اكثر من 30 في المئة من اصحاب المشاريع في مجالهما سيجدون صعوبة في الدفع للبلدية في هذا الشهر.
البروفيسور عيران يشيف من كلية الاقتصاد في جامعة تل ابيب قال للصحيفة، إن ادارة الازمة حتى الآن «تتم بطريقة الهواة وفاشلة وتذكر بعمل البقالة. الظهور التسويقي الناجح لرئيس الحكومة ليس ادارة جيدة. يجب أن تتم ادارة معالجة الازمة الصحية والاقتصادية معا».
وأوصى يشيف بتشكيل «لجنة سياسة الـ(كورونا)» تشمل اعضاء من وزارة المالية وبنك إسرائيل وخبراء من الخارج بتمثيل متساو. النفقات الرئيسية التي يتوقعها تستند الى اربعة مجالات. في جهاز الصحة ستكون حاجة الى شراء اجهزة تنفس اصطناعية واجهزة حماية واجهزة فحص. ونفقات للعمال (اجور، حوافز للطواقم الطبية)، ايضا سيكون مطلوباً تقديم مساعدات للعائلات مباشرة بمنح، وايضا عبر تحديد حجم ومدة سريان إعانة البطالة وضمان الدخل. وستكون حاجة الى الاستعانة بسلطة الضرائب والتأمين الوطني من أجل تحديد الضعفاء والمحتاجين. المجال الثالث يتعلق بالشركات، بوساطة تحويلات، دعم حكومي، والغاء مؤقت للضرائب. المجال الرابع يتعلق بضمان نشاط الاسواق مثل التأمين والاعتماد ورأس المال. واضاف يشيف، إن ضرر الـ»كورونا» سيقتضي مساعدة مركزة لقطاعين ضعيفين اقتصاديا وهما الاصوليون والعرب، اللذان يشكلان معا ثلث سكان الدولة تقريبا.

علامة الـ»كورونا»
تبين، أول من أمس، أن ريفكا بالوخ، مستشارة نتنياهو لشؤون الاصوليين، مصابة بالـ»كورونا». بعد بضع ساعات من التردد أعلن مكتب رئيس الحكومة بأنه هو ومستشاروه سيدخلون انفسهم الى الحجر المؤقت بصورة منفردة الى حين اتضاح المسار المرضي لبالوخ في الأيام الاخيرة، رغم أنه قيل في السابق إن نتنياهو لم يتواجد معها في الأسابيع الأخيرة.
كانت الأسابيع الأخيرة مليئة بالاحداث الدرامية السياسية، التي جرى معظمها في مقر الكنيست. ويمكن الافتراض بأن عددا من الشخصيات الرفيعة الاخرى في الحكومة والكنيست التقوا مع بالوخ في هذه الايام. واذا تم تطبيق برنامج «الشاباك» لفحص هذا، وكما يبدو فإن هذا ما يجب أن يفعلوه في أي حالة من المرضى التي تم اكتشافها، ربما سيُشل جزء من القيادة السياسية في الدولة في الاسبوع القادم. إضافة الى ذلك: نتنياهو، الذي يحب جداً السرية، سينضم الى ادارة كل مشاوراته، بما في ذلك الامنية، بوساطة الهاتف، أو بوساطة تطبيقات مثل «زوم» وما شابه. الى أي درجة سيكون مكشوفاً للتعقُّب؟.
النشر عن بالوخ جعل البروفيسور حاجي لفين يقفز، وهو رئيس نقابة أطباء الصحة العامة، يحذر منذ اسبوع من أن الفائدة الكامنة في تشغيل برنامج «الشاباك»، وهي خطوة كاسحة حذرت دول غربية اخرى من تطبيقها بشكل كامل، فهذه الخطوة تعتريها اخطار. الوسيلة التي تم اتباعها متطرفة، وامكانية والاحتجاج عليها تقريبا غير موجودة ودرجة دقتها غير معروفة. بالذات حالة بالوخ، قال لفين، أول من أمس، تمثل هذه الاشكالية – اذا تم اعفاء القيادة هنا، فإن هذا يبرر اعفاء الجميع.
ولكن في هذه الاثناء يتبين أن تدخل «الشاباك» هو فقط خطوة اولى في منحدر زلق. تفاخر وزير الدفاع، نفتالي بينيت، في عرضه للتطوير التالي: «علامة كورونا»، التي حسب قوله ستعطى على اساس يومي لكل مواطن وسترتكز على تحديد كامل لحركته من خلال فحص الامكانيات لانكشافه على مصابين. هذه المرة معلوماتنا الخاصة لن تبقى فقط في أيدي «الشاباك» ووزارة الصحة. وسيدخل الى الصورة ايضا الشباب الممتازون من وحدة 8200.
ليس هم فقط. فحسب تقرير رفائيلا غويخمان في «ذي ماركر» فقد اشركت في هذا المشروع شركة السايبر الإسرائيلية «ان.اس.أو» التي طرحت ضدها في السنوات الأخيرة انتقادات شديدة بشأن شكوك في تورطها في خرق حقوق الانسان في عدة دول (يجب الاشارة الى أن الشركة نفت هذه الادعاءات بشدة). وبالتأكيد يمكن أن رؤساء هذه الشركة يهتمون فقط بصحة الجمهور في هذا الوقت الصعب جدا. مع ذلك، عندما تطلب الدولة من المواطنين أن يودعوا برغبتهم خصوصيتهم في أيدي هذا الخليط المرتجل من منظمات التجسس والشركات الخاصة يثور سؤال ما هي المرحلة القادمة في هذا المنزلق؟ سننتظر اسبوعا أو اسبوعين، ربما يقترحون علينا أنه من أجل حماية صحتنا سنبدأ جميعنا بالتدخين – سيعدوننا بأنه يجب ألا نقلق لأن كل شيء سيجري تحت استشارة اخلاقية وصحية مستمرة للشركة المنتجة للسجائر، فيليب موريس.

عن «هآرتس»