في سابقة من نوعها، منذ إعلان المقاومة أسرها لجنود "إسرائيليين" إبان عدوان 2014 على قطاع غزّة، أعلن رئيس حركة حماس في قطاع غزّة، يحيى السنوار، أنّ الحركة جاهزة لتقديم تنازل جزئي في قضية الأسرى "الإسرائيليين" لدى المقاومة الفلسطينية مقابل إفراج الاحتلال عن كبار السن والمرضى من الأسرى كمبادرة إنسانية في ظل أزمة فيروس كورونا المستجد.
وقال السنوار في مقابلة أجرتها قناة "الأقصى" الفضائية في الثاني من إبريل الجاري: "إنّ مشاورات صفقة الأسرى توقفت منذ بداية الأزمة السياسية داخل إسرائيل".
وبيّن أنّه تم إرسال رسالة لكل الوسطاء مفادها أنّه لا يمكن البدء بمفاوضات صفقة جديدة قبل الإفراج عن أسرى صفقة شاليط الذين جرى إعادة اعتقالهم.
ويقبع حوالي 5000 آلاف أسير فلسطيني داخل سجون الاحتلال "الإسرائيلي"، بينهم 43 أسيرة و180 طفلاً، و430 معتقلًا إداريًا، و8 نواب و700 مريضًا و570 أسيرًا محكوم عليه بالمؤبد، و17صحفيًا، و50 من قدامى الأسرى.
من جهته، رأى مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي عماد أبو عواد، أنّ مبادرة السنوار تأتي في إطار وصول المقاومة لقناعة بأنّ إدارة الملف بالطريقة الحالية؛ بمعنى انتظار مبادرة "الكيان الصهيوني" مشكلة؛ وبالتالي يجب تحريك الملف.
وأضاف أبو عواد في حديثٍ خاص بوكالة "خبر": "تحريك الملف، لنّ يكون إلا من خلال الضغط على الاحتلال"، مُتسائلاً: "كيف سيتولد الضغط على الاحتلال؟!، بدون الكشف عن مصير الجنود".
وأردف: "إذا ثبت أنّ أحد الجنود أو الاثنين على قيد الحياة، سيكون لذلك الأأمر تداعيات كبيرة على الساحة الإسرائيلية، حيث ستشهد مظاهرات داخلية تُطالب بعمل صفقة، وستتحرك أيضاً الأحزاب الإسرائيلية؛ للمطالبة بضرورة إعادة الجنود؛ لأنّه تم أسرهم خلال معركة، بخلاف جلعاد شاليط الذي تم أسره من قاعدته العسكرية".
وتوقع أنّ يكون الحراك سريعاً باتجاه عقد صفقة، التي سيستفيد منها كافة الأطراف، لأنّ الفلسطينيين لديهم مئات الأسرى قضوا فترات طويلة، وربما سينعكس إيجاباً على الواقع المعاش في قطاع غزة؛ لأنّ الصفقة ستكون شاملة.
وبالحديث عن إمكانية قبول "إسرائيل" بالصفقة، أوضح أبو عواد أنّها لن تُهرول لعقد "صفقة تبادل" الآن طالما أنّ الملف ثابتاً؛ خاصة أنّ الحكومة "الإسرائيلية" تُقنع جمهورها بأنّ ما في جعبة حماس هي جثث جنود.
وجدّد التأكيد على أنّ تحريك الملف، يحتاج للكشف عن مصير الجنود إذا كانوا أحياء أم لا؛ لأنّ الضغط سيكون على "إسرائيل" وبخلاف ذلك لن يكون هناك أي ضغط.
بدوره، اعتقد المختص في الشأن الإسرائيلي عليان الهندي، أنّ الظروف الراهنة في "إسرائيل" لن تؤدي إلى عملية تبادل؛ خاصةً أنّ أولويات الشارع "الإسرائيلي" الآن، تتركز على مكافحة جائحة "كورونا" مع وصول الإصابات لحوالي 7 آلاف، بالإضافة لمسألة "تشكيل الحكومة" والوضع الاقتصادي؛ وبالتالي فإنّ إتمام الصفقة آخر اهتمامات الجانب السياسي.
واستدرك الهندي خلال حديثه لوكالة "خبر": "إذا توفرت ظروف مريحة جدًا لإسرائيل يُمكن أنّ تلتقط الخطة"؛ لافتاً إلى أنّ دولة الاحتلال تتعامل مع ملف الأسرى "ضمن قنوات سرية"؛ وبالتالي طالما أنّه لا يوجد ضغط من الرأي العام؛ ستزداد الحكومة تشددًا.
وأشار إلى أنّ الادعاءات الإسرائيلية، بأنّ الأسرى الموجودين لدى المقاومة الفلسطينية، هم اثنان من العرب وآخر أثيوبي؛ وبالتالي درجة الاهتمام بهم كمواطنين "إسرائيليين" منخفضة.
وكانت كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس قد أثارت هذه القضية مراراً خلال السنوات الأخيرة، بعدما عرضت صور أربعة جنود إسرائيليين يُعتقد أنّهم أسرى لديها، وفي مقابل ذلك أعلنت أنّها لن تكشف أي معلومات عنهم من دون مقابل.
واتهمت كتائب القسام الطبقة السياسية والعسكرية في إسرائيل بممارسة عملية تضليل وكذب بشأن ملف الأسرى والمفقودين، وقالت إنّ حكومة بنيامين نتنياهو تتهرب من صفقة تبادل أسرى مع المقاومة.
كما أعلنت أنّ عدداً من الأسرى الإسرائيليين لديها أصيبوا في قصف "إسرائيلي" على قطاع غزة العام الماضي.
وقال أبو عبيدة الناطق باسم كتائب القسام في بيان نُشر في الثاني من فبراير من العام الجاري: "في الوقت الذي يترك فيه العدو أسراه الذين أرسلهم للعدوان في قطاع غزة منذ عام 2014 غير آبه بمصيرهم المجهول، فإننا في كتائب القسام نُعلن عن حقيقة أخفيناها منذ عدوان مايو/أيار 2019 على قطاع غزة حين قصف العدو العمارات المدنية والأمنية وأماكن أخرى".
وأوضح أبو عبيدة أنّ عدداً من الأسرى "الإسرائيليين" أُصيبوا بشكلٍ مباشر، لكنّ كتائب القسام تتحفظ عن كشف مصيرهم في هذه المرحلة، مُردفاً: "نعد أسرانا الأبطال أنّ نعمل كل ما بوسعنا من أجل تحريرهم بكل السبل".
وحول طبيعة التنازلات التي تحدث عنها السنوار، اعتقد الهندي أنّه مجرد تصريح لإعادة تحريط الملف؛ مُشدّداً في ذات الوقت على أنّه إذا قُدر للملف أنّ يتحرك سيكون ضمن "قنوات سرية"؛ خاصة أنّ إسرائيل ترى بأنّ إتمام أي "صفقة" ستُخرج غزة من أزمتها.
ورجح الهندي ألا تُعطى إسرائيل فرصة "للسنوار" للتنفس في الضغط الذي تمر به غزة وغالبية دول العالم، بالإشارة لجائحة "كورونا".
ولفت إلى أنّ "إسرائيل" غير حريصة على حياة الأسرى الفلسطينيين؛ بدليل أنّها غيرمعنية بمساعدة فلسطينيي الداخل وسكان القدس حال تفشي الفيروس بينهم، مُرجحًا في نفس الوقت أنّ حوالي 60% من الحالات المكتشفة في الضفة الغربية بفيروس كورونا، مصدرها إسرائيل عبر عدم تحصين العمال الفلسطينيين.
وكان رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين اللواء قدري أبو بكر، قد طالب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيرش، بالضغط على سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، تجنباً لوقوع مأساة إنسانية في السجون في ظل تفشي جائحة كورونا.
وأضاف أبو بكر: "الحكومة الإسرائيلية وبمنتهى العنصرية واللاأخلاقية، أعلنت عن توجهها لإطلاق سراح أكثر من 500 سجين إسرائيلي جنائي، بهدف تقليص الاكتظاظ في السجون، تجنباً لانتشار الفيروس، فيما تجاهلت الأسرى الفلسطينيين الذين يحتجزون في معتقلات مكتظة، بينهم أكثر من 700 أسير مريض و200 طفل وعشرات المسنين والنساء، في ظل صمت المجتمع الدولي ومؤسساته حيال معاناة المعتقلين الفلسطينيين والخطر الذي يتهدد حياتهم بعد تفشي هذا الوباء بالمئات داخل إسرائيل ومن بينهم جنودا ومحققين".
ويبقى الأسرى الفلسطينيين بين خيارين أحلاهما مر، إما استمرار الاعتقال في ظل تعمد مصلحة السجون الإهمال الصحي في ظل شكوك حول إصابة سجانين بفيروس "كورونا"، وإما الإفراج عنهم من السجن إلى الحجر الصحي بسبب الفيروس.