بقلم: تل ليف رام
في اليوم الذي يجتاز فيه العالم نقطة الذروة في مواجهة فيروس كورونا ويعود الناس الى الشوارع، سنفهم التأثير الاستراتيجي للأزمة على العالم. فمحافل الاستخبارات الإسرائيلية، التي تفكر منذ الآن في اليوم التالي، تقدر بأننا سنرى نظاماً عالمياً جديداً، تتعاظم فيه أجسام اقتصادية عظمى، وتتهاوى من عظمتها دول كانت تعتبر قوية، وظهرت ضعيفة في زمن الأزمة.
الى جانب المشاكل التي ظهرت عندنا في مدى الجاهزية وفي الفجوات في إدارة الطوارئ، أدى ظهور الفيروس الى بروز جوانب القوة في دولة إسرائيل، ولا سيما في مجالات التحكم بالمعلومات، الذكاء الاصطناعي، نماذج التوقع والتعرف الإلكتروني. والترجمة للقوى العسكرية الاستخبارية بسرعة الى المساعدة في التصدي لـ"كورونا"، وبفضل قدرات الارتجال العالية والتكيف السريع، يبدو أن جهاز الطوارئ الوطني استقر، هذا الاسبوع، وهو يعمل بنجاعة أعلى الآن.
في الاستخبارات الإسرائيلية يقدرون بأن الآثار بعيدة المدى للأزمة قد تكون دراماتيكية في الشرق الأوسط. ففي السنوات التسع الاخيرة كانت المنطقة تعيش في هزة، وأمسك وباء كورونا بالعديد من الدول وهي تعاني مصاعب اقتصادية وفي زمن تعيش فيه احتجاجات اجتماعية في أراضيها. فشلت انظمة عديدة في قدرتها على ادارة الحياة اليومية في دولها، وهي لا تنجح في التصدي للازمة الحالية. ويبدو أنه في اليوم الذي ستعود فيه الجماهير الى الشوارع ستشهد هذه الانظمة هزات أكبر.
وحسب تقديرات محافل الاستخبارات، فإن عدد الموتى في ايران أعلى بثلاثة أو أربعة اضعاف من الاعداد التي يبلغ عنها، ويبدو أن الجمهور في ايران يعرف ان النظام يخفي عنه صورة الوضع الكاملة. ففي أعقاب اسقاط الطائرة الاوكرانية بالخطأ ومحاولة الايرانيين طمس الحقيقة وانكشاف الاكاذيب التي روتها طهران بعد تصفية الأميركيين لقائد قوة القدس، قاسم سليماني، تعاظم النقد الجماهيري لطريقة الإخفاء التي ينتهجها النظام.
في إسرائيل يحذرون من القول إن أزمة كورونا والوضع الاقتصادي العسير ستعرض الاستقرار السلطوي للجمهورية الاسلامية الايرانية للخطر، ولكن في اللحظة التي سيسمح فيها للمواطنين بالعودة الى الشوارع – سترفع القيود، الاسبوع القادم – فإن التحدي الذي سيقف أمامه نظام آيات الله سيكون كبيرا على نحو خاص. فكلما فهم المواطنون خطوة الوضع الاقتصادي والسياسي، يحتمل أن نرى احتجاجات كبرى تثور في شوارع الدولة.
ان محاولة النظام استغلال الوضع الاقتصادي للتخفيف من العقوبات لا تنجح في هذه المرحلة. وان كانوا في إسرائيل لا يلاحظون محاولات ايرانية لاستغلال الازمة العالمية للتقدم نحو القنبلة النووية، الا ان الميل المقلق المتعلق بمواصلة جمع اليورانيوم المخصب بمستواه المتدني يتواصل، ولكن في الشهر الماضي يبدو أنه لم يكن ثمة تغيير في حجمه.
ثمة دول أخرى قد تتأثر بـ"كورونا". في لبنان مثلا، الذي قبل شهر فقط أعلن عجزه عن سداد الديون. هناك ايضا تؤثر الازمة على فرع السياحة، وهو احد الأعمدة الفقرية الاقتصادية لاقتصاد دولة الارز. ومع افول الازمة فإن الدول التي درجت على تقديم المساعدة الاقتصادية للبنان لن تقف في الطابور مع محافظ مفتوحة حين تكون التحديات الاقتصادية تحدق بها من الداخل.
للوضع في لبنان آثار ايضا على مكانة "حزب الله" ووضعه الاقتصادي. في إسرائيل لاحظوا في الاسبوع الاخير محاولة من حسن نصرالله تثبيت مكانته من خلال خطابات الى الأمة، ووضع خطة اقتصادية، وتفعيل جهود المساعدة للمواطنين. يبدو أنه يحاول أن يخلق لنفسه صورة الراشد المسؤول في الدولة.
ولكن وضع المنظمة الارهابية صعب. ليس فقط وضعها الاقتصادي. ففي إسرائيل يرون انخفاضا كبيرا في نقل ارساليات السلاح من ايران الى "حزب الله". وهذا ايضا أحد تفسيرات الانخفاض في حجم عمليات سلاح الجو في المنطقة في الشهر الأخير. في جهاز الأمن يقدرون بأن المنظمة في هذه المرحلة لم تحصل على الشرعية من لبنان للقيام باستفزازات تجاه إسرائيل.
الى جانب ذلك يجب أن نتذكر بأنه حتى لو قلت التهديدات الفورية، فعند الأزمة درج أعداء إسرائيل على ان يحرفوا صمامات الضغط لديهم من الداخل الى الخارج. سيناريو كهذا ليس معقولا في لبنان، ولكنه قد يحصل في قطاع غزة.
في جهاز الامن يعطون علامة جيد لـ"حماس" على إدارة أزمة كورونا في غزة. والتقدير هو أنه لا توجد إمكانية لمعرفة عدد المرضى في القطاع. وانتشار دراماتيكي للفيروس هناك يقلق إسرائيل، التي تخشى فقدان السيطرة. وتستعد اجهزة الامن عندنا لسيناريوهات مختلفة، بينها محاولة من الجماهير للوصول الى الجدار، إطلاق الصواريخ كوسيلة لممارسة الضغط، وغيرها من الامكانيات التي قد تقلب الصورة وتجعلها اكثر تعقيدا بكثير.
يبدو في هذه اللحظة أن زعيم "حماس" في غزة، يحيى السنوار، لا يتجه نحو التصعيد، رغم التهديد الصريح الذي أطلقه: "إذا لم نتنفس في غزة، ففي إسرائيل ايضا لن يتنفسوا، وسينزلون الى الملاجئ". وقد فهمت هذه الجملة في أجهزة الامن كسبيل لخوض مفاوضات عبر وسائل الاعلام وكوسيلة ضغط لتلقي المساعدات، التمويل، ووسائل مكافحة الفيروس. ويسير "الجهاد الاسلامي" على الخط مع "حماس"، ما يفسّر الحجم المتدني لإطلاق الصواريخ من القطاع مؤخراً.
حتى لو لم يقولوا هذا صراحة، ففي واقع الشرق الاوسط الغريب عندنا، تحتاج "حماس" الى إسرائيل معها وليس ضدها. وليس صدفة أن الطرفين يحاولان في هذا الوقت، وفقا لمنشورات في وسائل الاعلام العربية، العمل على خطة تحت غطاء "كورونا" تؤدي الى تقدم كبير في موضوع الأسرى والمفقودين. وهكذا الى جانب التهديدات، في غزة وفي القدس يشخصون الفرص. وإن كانت الفجوات لا تزال واسعة، وفي إسرائيل يعتقدون أن احتمال التقدم ليس عاليا على نحو خاص.
في هذه المرحلة لا تفضل "حماس" الوصول الى مواجهة مع إسرائيل. بل تواصل مخطط التسوية الذي يخدمها في مواجهة "كورونا" ايضا. ولكن الصورة ستتغير اذا ما وقع تفشٍ واسع للفيروس في القطاع، وعندها سنرى "حماس" توجه النار نحو إسرائيل، في محاولة لتفرض عليها ايضا تقديم مساعدات اكبر. في إسرائيل لا يحتاجون الى تذكر كهذا، فهنا يفهمون الحاجة الى التعاون في مكافحة الفيروس حتى دون ممارسة "الارهاب".
كما أن أداء السلطة الفلسطينية تجاه تفشي الفيروس يحظى بعلامة جيد في جهاز الأمن. تعمل السلطة بنجاعة، بشكل مرتب، وبتنسيق كامل مع إسرائيل، سواء في الجانب الأمني أم في الجانب المدني، وتنجح في فرض الاغلاق والانضباط على الجمهور.
في السلطة الفلسطينية يفهمون الآثار المحتملة على حكمهم إذا ما خرج الحدث عن السيطرة. وفي إسرائيل يهرعون الى المساعدة؛ لأنهم عندنا ايضا يفهمون بأن الانهيار الوظيفي للسلطة سيدحرج الفيروس الى بواباتنا، وذلك لأنه لا يتوقف عند جدار الفصل. ومن شأن مثل هذا الانهيار أن يصعد التحديات الامنية وتهديدات "الارهاب". وعليه فإن مصلحة كل الاطراف هي أن تواصل السلطة ادارة الامور في اراضيها بمساعدة ودعم من إسرائيل. وفي هذه الاثناء تشكل ازمة كورونا فرصة ايضا ورافعة لتحسين العلاقات بين إسرائيل والسلطة.
ان العلامة العليا على معالجة الحدث تمنحها إسرائيل الى جارها من الشرق. فمنذ المراحل الأولية نفذ الأردن الأعمال الأكثر جدية وتطرفاً: اغلاقاً تاماً ومؤخرا منع للتجول، في اثنائه قدم للناس الطعام وغيره من الاحتياجات وأوصلها مباشرة الى بيوتهم. يفهم الاردن بأنه اذا انتشر الفيروس بشكل واسع سيكون من الصعب عليه أن يتصدى له من ناحية مدنية وسلطوية، ولهذا فإنه يتخذ هذه الاجراءات.
في الأيام التي يكون فيها العالم كله في أزمة، من السابق لأوانه أن نفهم عمق آثارها الهائلة على الدول التي تضررت منها، ولا سيما تلك التي كانت تعيش بالاصل مشاكل داخلية عسيرة. ولكن الى جانب المظاهر السلبية العديدة، يوفر وباء كورونا ايضا الفرص لإسرائيل، في تعاون نادر وتبادل للمعلومات.
صحيح أن التهديدات الأمنية لم تختفِ ومن المعقول الافتراض انه في الاشهر القريبة القادمة ستعود بعضها لتطل من جديد، وربما بقوى اكبر، ولكن الفجوة في القدرات الامنية بين إسرائيل واعدائها هي الاخرى قد تتعاظم بعد أن ينتهي كل شيء. ومن أجل أن يحصل هذا من المهم أن تعرف الدولة كيف تقيم آلية خروج من الازمة تمنع انهيارا اقتصادية في البلاد.
عن "معاريف"