من دروس "كورونا" : يجب الاستعداد جيداً لمواجهة أسلحة الإبادة الشاملة

حجم الخط

بقلم: اللواء احتياط إيتان بن إلياهو


في إسرائيل، مثلما في دول أخرى في العالم، فإن بند الدفاع عن النفس ضد وسائل الإبادة الشاملة يشكل ملحقا سريا، لاعتبارات مختلفة، يعنى به في الغرف المغلقة. في أعقاب أحداث الأسابيع الاخيرة يجب أن يتغير هذا، وينبغي للدروس المستخلصة من وباء «كورونا» ان تؤثر ايضا على مفهوم الأمن في الدولة.
تعرف البشرية، بل شهدت، مواجهات بأنواع مختلفة من الأسلحة المخصصة للإبادة الجماعية. وقد دُرج على تصنيف التهديدات وفقاً لمستوى الخطورة – سلاح كيميائي، سلاح نووي، ووسائل بيولوجية.

السلاح الكيميائي
تشكل المواد الكيميائية الأساس للسلاح الكيميائي. والتطوير ليس معقداً، وليس باهظ الثمن، ولهذا فانه يوجد أيضا في أيدي دول صغيرة. وتتركز تحديات تطوير السلاح في أمان معالجته وادخاله الى وسائل الاطلاق له، كالمدفعية والقذائف الجوية.
يمكن لاصابة البشر أن تتم بوساطة الغاز، الذي يتسلل الى الجسد عبر مسالك التنفس، او بالسوائل. يكفي تنشُّق الغاز أو قطرة من مادة سائلة على الجلد للاصابة. ويؤدي إلقاء السلاح بواسطة المدفعية الى تغطية مساحة محدودة. أما الإلقاء من الجو فيكون اكثر نجاعة، لأن المادة الكيميائية ستنتشر على مساحة مئات الامتار. ولكن تناثر المادة منوط جدا بحالة الجو. بريح قوية تتبخر المادة حتى قبل أن تصل الى مستوى البشر. اما في حالة الامطار والعواصف فلا يمكن استخدامها على الاطلاق. والمصابون هم من يتواجدون في مدى تناثر المادة، ولهذا فان عددهم سيكون محدودا.
توجد وسائل مانعة ومواد إشفاء يمكنها أن تلغي الإصابة الكيميائية او إنعاش المصاب. الانضباط والتعاون من السكان يساهمان كثيرا في جودة الدفاع عن النفس. والأثر الأهم لهذا السلاح هو الفزع الذي يخلقه.
كيف يتم الاستعداد ضد تهديد السلاح الكيميائي؟ يمكن ضرب منشآت التطوير مسبقاً، ومناطق التخزين، ووسائل الاطلاق. اما بعد أن نتعرض للهجوم فيمكن الاكتفاء برد قاس بما يكفي بوسائل السلاح التقليدي. رغم التهديدات والانتقادات العالمية، ولأن الضرر الذي يحدثه السلاح الكيميائي محدود نسبيا، فقد تجرأت الحكومات على استخدامه في حروب القرن العشرين، ومؤخرا في سورية ايضا.

السلاح النووي
السلاح النووي هو ثمرة تطوير العالم الحديث. ولتطويره هناك حاجة الى علم ومقدرات كثيرة، وصيانته واستخدامه صعبان ومعقدان. المادة الخام من الصعب بل من المتعذر الحصول عليها. كما أن الدولة لا يمكنها أن تخفي الانشغال بها. مراكز التطوير ووسائل الإلقاء تكون عرضة للإصابة.
الإحساس لدى الجمهور هو أن القنبلة النووية يمكنها أن تبيد دولة كاملة، مثل إسرائيل. هذا تضليل أو على الاقل خطأ. فأثر السلاح النووي هو في ثلاثة مجالات – الصدى، الاشعاع الحراري، والاشعاع ذاته.
مدى الاصابة منوط بشدة القنبلة. فمثلا، القنبلة التي القيت على اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية كانت بشدة متوسطة، تساوي عشرين طنا من المادة المتفجرة. قنبلة مشابهة لتلك ستحدث ضررا شديدا بنصف قطر 1.5 كيلو متر، ضررا متوسطا حتى نصف قطر 3 كيلومتر وضررا طفيفا حتى نصف قطر 5.6 كيلو متر. في اليابان لاقى مئات الاف البشر حتفهم. غير أنه في مدينة حديثة سيكون الضحايا اقل بكثير – نحو 20 ألفاً حسب التقديرات. وسبب الفارق الهائل يعود الى أن المباني في هيروشيما ونجازاكي كانت رقيقة، ضعيفة، وكانت متانتها متدنية على نحو خاص.
فكيف يمكن الاستعداد، إذاً، ضد التهديد النووي؟ من خلال استخدام الوسائل السياسية، الاقتصادية والعسكرية، يمكن منع أو على الأقل ردع دولة ما من تطوير سلاح نووي. مواقع النووي في تلك الدولة تكون عرضة للإصابة، ذخائرها القومية عرضة للإصابة، وزعماؤها لا يكونون محصنين. وبالفعل، منذ القيت القنبلتان النوويتان في العام 1945 على هيروشيما ونجازاكي، كان تطوير النووي في دول قليلة، ولم تكن أي حالة تجرأت فيها حكومة ما على استخدام السلاح النووي.

السلاح البيولوجي
السلاح البيولوجي هو الأخطر. في الماضي، في ظل غياب القدرات على تطوير السلاح البيولوجي، شخص الزعماء الطاقة الكامنة في الأوبئة، وارتجلوا بوساطة نثر أجسام مصابة وأشياء ملوثة بالفيروسات في أوساط سكان العدو. من القرن الـ 14 وحتى القرن الـ 18 عُرفت حالات استخدام السلاح البيولوجي. استخدم اليابانيون في حربهم ضد الصينيين السلاح البيولوجي، وتسببوا بموت مئات الآلاف.
من الخصائص التي يتميز بها السلاح البيولوجي هي أنها لا ترى، ولا توجد ضدها وسائل تحصين، والأخطر من كل شيء فان المحيط الذي يتعرض للهجوم يبقى مصابا لفترة طويلة جدا. عندما اختار البريطانيون جزيرة اسكتلندية صغيرة، غرينيارد، لإجراء البحث، بقيت الجزيرة ملوثة لمدة 50 سنة. هذا السلاح سيتسبب بموت عشرات آلاف البشر.
من الصعب جدا الاستعداد المناسب ضد السلاح البيولوجي. فالمعلومات عن منشآت التطوير ومناطق التخزين محدودة. وعليه، فمن الصعب منع هجوم بيولوجي او الرد عليه. من جهة، لا توجد وسائل تقليدية كافية لوقف العدو. من جهة اخرى، الرد بسلاح بيولوجي من شأنه أن يتصاعد لدرجة انتحار الطرفين.
ما يؤدي بنا الى الوباء الذي يتصدى له العالم هذه الايام. يفيد حدث «كورونا» بأنه حتى المصائب التي احتمالات أن تقع متدنية جدا يمكن أن تحصل – ولهذا فنحن ملزمون بالاستعداد لها. ان احتمال وقوع حدث بيولوجي بمبادرة العدو هو احتمال متدن، ويكاد يكون غير معقول الحدوث. ولكن مثلما يفيد وباء «كورونا»، يمكن لمثل هذا الحدث بالتأكيد أن تتسبب به الطبيعة.
وبالتالي، ينبغي لوباء «كورونا» أن يذكر بان سلاح الدمار الشامل هو جزء من مفهوم الأمن للدول التي يكون وجودها عرضة للخطر. ومع أن احتمالات استخدامه طفيفة، مع ذلك يجب الاستعداد له. من بين كل هذه، فان التهديد البيولوجي جدير باهتمام أكبر بكثير، وليس فقط كملحق ثانوي في مفهوم الأمن. وباء الكورونا يعلمنا كم هو حيوي الاستثمار المسبق بالردع، بالدفاع، بوسائل الامتصاص، ولا سيما بوسائل الانتعاش السريع. ان استثمار المقدرات سيكون جيدا ضد الوباء، وفي الوقت ذاته ايضا ضد التهديد الخارجي.

 عن «معاريف»