من المقرر أن يلقي الرئيس محمود عباس، كعادته التي جرت خلال السنوات القليلة الماضية، كلمة فلسطين، الدولة العضو المراقب في الأمم المتحدة، وذلك في الجمعية العامة للمنظمة الدولية يوم الثلاثين من أيلول / سبتمبر الجاري، لكنه لن يذهب مباشرة إلى نيويورك، بل هو غادر رام الله قبل أيام، حيث انه في طريقه للأمم المتحدة سيلتقي قادة عدد من الدول المركزية والمشاركة في قيادة العالم، في مقدمتها بالطبع الولايات المتحدة الأميركية، فرنسا وروسيا.
ربما كانت اللقاءات السياسية مع أهم قادة العالم السياسيين مهمة في الوضع الطبيعي، لكنها بالنظر للحالة الفلسطينية، حيث تحتاج فلسطين إلى دعم، بل والى إرادة دولية "لتحريرها" من الاحتلال الأجنبي، كذلك بالنظر إلى أن هذه اللقاءات تجري قبل أيام من كلمة الرئيس في الأمم المتحدة، تكتسب أهمية مضاعفة، فمن المرجح أن يطلع الرئيس البيت الأبيض، قصر الإليزيه، والكرملين على فحوى ما ينوي قوله، بل مطالبته في الأمم المتحدة، ورغم انه معروف أن ما يطلبه الفلسطينيون، في الجمعية العامة، عادة ما يمر، بل وينال أغلبية مطلقة وكاسحة، فان حاجة الرئيس " لموافقة " مسبقة من قادة الدول العظمى، لا يبدو هو السبب الرئيسي لهذه اللقاءات، والذي كان يمكن أن يكون كذلك، لو أن الحديث يجري عن مشروع قرار لمجلس الأمن، مثلا.
ما هو فحوى ما يشاع عن "قنبلة" سيلقيها الرئيس في الأمم المتحدة، ولماذا يذهب أبو مازن للقاء قادة الدول العظمى، قبل أن يلقي كلمته، وقبل أن يلقي بهذه القنبلة في المنظمة الدولية، هذا هو السؤال الذي يشغل بال جميع المتابعين، على الصعيدين الداخلي والخارجي.
قبل كل شيء، وفي محاولة الاقتراب من الإجابة، لا بد من العودة إلى الوراء قليلا، حيث كان الرئيس قد "قرر" أن يجمع المجلس الوطني الفلسطيني، وهو فضلا عن كونه أعلى سلطة شعبية، تشريعية، سياسية فلسطينية، تتمتع قراراته بالنفاذ وبإلزام الجهات التنفيذية، اللجنة التنفيذية ل "م ت ف" ولحكومة ورئاسة السلطة بالتنفيذ، على غير قرارات المجلس المركزي، مثلا والتي سبق وان اتخذت فيما يخص مراجعة "التنسيق الأمني" ومجمل الاتفاقات مع الجانب الإسرائيلي، أي اتفاقات أوسلو وباريس. وكان واضحا أن الرئيس عباس كان سيصر على الاستقالة من اللجنة التنفيذية خلال ذلك الاجتماع، وبالتالي، يفتح الباب لخروجه من مواقع المسؤولية، وإحداث تغيير في إستراتيجية الكفاح الفلسطيني والعلاقة مع إسرائيل.
ولم يعر الرئيس بالا لمطالبة جون كيري وزير الخارجية الأميركي الفاشل في إدارة ورعاية المفاوضات الفلسطينية / الإسرائيلية، بعدم عقد الاجتماع والتراجع عن الاستقالة، لكن الرئيس رضخ لإرادة سياسية، تمثلت في شبه إجماع للفصائل، بما في ذلك فتح، وبعد توسط، يبدو انه وصل إلى حد الاتفاق مع "حماس" و"الجهاد" على عقد دورة طبيعية للمجلس تحقق إنهاء الانقسام قبل نهاية العام .
من الواضح أن الرئيس يسعى إلى إحاطة قادة الدول العظمي بالتوجه العام للقيادة الفلسطينية في المرحلة القادمة، لمواجهة الجمود السياسي الذي يحيط بملف الاحتلال الإسرائيلي لأراضي دولة فلسطين، كما أنه، على الأغلب أراد أن يثير ملف القدس والإجراءات الاحتلالية الهادفة لتهويد الأماكن الإسلامية المقدسة، الخاصة بالمسجد الأقصى وقبة الصخرة، حتى " يفشل " تكتيكا إسرائيليا، أراد أن يشغل الفلسطينيين والعرب وربما الاهتمام الدولي بهذه المسألة، حتى "يمنع" الفلسطينيين من التقدم في الأمم المتحدة بمطلب خاص بإنهاء الاحتلال.
إضافة إلى توضيحات الدكتور نبيل شعث مسؤول ملف العلاقات الدولية في حركة فتح، حول فحوى "قنبلة" أبو مازن في الأمم المتحدة، اجمع المراقبون على أن مضمون هذه القنبلة هو إعلان فلسطين دولة محتلة في الأمم المتحدة، وبالتالي إنهاء صفة السلطة المؤقتة، وإجبار إسرائيل والعالم على التعامل مع مؤسسات السلطة القائمة على أنها مؤسسات دولة تحت الاحتلال، والشروع في التفاوض مع الدولة المحتلة للتوصل إلى كيفية إنهاء احتلالها.
وحيث انه سبق وان نالت فلسطين صفة الدولة العضو المراقب في الأمم المتحدة كدولة محتلة أراضيها، وحيث سبق وان نالت فلسطين عضوية العديد من المنظمات والمؤسسات التابعة للأمم المتحدة، ولم يتحقق شيء على الأرض باستثناء ما هو معنوي، وما هو "ثقافي" بتكريس مفهوم دولة فلسطين في الوعي العام الدولي، فأنه لابد أن يتم طرح التساؤل، الخاص بالاكتفاء بهذا الشكل والمستوى من الكفاح مع إسرائيل.
على أهمية الكفاح السياسي والدبلوماسي ضد إسرائيل على الصعيد الدولي، إلا انه ليس كافيا لكنس الاحتلال، حيث لابد من "مقاومة فلسطينية" على الأرض، وهنا بيت القصيد.
فمنذ عشر سنوات والجانب الفلسطيني _ بشقيه _ فاقد لزمام المبادرة السياسية، بما أهّل إسرائيل لاستمرار التحكم في مفاتيح الصراع بين الجانبين، فلا "مقاومة" حماس "العسكرية نجحت في كسر الحصار عن غزة، وفك قبضة التحكم الإسرائيلي الخارجي في مصيرها، ولا "مقاومة" فتح والسلطة السياسية / الدبلوماسية نجحت في انكماش أو انكفاء الاحتلال للقدس والضفة، ومع مرور الوقت انكمشت حماس في غزة، وتقوقعت فتح والسلطة في الضفة، فلا هذه قامت بكسر الحصار عن غزة، ولا تلك شاركت في إطلاق مقاومة شعبية في الضفة.
لذا تبقى الحالة تراوح مكانها وإسرائيل اليمينية المتطرفة تجد كل فترة وأخرى لنفسها الفرصة في شن هجوم إضافي على حالة فلسطينية منقسمة، مترهلة وضعيفة، حتى لو وصل الأمر للمحرمات في العرف السياسي، من مثيل تهويد المسجد الإسلامي، فيما لا خيار أمام الفلسطينيين إلا أن ينتفضوا انتفاضة مركبة هذه المرة، على أنفسهم وعلى عدوهم في آن معا، فيغيروا أدوات وحتى برنامج كفاحهم، ويحطموا أدوات اللعبة مع إسرائيل.