نتنياهو يدير حرب استنزاف ضد إسرائيل

حجم الخط

بقلم: اوريت لفي نسيئيل


يبدو التعبير الدارج، هذه الأيام، «استراتيجية الخروج»، خطة عمل مرتبة وجدية ستخرجنا من أزمة «كورونا».
اسمحوا لي أن أشك في ذلك. في ضوء التقارير حول الفوضى في ادارة الازمة لديّ تخوُّف شديد من أن يكون هذا مسار إفلات من حساب عسير على نتنياهو وحكومته أن يقدماه لمواطني إسرائيل في اليوم الذي ننزع فيه الكمامات، ويبدأ النقاش في السياسة اللااجتماعية بعيدة السنين.
يمكن لنا أن نقول منذ الآن إن أجهزة الصحة، الرفاه، والتعليم تدفع ثمناً على المفهوم المهووس الذي يتبناه نتنياهو منذ يوم انتخابه لرئاسة الوزراء.
والذي يقبع في مركزه الصراع ضد النووي الايراني، الذي يعد في نظره تهديدا وجوديا. على مذبحه تمت التضحية بمصالح اجتماعية، وأُنفقت مبالغ طائلة.
هذه حفرة مالية سوداء، بالوعة لا تعرف الشبع، ويجري ذلك بانعدام للشفافية (لاعتبارات أمنية). فنحن لن نعرف أبدا اذا كانت المساعي للاستعداد للتهديد الايراني متوازنة أم مبالغا فيها، واذا كانت مجدية أم لا. ولكن المال سكب كالماء. هكذا استُعبدت ميزانية الدولة لجهاز الأمن.
بهذه الطريقة أصبحت إسرائيل «جيشا توجد له دولة»، ولهذا فلا غرو أن وزير الدفاع يمتشق شعار «دعوا الجيش ينتصر» ضد «كورونا».
ويقبل مواطنو إسرائيل بطبيعية حقيقة أن الجيش يشكل جهاز إسناد لكل خلل. هذا خطأ. الجيش الإسرائيلي ليس كامل القدرة، وفي الدولة الديمقراطية ليس مرغوبا فيه ايضا ان يكون كذلك.
على الجيش أن يحمي مواطني الدولة من الاعداء، وليس من الفيروسات. ولكن في إسرائيل، اصبح جيش الشعب قوة إسناد زهيدة الثمن، متوفرة ومنضبطة، ومجندة لكل مهمة.
في الأزمة الحالية يغلف الجنود الرزم للعائلات الفقيرة، يعملون مرافقين لأبناء الطواقم الطبية، ويساعدون في القطف. هذا يبدو جميلا في الصور، ولكنه لا يغطي على التقصير الكبير، وعلى الجوانب المدنية الناقصة.
في مصيبة الكرمل تبين أن «أول من شخص الأمور» كان المسؤول عن تجفيف جهاز الإطفائية. وتكشف «أزمة» كورونا الاهمال الممنهج لجهاز الصحة والاغاثة. عشرات نزلاء دور العجزة دفعوا الثمن على ذلك من حياتهم منذ الآن.
لا يوجد ما يكفي من فحوصات، وتنقص الاسرة في المستشفيات وفي اجهزة التنفس. أما سباق المشتريات في أرجاء العالم، والذي انتهى بخيبة الأمل، فيعظم التقصير فقط. المواطنون في اغلبيتهم يستجيبون للتعليمات المتشددة، ليس لأن لهم ثقة في قيادة الدولة، بل لأنهم يفهمون بأنه حتى الطواقم الطبية المتفانية لا يمكنها أن تكافح الفيروس بايادٍ مكشوفة.
ولم نتحدث بعد عن جهاز التعليم الذي كف عن اداء مهامه. في إسرائيل يوجد أكثر من مليونين ونصف المليون طفل روضة، تلاميذ وطلاب. وعليهم جميعا يؤتمن وزير التعليم، رافي بيرتس. فهل سمع أحد ما منه شيئاً مؤخراً؟
في ولايته القصيرة وقبل ذلك تدرب جهاز الطوارئ كل سنة على التعليم عن بعد.
اما الان فيتبين كم هو غير ناجع، ضمن أمور أخرى؛ لأنه لا يوجد حاسوب لكل طفل (مشروع آخر سبق أن روج له اعلاميا ولكنه فارغ من المضمون منذ الولاية الاولى لنتنياهو).
لا يجري رئيس الوزراء المقابلات الصحافية، ولا يتطرق لقصوراته، بل يصف الوضع بتعابير تاريخية عظمى: بالنسبة له، منذ العصور الوسطى لم يكن تهديد مثل «كورونا»، ولم ينهض منقذ مثله.
تماما سيد غوزماي بداي، على اسم البطل المنقذ في قصة ليئا غولدبرغ. غير أن الواقع اقل اشراكا. عمليا، يدير نتنياهو هذه الايام حياة مزدوجة، مثلما جسدت صورته عشية ليل الفصح بصحبة ابنه: حكما واحدا للمواطنين المطالبين بأن يبقوا في الحجر وحكما آخر لنفسه. دعوة جماهيرية متعاطفة لحكومة طوارئ دون ألاعيب ودون مناورات، إلى جانب كفاح بقاء سياسي من شأنها أن تؤدي الى حملة انتخابات للمرة الرابعة.
ولمن لم يفهم بعد، فان الفزع الذي يزرعه نتنياهو أصبح تكتيكا يسمح له بتثبيت حكمه ودفن إخفاقه تحت الرادار الجماهيري.
في هذه النقطة الزمنية يبدو أن حرب الاستنزاف التي تديرها غرفة العمليات في بلفور ضد دولة إسرائيل تحقق أهدافها.
فقد تعب الجمهور من الانتخابات، ومن فيروس «كورونا»، ومن الحجر، ومن الأزمة الاقتصادية القاسية.
وهو بالاجمال يريد أن يستعيد حياته، ولم يعد يأبه إذا كان المتهم الجنائي سيتولى رئاسة الوزراء.
قد تنبس محكمة العدل العليا بشيء ما، وسيخرج قلة الى التظاهر مع أعلام سود، ولكن الأغلبية العظمى باتت ترفع العلم الأبيض منذ الآن.

عن «معاريف»