صفقة تبادل أسرى بين إسرائيل و"حماس" برعاية "كورونا"!

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



تتسرب التقارير عن استئناف المفاوضات بين إسرائيل و»حماس» حول مصير الأسرى والمفقودين الإسرائيليين في قطاع غزة، شيئاً فشيئاً. فقد غيّر تفشي فيروس كورونا أولويات سلطة «حماس» في القطاع، التي تحتاج الآن الى مساعدة إسرائيلية ودولية من أجل مواجهة تفشٍ محتمل للوباء في القطاع.
أعلن رئيس «حماس»، يحيى السنوار، قبل اسبوعين تقريبا عن رغبته في إعادة تحريك الاتصالات. وفي الوقت ذاته هدّد بتصعيد عسكري اذا لم تساعد إسرائيل القطاع في مكافحة فيروس كورونا.
منذ ذلك الحين، بالأساس في الصحف العربية، تنشر أخبار عن التطورات المتخيلة في المفاوضات: مطالبة فلسطينية بإطلاق سراح عدد كبير من السجناء مقابل معلومات عن وضع الإسرائيليين ابرا منغيستو وهشام السيد؛ ومشاركة وسطاء من المانيا ومصر في محادثات غير مباشرة؛ وحتى ادعاء أوساط فلسطينية بأن المرحلة الاولى في الصفقة ستشمل نقل أجهزة تنفس من إسرائيل الى القطاع.
أحدث «كورونا» حقا تغييراً اساسياً في الوضع. منذ عملية «الجرف الصامد» في العام 2014 والتي في اعقابها احتجزت «حماس» جثتي جنديين إسرائيليين، الملازم هدار غولدن والرقيب اورن شاؤول، فان «حماس» تتمتع بميزة معينة اكثر من إسرائيل في الاتصالات.
تمتلك «حماس» «اشياء ثمينة» تريد إسرائيل جدا الحصول عليها، ولكنها لم توافق على دفع الثمن المطلوب.
لم تسارع «حماس» إلى إغلاق الصفقة، لأنها افترضت أن إسرائيل ستوافق في النهاية.
إن فحص صفقات تبادل الاسرى في السابق تخبرنا بأنه في معظمها، اذا لم يكن فيها جميعها، أن الصفقة التي تم التوصل اليها في النهاية كانت اقرب الى الثمن الذي طلبه الطرف الآخر.
حسب تقارير مختلفة، فإنه في الوضع الحالي كانت المفاوضات عالقة لفترة طويلة بسبب شرط اساسي وضعته «حماس»، وهو اطلاق سراح سجناء فلسطينيين من الضفة الغربية قامت إسرائيل باطلاق سراحهم في صفقة شاليت في العام 2011 وأعادت اعتقالهم بعد اختطاف الفتيان الثلاثة في غوش عصيون في العام 2014 بذريعة أنهم خرقوا شروط إطلاق سراحهم في الصفقة.
هذه المرة تغيرت الظروف. جلبت «كورونا» معها في هذه الحالة أيضا فرصة. والسؤال هو هل ستعمل إسرائيل بالحكمة المطلوبة من أجل أن تصل الى نهاية ناجحة للقضية. «حماس»، كما هو واضح لكل من لهم علاقة، لا تستطيع مواجهة تفشي كبير لـ «كورونا» بنفسها. وحتى الآن تم تشخيص 13 مصابا في القطاع، 9 منهم تعافوا. السكان في القطاع هم شباب جدا، 3 في المئة فقط من عدد السكان هم فوق جيل 65 سنة.
في المقابل، الاكتظاظ الكبير للسكان يمكن أن يشكل ارضاً خصبة لتفشّ سريع. وفي القطاع يوجد فقط بضع عشرات من أجهزة التنفس الشاغرة. في الأسابيع الاخيرة قامت إسرائيل بتدريب أطباء من القطاع، ونقلت الى السلطات هناك أدوات لفحص «كورونا» ومعدات وقاية ومواد تعقيم.
يمكن أن تحتاج «حماس» الى أكثر بكثير من ذلك. وإسرائيل هي الدولة الاساسية التي يمكنها مساعدتها بصورة فعالة، وبهذا سيتم منع كارثة.
إمكانيات مصر محدودة جداً. دول الخليج، وعلى رأسها قطر، صحيح أنها تساعد غزة، لكن يوجد لها الآن قائمة التزامات طويلة.
يمكننا أن نشخص ثلاثة عوامل أساسية في إستراتيجية المفاوضات الحالية لـ»حماس»: تقسيم الاتصالات الى عدة قضايا فرعية، التعتيم على ما يوجد لديها، والحفاظ على الوقت وإبقاء الافضلية لديها.
حتى الآن أصرت «حماس» حسب التقارير على الفصل بين هذه المجالات. رفضت «حماس» ربط موضوع الاسرى والمفقودين بالترتيبات الأمنية أو المدنية أو الإنسانية. وبهذا نجحت في مراكمة الحد الاقصى من الانجازات في مجالات أخرى دون دفع أي ثمن في المفاوضات حول الأسرى.
الآن ترد تقارير تفيد بأن «حماس» تقوم بفصل آخر لمسائل فرعية: إسرائيل عليها الدفع مقابل المعلومات عن المدنيين، أو أن تدفع بصورة منفردة مقابل المدنيين، ومقابل جثث الجنود، الذين تريد «حماس» التفاوض بشأنهم في مرحلة لاحقة.
هدف خطوة «حماس» هو الوصول الى إنجاز في الطريق الى الصفقة، مع الحفاظ على كل الأوراق في أيديها. الاستراتيجية الإسرائيلية الفعالة في هذه الحالة ستكون الصمود. التغيير في علاقات القوة الآن هو دراماتيكي: «حماس» أضعف؛ لأنها محتاجة اكثر من إسرائيل الى الثمار الحقيقية للصفقة. لا يدور الحديث عن سجناء كبار في السن أو عن سجينات، سيعتبر اطلاق سراحهم انجازا انسانيا، بل فتح الباب لمساعدة إسرائيلية واسعة في مكافحة كورونا. يبدو أن المقاربة المطلوبة ستكون رفض التقسيم والتصميم على صفقة شاملة: مدنيون وجنود يتم إعادتهم جميعاً إلى بيوتهم.
حتى الآن تقوم «حماس» بشكل متعمد بالتعتيم على طبيعة «الاشياء الثمينة» الموجودة في أيديها – مَن من بين الاسرى على قيد الحياة ومن لا.
نشرت «حماس» معلومات غير صحيحة؛ فقد قالت إن الجنود على قيد الحياة، رغم أن إسرائيل تعرف بصورة مؤكدة أنهما ليسا على قيد الحياة.
يمكن التقدير بأن هذا النمط سيستمر. ستواصل «حماس» التعتيم والتضليل. في الاسبوع الماضي طرحت ادعاءات كاذبة تقول إن الجنود على قيد الحياة.
الدولة (إسرائيل) ستحتاج الى الحفاظ على شفافية إزاء عائلات الجنود والمدنيين بخصوص المعلومات التي توجد لديها وموقفها في المفاوضات.
هكذا، يبدو أنه من الافضل ومن الممكن عدم دفع أي ثمن مقابل معلومات عن مصير الاسرى والمفقودين. مصير جنديين إسرائيليين قتلى تقرر وأُعلن عنه من قبل الجيش بعد اجراء عملية تشخيص تم فيها فحص كل المعلومات التي توجد لديه. ومن مجرد اشارات «حماس» عن صفقة بمراحل - اعطاء معلومات، وفقط بعد ذلك اطلاق سراح – من الأرجح أن المواطنين هما حقا على قيد الحياة.
افترضت «حماس» حتى الآن أن الوقت لصالحها، وهكذا ايضا الميزة الافتراضية. فقد بثت أنها لن تسارع الى عقد الصفقة.
وعلاوة على ذلك، لأن مصير سجناء «حماس» معروف، ولأنه يتم احتجازهم في إسرائيل حسب قواعد القانون الدولي، فان استمرار وجودهم في السجن ليس أمرا فظيعا جدا من ناحيتها.
إسرائيل في المقابل خافت من قضية رون أراد أخرى، بأربعة اضعاف، حيث لا توجد معلومات في أيديها، وهناك خوف من فقدان الاتصال مع الاسرى والمفقودين.
الآن الوضع أصبح معكوسا. فرضية إسرائيل هي استمرار الوضع القائم. وفرضية «حماس» هي امتناع إسرائيل عن تقديم مساعدة كبيرة في أزمة كورونا بصورة يمكن أن تؤدي الى تفشي الوباء في القطاع الى درجة تعريض استقرار نظام حكمها للخطر.
بالضبط هذه الظروف تسمح لإسرائيل بأن تطالب بصفقة شاملة: إعادة المدنيين وجثث الجنود، الآن وليس على مراحل، مقابل ثمن معقول يتمثل باطلاق سراح سجناء. في هذه الظروف يبدو أن إسرائيل تستطيع أن تصمم على موضوع آخر؛ مفاوضات مباشرة دون الحاجة الى وسطاء كثيرين، والتطلع الى ثمن يكون اقل بكثير من الثمن الذي تم دفعه في صفقة شاليت. وبهذا يعاد تصفير الشريط لإجراء مفاوضات مشابهة في المستقبل إزاء الثمن الباهظ الذي دفع في الصفقة في العام 2011.
بصورة غير متوقعة تماما، خلقت أزمة «كورونا» لإسرائيل فرصة لحل قضية الأسرى والمفقودين في قطاع غزة، ولكن يجب عليها فعل ذلك بثمن معقول يفيدها أيضا بنظرة الى المستقبل. إطلاق سراح عشرات السجناء مقابل معلومات فقط أو إعادة المدنيين دون إغلاق الملف الغزي وإعادة جثث الجنود ليست الطريقة الصحيحة لذلك.

عن «هآرتس»