قناع الشجاعة

صلاح هنية.jpg
حجم الخط

بقلم: صلاح هنية

يرتدي معظم الناس، هذه الأيام، قناع الشجاعة في ظل طوارئ كوفيد19 ظناً منهم انهم يواجهون حصاراً احتلالياً أو اجتياحاً احتلالياً، ويظنون أن استحضار نماذج قديمة كانت تعتبر شجاعة وإقداماً إبان حصار القائد المؤسس ياسر عرفات من عيار قرع الطناجر والتوجه صوب المقاطعة، وهم اليوم يلبسون قناع الشجاعة يكررون ولا يبدعون بحيث نواجه كوفيد19 بالطبل والزمر، والخروج الى الشوارع بالسيارات كاملة الركاب والأطفال على الحجر خلف المقود، ونكرر تجربة إلقاء الورود على مراكز الحجر أو نتجمع أمامها!!!
هذه الأقنعة لا تنفع بالمطلق، ونحن مازلنا في عدد من المحافظات ندرس كيفية التخلص من النفايات الطبية التي زادت مع مراكز الحجر والفحص والفرز. وعندما نتحدث عن الموضوع نتحدث عن مكب نفايات توقف عن العمل منذ أربعة أعوام مضت، ولا نقيم وزناً لتجربة بلديات ابدعت في هذا المجال، وبالأمس صار لدينا جهاز لفحص الكورونا بدلا من نقلها الى رام الله، وبالأمس باتت الإصابات تتكرر لدى بعض المتعافين، وبالأمس اكتشفنا ان الحجر لمدة أربعة عشر يوماً لم يعد كافياً في بعض الحالات، وهناك حالات حجرت نفسها ولم تخالط وبعدها تبين انها مصابة.
اليوم بات ملحاً أن نلغي كل رسائل التوعية السابقة ونحدثها بحيث نهز الوعي اكثر، بحيث تحمل قليلاً من الترهيب وليس الرجاء ان ابقوا في البيوت ونحن معكم وبس، حتى يشعر الذين يستعرضون شجاعتهم أن الأمر ليس كذلك بل نحن في وباء "جائحة" مصيبة كارثة اقلها ستودي بحياة 2% من السكان لا قدر الله.
الشجاعة ان نكف عن استخدام قصص على أساس انها معلومات تخدم مصالحنا ولا علاقة لها بالوباء، ولا داعي أن نصر أن ارقام سلطة النقد الفلسطينية ليست دقيقة بخصوص الشيكات المرتجعة، بدلاً من أن نراجع ما هي نسبة الشيكات المرتجعة من كبار التجار وتحريرهم لشيكات طويلة الأجل أكثر من عام هم ذاتهم، والشيكات التي لم تصرف تشكل 5% للظروف الطارئة، وما تبقى هي لتجار يعملون ومروجين يبيعون.
ليس من الشجاعة بشيء ان ننظم حفلة لنسكب 400 لتر حليب خام في قنوات الصرف الصحي ونحن لا نتباعد عن بعضنا البعض ونقول لدينا فائض بالأطنان لنكبر الموضوع أكثر، وللأسف لا نتجرأ الا على مصنع الالبان التابع لصندوق الزكاة الذي أعيد تأهيله وتشغيله مجدداً.
ان إساءة استخدام "لن يبيت في فلسطين جائع" وظهور لقطات مصورة تستخف بالموضوع واضح انها موجهة لأغراض أجهلها "منهم من يزرع الشواكل الورقية وقال ها هي لم تنبت زيادة" "ومنهم من بكى محصوله الزراعي وحوله من يمتلكون صلاحية التواصل لاصدار تصريح لتسويقها"، لكن الذين يتعففون لا يظهرون بهذا المظهر مطلقاً. وقلنا من البداية لا يعقل ان تقوم كل اللجان بتوزيع مواد غذائية لأن حاجات الناس واولوياتهم لا نحددها نحن بل أصحابها، بالتالي يجب ان تكون المرجعية قاعدة بيانات وزارة التنمية الاجتماعية والتشاور في أولويات ماذا نقدم وليس الفرض، بحيث يصبح لديهم ارز وطحين تنتهي صلاحياته ولا ينفعهم.
وهذا لا يغيّب حقنا بالمساءلة بالمطلق عن عدالة توزيع التنمية في الوطن، وعدالة توزيع المنشآت الصحية، وعدالة توزيع مشاريع البنية التحتية، من حقنا ان نتساءل لماذا تركنا كفر عقب وقلنديا وراس خميس تتوسع بهذا الشكل غير المنظم ونحن نعلم انها ستسلم لنا كما هي اليوم، لماذا تركنا كثافة سكانية دون خدمات طبية، وها هي اليوم تبحث عن سيارتي إسعاف لستة عشر تجمعاً سكانياً ومركز طبي مناسب.
ونصر انه من حق الجميع ان يعيش بكرامة ولا يحوز ان يحرم أي انسان فلسطيني. ولكن هذا الأمر يجب ان يكون ضمن سياسات واضحة وليس ضمن قضايا العطايا البيضاء وموائد الرحمن، بل يجب ان تكون ضمن استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية والانحياز للأكثر فقراً والمتعطلين الجدد.
واضح ان قناع الشجاعة سقط عند اول اختبار ولم يبق في الميدان الا الطواقم الطبية والأجهزة الأمنية وعمال النظافة والمساندون، لكل هؤلاء مبرر والأمر ليس استعراضاً، وكل مستعرض لن يكون له متسع.