اصغوا جيداً للسنوار عندما يقتبس تشبيه النسور من سفر يحزقيل!

حجم الخط

بقلم: رونيت مرزان



منذ انتخابه رئيساً لـ"حماس" في غزة، يواجه يحيى السنوار تحديات وطنية وسياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية معقدة، تهدد بالمس بأحد مصادر القوة الرئيسية له ولـ"حماس" – التأييد الشعبي. فيروس كورونا وضعه ووضع "حماس" في مواجهة مع عدو من نوع جديد، يمكنه أيضا أن يقوض حكمهما. يعرف السنوار أنه في هذه المرة فإن مفتاح الحفاظ على حكم "حماس" في القطاع يوجد ليس فقط في أيدي الوزارات الحكومية أو كتائب عز الدين القسام، بل بالأساس في أيدي كل شخص من سكان غزة. وأنه يكفي مصاب واحد من أجل أن يصاب بالعدوى مخيم كامل للاجئين وبعد ذلك جميع القطاع.
في خطوة استثنائية، للمرة الأولى، جلس السنوار في الثاني من الشهر الجاري أمام العدسات في استوديو قناة "الاقصى" الناطقة بلسان "حماس" في حوار مفتوح مع الجمهور الفلسطيني. في اللقاء أجاب عن أسئلة أرسلها إليه الجمهور في الشبكات الاجتماعية والـ"واتس أب". بوساطة التطمين من وباء "كورونا" وتبني خطاب العائلة وحقوق الانسان، أمل في اقناع الجمهور الفلسطيني بتجديد الثقة بـ"حماس". لقد اعتقد أنه بذلك ستحظى المنظمة بالعفو من الجمهور؛ لأنها حولت الكثير من الشباب في غزة الى جيل يسير على العكازات، وأرسلتهم للمشاركة في مسيرات العودة العنيفة، وكانت قاسية مع الكثيرين؛ لأنهم تجرؤوا على الاحتجاج على ظروف الحياة السيئة في القطاع.
توجه السنوار الى السكان في غزة مثلما يتوجه الى أبناء عائلته ("أبناء عائلتي"، أبناء بلادي" و"ناسي"). واعترف بشكل صريح بالفوضى والحرج اللذين ميزا الأيام الاولى من مواجهة "كورونا". وأشركهم في الاعتبارات التي توجه إرسال أشخاص الى الحجر المنزلي أو في المدارس أو في الفنادق أو في منشآت خاصة، ووصف أمامهم التضحية الشخصية للطواقم الطبية ورجال الأمن، الذين يقفون في خط الدفاع الاول والذين لم يشاهدوا أبناء عائلاتهم منذ فترة طويلة. وطلب منهم الحرص على الوقاية واستخدام الكوفية، أحدى رموز النضال الوطني، بديلاً عن الكمامة الطبية. وشرح لهم المنطق الوطني والانساني والديني الذي يقف من وراء السماح بخروج مرضى السرطان من أجل تلقي العلاج في مصر، رغم الخطر الذي يكتنف ذلك. وطلب من المشاهدين التخلي لفترة معينة عن العادات والتقاليد التي ترتبط بالاحتكاك الجسدي، وتحدّث بتوسع عن الخطوات الاقتصادية والطبية المتبعة من أجل تخفيف معاناة السكان.
في موازاة ذلك، طلب من رجال الدين أن ينشروا في أقرب وقت فتاوى تحدد قواعد سلوك خاصة في شهر رمضان وعيد الفطر وموسم الحج من اجل منع الزيارات العائلية والتجمعات في المساجد. تحدث السنوار كثيراً عن المسؤولية الوطنية، لكنه في هذه المقابلة اختار عدم الربط بين المسؤولية الوطنية وبين التضحية بالنفس، بل على العكس، فقد طلب من سكان القطاع الحفاظ على حياتهم من أجل منع انهيار "حصن الصمود" والمس بالأمن الوطني من أجل مستقبل مشروع التحرير والعودة.
ما لم تنجح في فعله منظمات المجتمع المدني في آذار 2018 عندما اقترحت على "حماس" وعلى الفصائل الاخرى تبني المقاومة الشعبية غير العنيفة والعمل لصالح السكان في غزة، فعله وباء "كورونا". يدرك السنوار، الآن، أكثر مما كان في السابق بأنه يجب الإصغاء والتعامل برفق مع نشطاء الشبكات الاجتماعية، وهو يوضح لهم بأنهم عنصر رئيسي في تشكيل وصياغة قرارات قيادة "حماس" والحكومة. حتى أنه أبلغهم بأنه من الآن فصاعدا، فإن اعتقال نشطاء الشبكة سيتم فقط بأمر من قائد قوات الأمن وممثل وزارة الداخلية، من أجل الحفاظ على حرية التعبير ومنع السلوك العنيف من قبل الأجهزة الأمنية.
السنوار ومحمد ضيف أيضا يدركان بأن الواقع الجديد في ظل وباء "كورونا" يوجب على كتائب عز الدين القسام أن تضع نفسها في خدمة مهمات مدنية مثل بناء ألف غرفة حجر للمصابين بـ"كورونا" والقيام بزيارات لبيوت الاشخاص الذين يوجدون في الحجر من أجل التأكد من أنه لا يوجد لديهم أي اعراض للمرض. وباء "كورونا" هو، اذاً، إشارة تحذير للسنوار وحركة "حماس". فقد أوضح لهم بأن هناك عدواً قاتلاً أكثر من إسرائيل، واذا بقوا على قيد الحياة بعده فسيكون لزاما عليهم ادخال تعديلات بعيدة المدى في رؤيتهم للصراع مع إسرائيل، بما في ذلك تحويل جزء كبير من موارد القوة العسكرية لصالح القوة المدنية والتقدم نحو تسوية سياسية بعيدة المدى مع إسرائيل.
ولكن من أجل حدوث ذلك يجب على القيادة الإسرائيلية التوقف عن الخطاب المتغطرس والمهين تجاه قيادة "حماس" في غزة. من المحظور المس بالصورة الوطنية للسنوار. لا يمكن عرضه كآخر الزعران، الذي يأخذ الأتاوة من قطر وإسرائيل مقابل ضبط عسكري للنفس وتنازل عن المبادئ القومية، وعلى رأسها موضوع السجناء. كما أنه برفضه إطلاق سراح الاسرى الإسرائيليين فإنه يمنع دخول العلاج من إسرائيل الى غزة، وأن نتوقع منه عدم تهديد إسرائيل أو مهاجمة زعمائها. السنوار، الذي قضى في السجون الإسرائيلية اكثر من عشرين سنة، وقام بقتل متعاونين مع إسرائيل بيديه، لن يسمح لأي سياسي في إسرائيل بعرضه كخائن، لا سيما في الوقت الذي تتعاظم فيه أزمة الثقة بين "حماس" والسكان في غزة بسرعة. لذلك، نجد السنوار يرد بغضب ويحذر بأنه اذا جاع الناس في غزة أو ماتوا بسبب عدم وجود اجهزة التنفس، عندها فإن 6 ملايين مستوطن إسرائيلي لن يتمكنوا من التنفس، وإن إسرائيل ستضطر الى دفع "الأتاوة".
مع ذلك، يرسل السنوار أيضا وزير الدفاع الإسرائيلي لكي يقرأ الفصل الـ 17 من سفر يحزقيل من أجل تذكيره بما ينتظر إسرائيل إذا استمرت في إدارة ظهرها للفلسطينيين. وحسب المثال الوارد في هذا الفصل فإن نسرا كبيرا زرع كرمة وتعهدها، ثم خانته لصالح نسر آخر. ولكن هذه الكرمة عوقبت وجفّت. المشبه: ملك بابل الذي عيّن صدقياهو ونشر عليه حمايته، تمت خيانته من قبله لصالح فرعون، ملك مصر. وأدت عملية الخيانة هذه الى خراب الهيكل الأول.
يبدو أن السنوار اختار مثال النسور من أجل أن يرمز إلى القيادة في إسرائيل بأنه يجدر بها البدء في احترام الاتفاقات التي وقعتها مع الفلسطينيين (حيث إن النسر هو شعارهم الرسمي)، والتوقف عن الركض نحو مصر (التي شعارها الرسمي هو النسر أيضا) من أجل طلب المساعدة في إطفاء الحرائق التي تشتعل بين حين وآخر بين إسرائيل والفلسطينيين. يقدر السنوار أن قطر ومصر يمكنهما التضحية به ذات يوم، ووضع زعيم مريح أكثر بدلاً منه. وعن طريق مثال النسور هو يعطي إشارات لإسرائيل بأنه يمكن التنازل عن وساطة مصر وقطر والبدء في إجراء اتصالات مباشرة من أجل تبادل الأسرى والسجناء، وبعد ذلك ربما التوصل الى رفع الحصار عن غزة.

عن "هآرتس"