بقلم: عاموس هرئيل
صباح أول من أمس، للمرة الأولى منذ شهر، سجلت اختناقات مرورية في شارع أيلون في الطريق إلى تل أبيب. رجال الشرطة، الذين واصلوا الوقوف في الحواجز في عدد من شوارع البلاد، ظهروا عاجزين قليلاً. صوّت الإسرائيليون بالأرجل: فعلياً انتهى الإغلاق، وانتقلت الدولة الى مرحلة جديدة في مكافحة «كورونا». خطاب بنيامين نتنياهو وجلسة الحكومة الليلية، التي جاءت في أعقابه، أشارا الى اجتياز العقبة الكأداء. هناك وزراء وموظفون ربما بدا لهم أنهم يسيطرون على الوضع عبر بيانات وتعليمات. فعلياً، الجمهور موجود عميقاً في اليوم التالي، يفكر باستراتيجية الخروج من الأزمة.
الفيروس حاضر في حياتنا، وسيبقى في الخلفية، كما يبدو، لفترة طويلة. ولكن منذ اللحظة التي أعلن فيها عن تسهيلات كبيرة في الإغلاق رداً على توقعات المواطنين، من المشكوك فيه أن يكون لدينا هنا طريق للعودة. تجري الأمور بسرعة، وقد سُمع البث التلفزيوني، أول من أمس، فجأة وكأنه يتم تحريره على أيدي البروفيسور يورام ليس. الثمن اليومي للوباء، ممثلاً بحياة الناس، تم وضعه جانباً. تحدث الناس عنه كما يتحدثون عن وفيات يومية اخرى، بسبب مرض السرطان أو غيره. وبدلاً منه يتم إظهار الأضرار الاقتصادية التي ترتفع بصورة كبيرة، والتي يتسبب بها «كورونا».
يجري هنا تغيير نفسي كبير، يذكر قليلاً بالإعلان عن وقف إطلاق النار في نهاية عملية عسكرية. ما زالت الحكومة تقول للمواطن بأنه يجب عليه الحذر، وربما ستكون هناك قيود وتشديدات. ولكنه أصبح مستعداً لأيام السلام.
الفرق عن الحرب هو بالطبع أن «كورونا» عدو لا يمكن ردعه أو تخويفه. في إسرائيل يجري الخروج من الإغلاق في موازاة عدد من الدول الأوروبية التي كانت فيها إصابة الفيروس محدودة مثل ألمانيا والنمسا والدول الاسكندنافية. تجري عملية التغيير من خلال قيود. ستستمر وسائل كبح كالحفاظ على مسافة والكمامات. يمكننا الأمل بأن معظم السكان سيمتثلون للتعليمات.
كل ذلك مرتبط بصعوبات كثيرة وبأخذ مخاطرة واضحة. مجموعتان كبيرتان من السكان بقيتا تكافحان وحدهما، في حين أن الدولة لا توفر لها أي حلول مناسبة. أبناء الـ 67 فما فوق مطلوب منهم البقاء في البيوت، وتتم توصيتهم بالامتناع عن الالتقاء مع الآخرين دون أي موعد نهائي أو رزمة مساعدة مناسبة. الأشخاص الأكثر شبابا ذوو الأمراض المزمنة يجب عليهم أن يقرروا هل يقومون بالمخاطرة: هل يخرجون مع المعرفة أنه يمكن أن يصابوا وأن «يتضرروا بصورة شديدة» أم يتحصنون في البيوت وربما يفقدون أماكن عملهم؟
انتهت مرحلة الصد
«انتهت مرحلة الصد في الصراع ضد الفيروس بنجاح نسبي»، قال، أول من أمس، للصحيفة شخص يشغل وظيفة رئيسية في تركيز وتحليل المعلومات عن «كورونا». «السؤال هو كيف يمكن الانتقال من هنا الى الحياة الطبيعية مع احتمالية تفشي جديد للمرض بالحد الأدنى». في عدد من دول شرق آسيا، التي كانت أول من واجهت «كورونا»، وعدد منها يبدو أنها خرجت من الأزمة، حدثت في الأسبوعين الأخيرين زيادة في عدد الإصابات نتيجة مسافرين جاؤوا من الخارج.
في الأسبوعين القادمين، لن تكون العدوى والوفيات كما يبدو مرتفعة بشكل خاص. هذا سيكون نتيجة للإغلاق في الأسابيع الأخيرة. هذا ما يقوله البروفيسور ليس ومن يؤيدونه. «لولا أننا اتبعنا هذه السياسة لكان لدينا اغراق للمستشفيات، وكنا سنتكبد مئات الوفيات. أخشى من أنه اذا كانت المعطيات منخفضة لأسبوعين آخرين، فانه سيتطور ضغط جماهيري كبير من أجل رفع باقي القيود. وبالذات حينها يمكن أن نفقد السيطرة ونكتشف بعد ذلك بأن الفيروس انتشر مرة أخرى».
في هذه النقطة يعاني الاستعداد الإسرائيلي من النقص. تجاوزت نسبة الفحوصات اليومية الـ 10 آلاف، لكن التقدير الآن هو أنه سيمر اكثر من شهر الى حين تتم مضاعفة الوتيرة الى 20 ألفا. سلسلة الفحوصات تمثل نقطة ضعف أخرى. «من السعال الأول للمريض الجديد وحتى عزله يمر وقت طويل جدا. إذا مر أسبوعان فانه سيكون أصاب بالعدوى محيطه وربما مرة أخرى سنضطر الى فرض الإغلاق على المدينة».
«نظامنا غير ناجع بما فيه الكفاية. إذا لم نتحسن بسرعة بعد تخفيف الإغلاق فبعد شهر ونصف يمكن أن نعود الى نقطة البداية. وأنا غير متأكد من أن الجمهور سيتحمل مرة اخرى القيود». واليوم يعترف بأن وتيرة تحليل الفحوصات يجب أن تتحرك حول أسبوع. «في كوريا الجنوبية، العثور على سلسلة العدوى ينتهي خلال 36 ساعة. عنق الزجاجة لدينا مكون من مجموعة من المشكلات الصغيرة. هذه سلسلة إصلاحات وتغييرات ما زال يتوجب القيام بها».
جزء من المشكلة يكمن في سياسة الفحوصات. «الأهم هو أن نفحص بسرعة الأماكن التي حدث فيها تفشّ جديد. السؤال هو أين تضغط من أجل إجراء فحص آخر، في بني براك التي اصبح معروفا أنها أصيبت بالمرض أم في بلدة جديدة يوجد فيها مؤشر لإصابة واسعة؟ أحياناً يكفي أن يكون هناك رئيس بلدية قوي يضغط على نجمة داود الحمراء حتى تحصل بلدته على فحص مسبق، ليس حسب سلم الأولويات الوطني».
الاستعداد للاستماع
جرت عملية اتخاذ القرارات بشأن التسهيلات في الإغلاق كمهزلة معروفة من البداية. ألقى نتنياهو خطابه، وأعلن عن التسهيلات حتى قبل انعقاد جلسة الحكومة الهاتفية. ونشرت وزارة الصحة هذه التسهيلات في مجموعة منظمة في قناة تلغرام الخاصة بها، وبعد ذلك سارعت الى شطبها. فقط بعد ذلك فتح النقاش الصاخب للوزراء، الذي تضمن نقاشات حماسية حول البنود الرئيسية والبنود الثانوية.
خلال الليل تسربت لوسائل الإعلام تفاصيل التفاصيل عن الخلافات، بما في ذلك صور من مجموعات الواتس آب للوزراء. عندما نشرت التعليمات، أخيراً، في ساعات الصباح، كان يصعب أن تجد فيها منطقاً كبيراً. يصعب أن تحسد شرطياً يطلب منه أن يقرر هل المواطنة خرجت من أجل التنفيس عن نفسها في دائرة المئة متر عن البيت (هذا مسموح) وأن تركض مسافة 600 متر (هذا ممنوع، المسموح فقط 500) أو أن تشتري من البقالة البعيدة مسافة 3 كم (مسموح، لكن هذا يرتبط بالبقالة).
وقد أضيفت الى هذا الإحباط تجربة اليوم الاول للتعليم الموجه (عبر الإنترنت) بعد عطلة عيد الفصح. هناك آباء اشتكوا من زيادة الواجبات للأطفال وصعوبة في الوفاء بها، حيث لا يوجد في كل بيت ما يكفي من الحواسيب والبنية التحتية للإنترنت. وقد سارعت وزارة التعليم الى التراجع، وأعلنت بأن جدول الأعمال المكتظ هو مجرد توصية فقط.
الفوضى المتوقعة في التعليمات تعكس الصعوبات في إدارة أزمة وطنية واسعة جدا. مكافحة «كورونا» هي معركة بكل المعايير. صباح أول من أمس استيقظنا على مرحلة جديدة، لكننا لم نحصل على إجابات واضحة: ما هي أهداف المعركة الشاملة؟ هل الهدف هو هزيمة الفيروس والعودة الى الوضع الذي كان سائدا قبل الوباء؟ هل النية هي العيش في ظل وجود «كورونا»؟ وما هي المؤشرات للوصول الى إنجاز؟ ما هي المراحل القادمة؟ ما هي المؤشرات للانتقال بين المراحل المختلفة؟
باستثناء تهديد ضبابي يقول إننا لن نحصل على تحلية اذا لم نكن أطفالاً جيدين، لم نسمع في خطابات نتنياهو ومديري الوزارات كيف ستتخذ قرارات بشأن خطوات تسهيل أو تشديد. لم نفهم تماماً هل سيواصلون المقاربة الكاسحة، القطرية، أو التمايزية، حسب مناطق تفشي الفيروس، أعمار المواطنين، والمجموعات المعرضة للخطر. ليس واضحاً أيضا من يدير جمع البيانات، ومن يعد أعمال الهيئة قبيل قرارات الحكومة. يصعب أن نفهم هل كُرّس لتحفظات ولملاحظات الجهات المختلفة وقت في نقاشات الوزراء. وليس معروفا من يدير هذه العملية، بعد أن اتخذت القرارات.
في مكافحة «كورونا» تتحمل العبء مجموعتان رئيسيتان: الطواقم الطبية التي تعالج المرضى وتخاطر بالإصابة بالمرض هي نفسها، والجمهور الواسع الذي يوجد لسلوكه تأثير حاسم على النتائج. تجنيد الجمهور للصراع يقتضي شفافية، وتعليمات واضحة، تعطى في موعدها، وتهدئة المخاوف وتخفيفها.
إن طقساً بصيغة «استعداد للاستماع»، الذي يخبر فيه نتنياهو ما سيقرر في الحكومة، وبعد ذلك تجري نقاشات ماراثونية، يخلق بلبلة ويضعف ثقة المواطنين بالدولة.
في هذه الأثناء، كما يبدو، يبني رئيس الحكومة ووزارة الصحة على خوف الجمهور وعلى سلوكه المسؤول. كلما مر الوقت يمكن أن يحدث هبوط في إصغاء المواطنين. وهذا بدوره يمكن، كما قلنا، أن ينتج عنه قيود قاسية جديدة ستواجه بمرارة ومعارضة. لا تستطيع الحكومة أن تعمل لفترة طويلة مع المواطنين ضمن صيغة «أوامر. حوّل». تزداد المشكلة شدة إزاء الإصرار على إعطاء البيانات للجمهور بصورة أحادية الجانب دون أن يتم فتح خطابات نتنياهو لأسئلة المراسلين. لفترة طويلة، الإنجازات التي تم تحقيقها إزاء «كورونا» من شأنها أن تتقلص، وليس فقط بسبب النقص في عدد الفحوصات.
عن «هآرتس»