الفيروسات، وفقاً للمعرفة العامة، لا يمكن مقاومتها أو معالجة المصابين بها بالمضادات الحيوية التي تعالج البكتيريا. حتى الآن لا يوجد علاج مقاوم للفيروس، ومقاومته متروكة، لأجهزة المناعة المتفاوتة لدى البشر.
هذه حقيقة تثير تساؤلاً أساسياً حول غياب قدرة البشرية التي تخترع الكثير من أسلحة الدمار ولا تخصص البحث والتمويل الكافي لمكافحة الفيروسات، بداية بالأنفلونزا.
فيروس كورونا المستجد أو كوفيد 19 هو بالضبط ما يستدل من اسمه "مستجد". هذا يعني أنه كان هناك "كورونا" قبل هذا، لكن هذا الفيروس جيل جديد. وهو كما اتضح أكثر فتكاً بكثير وأقدر على الانتشار السريع بين البشر.
كوفيد يمثل الحروف الأولى لاسمه باللغة الإنجليزية: مرض كورونا فيروس، و19 تشير إلى بداية ظهور الفيروس في نهاية العام 2019.
استغرق الأمر بعض الوقت لكي تقوم الدولة الموبوءة الأولى بتشخيص الفيروس ووضع استراتيجيات مقاومته.
في البداية كان الاعتقاد أن هناك فيروسات تسبب التهابا رئويا، إلى أن تم تشخيص فيروس كورونا المستجد، دون توفر معلومات كاملة عنه حتى الآن، وبدأ العمل لمقاومته على قاعدة التجربة والخطأ وإن بشيء من إدراك الخطورة والحاجة للسرعة والحسم.
مع بداية العام 2020 بدأت الأنباء تتوالى عن الفيروس الجديد، هناك في البعيد، في بعض دول آسيا، وبدأ الفيروس بالفعل في حصد الأرواح، عندها تخيل معظمنا أن الأمر سيكون شبيها بالفيروسات السابقة التي ظهرت في سنوات سالفة، جاءت ثم ذهبت بهدوء نسبي ودون التسبب في خسائر كبيرة.
تخيلنا سارس وايبولا وغيرهما، ولكننا كنا مخطئين. ثم بدا الأمر وكأنه يعني الصين أساساً، وتحديداً في مقاطعة ووهان التي تبلغ مساحتها مساحة دولة كبيرة من دول العالم، وبدأت أرقام الخسائر المرعبة تتوالى.
أرقام عن المصابين وأرقام عن الوفيات، وبدأت أيضاً الأنباء عن الإجراءات التي اتخذتها السلطات الصينية للحد من الحركة بطريقة ما كان ممكنا في البداية تنفيذها في مكان آخر.
من هناك من الصين بدأ الانتشار في بعض الدول الآسيوية الأخرى مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية، أي إلى الدول التي بها أقليات صينية متواصلة مع الصين أو التي لها صلات متعددة معها.
وقام كلاهما بجهود مذهلة في مجال الفحص والحد من التحرك والاستعداد الطبي بما قاد إلى سيطرة معقولة على الوضع.
وبسرعة بدأت نظريات المؤامرة تطفو على السطح. هذا فيروس أطلقته الولايات المتحدة ضد الصين لمنع تقدمها، أو هذا فيروس فقدت السيطرة عليه في أحد المختبرات الصينية أو الأميركية في الصين ذاتها.. وهكذا.
رافق هذا اتهامات للصين بأنها لم تكن شفافة بما يكفي لتحذير العالم. ردت الصين على هذا بقوة وبأرقام حول تاريخ إبلاغ الكثير من الجهات بالتطورات وإلقاء اللوم عليها لعدم الاستعداد. لاحقاً وبشكل غير رسمي قام بعض الجهات الصينية بنشر قصص المسؤولية الأميركية.
المهم أنه من هنا بدأ الانتشار الكوني.. بطريقة تتلاءم مع الترابط بين الدول وتنقل رعاياها بين هذه الدول ولعلها لعنة التقدم الذي أحرزه الإنسان في هذا العالم.
بدأت بعض المعلومات تتوافر عن الفيروس، ظهر أن العدوى شيء وأن ظهور الأعراض شيء آخر. أي أن هناك أعدادا يمكن أن تصاب بالعدوى دون أن تظهر عليها الأعراض. وأن هناك تفاوتا في الأعراض، لكن أقواها يبدو أنه قاتل وأهم سماته الضيق الشديد في التنفس، وتحدث البعض عن وجود ثلاثة أنواع من الفيروس تختلف في درجة القدرة على الفتك.
ظهر أيضاً أن الأطفال يمكن أن يصابوا بالعدوى وأنهم ناقلون نشطون للفيروس، ولكنهم أقل عرضة لظهور الأعراض لأسباب غير مفهومة تماماً، وبدا حتى أن الرجال أكثر عرضة من النساء للعدوى بالفيروس، وبطبيعة الحال فإن كبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة أكثر عرضة للعدوى. وتأكد مع كل ذلك أن العدوى تتم من إنسان لآخر وأن الحد من الانتشار يستدعي كسر الاحتكاك بين الناس.
انتقل الفيروس من جنوب شرقي آسيا إلى أوروبا وبالتحديد وبصورة أكبر إلى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، وألمانيا بشكل أقل. ثم انتقل بعد ذلك إلى الولايات المتحدة الأميركية، جميعها باعتبارها بؤرا ساخنة للفيروس، والذي أصبح انتشاره الآن يوصف من قبل منظمة الصحة العالمية باعتباره وباء دوليا، حيث أعلنت المنظمة في 11 آذار أنها صنفت كوفيد - 19 على أنه جائحة، وكانت المنظمة في 30 كانون الثاني قد أعلنت أن كوفيد - 19 يشكل حالة طوارئ صحية عامة ذات أهمية دولية.
وباء في القرن الحادي والعشرين؟! وكأننا عدنا إلى القرن الثامن عشر أو التاسع عشر. في الشرق الأوسط، كانت هناك عدوى في عدد من الدول: مصر ولبنان والسعودية ودول الخليج وكذلك المغرب والجزائر وتونس والأردن وفلسطين وبعض الدول الأخرى بشكل أقل. بدا أن العدوى في هذه الدول أخف عموماً مما هي عليه الحال في أوروبا.
الغريب أن الأماكن الملعونة تماماً لم يظهر فيها عدوى على الأقل حتى حوالى منتصف شهر نيسان.
أماكن مثل تجمعات اللاجئين السوريين أو قطاع غزة أو الصومال أو اليمن. إضافة لهذا كان هناك انتشار للفيروس في بعض دول أميركا اللاتينية مثل البرازيل والمكسيك.
بشكل عام حتى ذلك الوقت ظهر وكأن الفيروس يفضل الشمال على الجنوب. الخوف الشديد كان ولا يزال من انتشار الوباء في إفريقيا التي لا تملك الحد الأدنى من الاستعداد، وإذا حدث هذا فستكون كارثة بشرية.
ولسخرية القدر يبدو أن الدول الفقيرة أصيبت بدرجة أقل بالفيروس، والسبب هو محدودية الاتصال، قلة القادمين والمغادرين إلى ومن هذه المناطق.
أصبح واضحاً أن الحل الجدي والجذري، هو بالطبع توفر اللقاح، لكن ذلك يحتاج لوقت من أجل الاكتشاف ثم التجربة والمراقبة، ثم الإنتاج ثم التوزيع.
سمعت من سفير الصين لدى السلطة أن هناك الكثير من العمل وعشرات الجهات تحاول إنتاج اللقاح، وأن هناك نوعين: الأول يتعامل مع الحمض النووي للفيروس، والثاني يتعامل مع لقاحات ضد فيروسات سابقة. وسمعنا من د. فوتشي الخبير الأميركي أن الدولة ستمول تصنيع أي اكتشاف حتى ولو فشل بعد ذلك لتوفير فترة الإنتاج.
اللقاح بالمناسبة لا يشكل علاجاً ولكنه يعمل على قيام الجسم بتشكيل المناعة اللازمة ضد الفيروس أو المرض. اللقاح قادم إذاً ولكن بعد بعض الوقت. والسؤال هو إذا ما كانت هناك علاجات ولو جزئية؟ والجواب هنا كان مختلطاً، فرنسا، وتحديداً شركة فيونا فيها، أعلنت عن عقار هيدروكسي كلوروكين الذي كان يستخدم كعلاج ضد الملاريا.
وقام عدد من الدول باعتماد ذلك، وبعضها قام بذلك بالتزامن مع اريثرويسين وهو مضاد حيوي جديد نسبياً، ولكن كان هناك دائماً اختلاف وجدل حول نجاح العقار في علاج "كورونا" المستجد. وبطبيعة الحال وجود علاجات في الفترة الفاصلة لحين إيجاد لقاح أمر سيكون ذا فائدة عظيمة إن حدث.
هناك أيضاً من تحدث عن الطبيعة الموسمية للفيروس وأنه سوف يخبو في فترة الصيف، وبالمقابل تحدث البعض عن موجة ثانية في الشتاء القادم وربما موجة ثالثة.
لحين معرفة كل شيء عن "كورونا" المستجد، ولحين إيجاد اللقاح وعلى الأقل لحين إيجاد العلاجات الجزئية، تعين على الدول أن تحاول الحد من انتشار الفيروس والاستعداد للتعامل مع الإصابات المحتملة.
الحد من الانتشار جاء أساساً من خلال الحد من الحركة والتماس بين البشر، أي باعتماد إجراءات متعلقة بالمسلك البشري. معظم الدول بدأت باعتماد إجراءات متعلقة بمنع الدخول إليها من بلد معين أو مجموعة من الدول، ثم انتقلت إلى منع الدخول. ثم إغلاق الحدود، وداخلياً معظم الدول بدأت بإجراءات تمنع التجمعات مثل إغلاق المدارس والجامعات والفعاليات الفنية والثقافية والرياضية، ثم انتقلت إلى إغلاق مناطق وإلى منع الخروج من المنازل وهو ما يعني توقف العمل إلا لمهن معينة وبعضها حتى منع التجول لساعات محدودة أو لفترات محددة.
معظم الدول أيضاً بدأت تحضيرات جدية ذات طابع طبي مثل توفير أدوات الحماية الشخصية كالكمامات والقفازات وملابس الحماية، بالرغم من تغيير نظريات استخدام الكمامات من عدم فائدتها تقريباً على فرض استخدامها على جميع من يخرج من بيته ويبقى أمر الكمامات مهماً بشكل عام.
وأيضاً مثل توفير الفحوصات على مستوى واسع خاصة للفئات المشكوك بإصابتها والتجمعات التي يمكن أن تسمح بوضع استراتيجيات المكافحة، وتوفير وزيادة عدد المختبرات لتحديد نتائج الفحوص، ومثل إنشاء مراكز العزل المجهزة بشكل معقول، إضافة للعزل المنزلي مع توفير شروط المراقبة، حيث اعتمدت بعض الدول وسائل تكنولوجية لمراقبة ومتابعة تحرك قطاعات كاملة من السكان، ثم الأهم من كل ذلك إعداد المستشفيات، التي يفضل أن تكون مختصة بالفيروس، لتجنب إرسال المصابين إلى المستشفيات القائمة، وتجهيز تلك المستشفيات المختصة خاصة فيما يتعلق بوحدات العناية المركزة وأجهزة التنفس وهو ما يسمح بمواجهة مرحلة علاج المرضى الذين يعانون من أعراض جدية.
ما سبق أصبح عملياً النموذج المتبع من الدول وإن ببعض التفاوت. الجميع كان يحاول بالطبع الاستفادة من تجربة من سبقه في مكافحة الوباء. وبسبب الأثر التدميري لإجراءات الحد من الحركة على الاقتصاد لأنها تعني ببساطة التوقف عن العمل وعن النشاط الاقتصادي، قامت معظم الدول باتخاذ إجراءات واعتماد حزم لدعم أولئك الذين توقف دخلهم ولدعم مؤسسات العمل بشكل عام لتمكينها من البقاء على قيد الحياة.
عموماً كانت المشكلة التي واجهتها الدول هي محاولة إيجاد التوازن اللازم بين المحافظة على الأرواح والمحافظة على الاقتصاد.
وفي النهاية فهما مرتبطتان وإن كانت الأولى حازت على الأولوية بطبيعة الحال لدى القيادات المتزنة والمعقولة. الصعوبة كانت دائماً في إيجاد نقطة التوازن الصحيحة خاصة مع دخول المرحلة الثانية من الوباء.
كل ما سبق غير العالم الذي نعرفه. توقفت العلاقات الاقتصادية والثقافية والرياضية والدينية بين الدول. تم تأجيل أولمبياد طوكيو، وبدا وكأن الحج نفسه قد يتم إلغاؤه. توقفت السياحة والسفر وانهارت المؤسسات التجارية المرتبطة بها مثل شركات الطيران والفنادق والمطاعم. توقف العمل والإنتاج ومعظم الاستهلاك، وانهارت الأسواق المالية. خلال ذلك احتدم السباق بين الدول والشركات في إيجاد اللقاح والعلاجات الممكنة. الأمر في الحقيقة أصبح في يد العلماء والأطباء لحسن الحظ لأن هؤلاء كان لديهم نضج أكثر لإبقاء حالة من التعاون وتبادل المعلومات يحد منها الجشع المعروف لشركات الأدوية التي يطمح كل منها لتحقيق كميات هائلة من المال عندما تمتلك الحل.