تسابق دول العالم الزمن في اتخاذ الإجراءات الاحترازية للحد من تفشي فيروس كورونا الذي أصاب أكثر من مليونين ونصف المليون شخص حول العالم، بينما تشير التقديرات الصحية الدولية إلى ارتفاع هذا العدد في الأيام المقبلة والتحذير من موجة ثانية لـ»كوفيد ـــ 19» قد تكون الأسوأ من الموجة الأولى التي تفاقمت أوائل آذار الماضي.
الناس عموماً تعرضوا لسياسات صارمة واقتصادية صعبة، بدأت من الحجر المنزلي والتباعد الاجتماعي، وكذلك التوقف عن مزاولة الأنشطة الخارجية خوفاً من الفيروس، تبعت ذلك إجراءات اقتصادية صعبة أثرت على جيوبهم وأنماط حياتهم الاستهلاكية بسبب التداعيات الاقتصادية والاجتماعية التي خلفها «كورونا» على العالم.
الحياة توقفت بالعموم في أغلب بلدان العالم بما فيها الدول الكبرى التي تتمتع باقتصادات قوية، ومن الصعب إحصاء الخسائر الاقتصادية المترتبة على الفيروس، غير أن بعض التقديرات تشير إلى خسائر تتجاوز 2 تريليون دولار نتيجة تباطؤ الاقتصاد العالمي خلال الفترة التي ظهر فيها الفيروس بقوة بداية آذار 2020 وحتى ثلاثة أشهر من التاريخ الأول.
دون الإجراءات الوقائية واتخاذ أقصى التدابير الممكنة لتطبيق سياسة التباعد الاجتماعي، بما ينطوي على هذه السياسة من إجراءات الحجر المنزلي وإغلاق المراكز التجارية وملاحقة المتخلفين عن الاستجابة لقرارات الدول، كان يمكن أن يزيد عدد الوفيات على النصف مليون وربما أكثر، بينما هو تقريباً 175 ألف حالة وفاة على مستوى العالم.
الدول حسناً فعلت، حينما مارست عملية التباعد بين بعضها البعض وكذلك في مجتمعاتها، لكن الحديث هنا عن فيروس قد يطول أمده إلى عام أو أقل، وبالتالي هل ستتمكن الدول من إبقاء القيود على الناس وحركة تنقلهم، أم أنها تمهد لرفع تدريجي عن التدابير لتخفيف الأعباء عنهم وتحريك عجلة الاقتصاد النائمة؟
ربما أفضل طريقة للموازنة بين التركيز على رأس المال البشري الذي هو أغلى قيمة في العالم وبين الدفع بعجلة الاقتصاد قدماً إلى الأمام، هو تطبيق سياسة الرفع التدريجي للقيود الحكومية كما هو حال ألمانيا وبعض الدول الأوروبية التي لجأت إلى مثل هذه السياسة لتلافي الآثار الناجمة عن «كورونا».
ثمة قيود ضرورية لمنع انتشار الفيروس وهي صحيحة ولا غبار عليها، وعلى الدول التمسك بها لحماية الأرواح، لكن للفيروس تأثيرات اجتماعية واقتصادية صعبة، وهناك ملايين الناس لم يعودوا يتحملون الحجر القسري في المنازل، وكذلك تأثرهم بتوقف الخدمات وفقدان العديد منهم وظائفهم وتضرر آخرين مالياً تحت بند التقشف المالي وإتباع آلية نصف الراتب شهرياً والله أعلم ماذا يحمل المستقبل.
الإعلام بكل أذرعه ومنصاته قدّم معلومات غزيرة ووافرة ومفصلة عن فيروس كورونا، وأغلب الظن أن هناك وعيا كبيرا إزاء التعامل مع المرض، ولم يعد الناس بحاجة إلى تدخل الحكومات لتقييدهم، لأنهم يدركون معنى تفشي الفيروس بينهم وتأثيره على صحتهم وصحة من يهمهم الأمر.
إذا ظلت القيود بهذا الشكل وزادت صرامة ولم يتم اتخاذ إجراءات تدريجية لرفع القيود على الخدمات والنشاطات الاقتصادية، فهذا يعني كارثة فوق الكارثة التي يعيشها سكان الأرض، ذلك أن عمر انتشار الفيروس قصير والإجراءات تكثفت في شهري آذار ونيسان الحالي، والدول تئن وتستصعب التعامل مع هذا النزيف الاقتصادي الذي يضغط عليها.
قد تكون العلاقات تحسنت بين الأسر بسبب «كورونا» في فترة «القعود» المنزلي وقد تكون عكس ذلك، لكنها بالتأكيد لن تكون إيجابية إذا مس الفيروس بقوة جيوب الناس ومارس ضغوطه على الدول إلى أشهر أخرى إضافية، حينذاك سنكون أمام مشكلات اجتماعية كبيرة خلفيتها الأساسية اقتصادية وليست صحية.
أيضاً لا يجوز الاستهانة بتحذيرات منظمة الصحة العالمية من التراخي في محاربة «كورونا»، خصوصاً وأنها تؤكد من أن محاربة هذا الفيروس ستطول إلى أمد غير معلوم، ولذلك يمكن القول، إن أنسب وضع لإدارة التعامل مع ملف «كورونا» يقتضي إبقاء تفعيل التباعد الاجتماعي وفي المقابل رفع القيود على حركة الناس وإعادة تنشيط الاقتصاد.
إذا أرادت الدول بصدق منع تفشي كورونا فإن عليها أولاً أن تحمي الناس بالإجراءات الوقائية الصحية الحالية، والأهم دعم من تأثرت وظائفهم وأجبروا على البقاء في المنزل، وهذا كله في إطار حزمة من الحوافز للقطاعين الحكومي والخاص من أجل مواجهة الفيروس والحد من الآثار السلبية للتباطؤ الاقتصادي.
لا بد من التحضير لخطط على مستوى الدول فرادى أو على المستوى الإقليمي والدولي للحد من تأثير «كورونا»، والدول المتقدمة التي تمتلك اقتصادات قوية قادرة على التعافي بسهولة مع هذه الجائحة، عليها أن تقدم المساعدة الضرورية للدول المتضررة من الفيروس، ففي نهاية المطاف إذا لم يتضامن العالم مع نفسه لمواجهة وباء خفي يمثل أهم عدو مهدد للبشرية، فمع من يتضامن إذاً؟