وبــاء الــكــراهــيــة يــفــتــك بــإســرائــيــل

20152209223925
حجم الخط


بقلم: سيفر بلوتسكر

يمينيون يكرهون اليساريين والعرب. حريديون وعرب يتخوفون من المثليين. يساريون لا يتقبلون المستوطنين. علمانيون ومتدينون قوميون يحتقرون الحريديين. وكثيرون يعتقدون أن المعاقين ليسوا مثل باقي البشر. قد تكون هذه ليست عنصرية، كما يقول محللنا سيفر بلوتسكر، لكنها بالتأكيد غياب الصبر بدرجة يجب أن تقلق كل واحد منا، من رئيس الحكومة مرورا بالتعليم وانتهاءً بالاشخاص المهمين في الجاليات التي يتشكل منها المجتمع الاسرائيلي.
في الاسابيع الاخيرة وفي اعقاب التدهور الواضح في النقاش الجماهيري، طلبنا فحص الى أي حد المجتمع الاسرائيلي متسامح مع الآخر. وقد فعلنا ذلك بوساطة استطلاع شامل أجراه معهد "عينة" للدكتور مينا تسيمح وبالتعاون مع معهد القدس للعدالة: من خلال المتابعة الشاملة للنقاش العنيف في الشبكات الاجتماعية ومن خلال عدد من التجارب في الميدان تعزز الخوف الرئيس: نحن قريبون جدا من الهاوية.


يفضلون الموت
طلبنا من خلال الاستطلاع وضع معيار ثابت لتقبل الآخر حسب عدد من المعايير: اسئلة عامة حول التأييد أو غياب الحب لكل واحدة من المجموعات. ومن خلال اسئلة خاصة سعينا من خلالها الى فحص الى أي مدى نحن مستعدين لتقبل الآخر في حياتنا اليومية واحيانا الاعتراف بوجوده الفيزيائي. 69.5 بالمئة من مواطني اسرائيل زعموا أن المجتمع الاسرائيلي عنصري، في الوسط اليهودي فقط. وبلغ هذا المعطى نحو 75 بالمئة. وطلبنا من المشاركين تعريف كل مجموعة على حدة: هل تؤيدها أو تتقبلها. النتيجة تشير الى أن المجموعة الاقل قبولا في اسرائيل هي الحريديين: 32.7 بالمئة قالوا إنهم لا يتحملونهم. فقط 16.3 بالمئة قالوا إنهم يتحملونهم. وفي اوساط السكان اليهود فقط كان هذا المعطى اكثر تطرفا: 37.8 بالمئة اعترفوا أنهم لا يتقبلون الحريديين كمجموعة.
التالي في قائمة المكروهين هم "اليساريون". من هم؟ غير واضح، لكن واضح للاسرائيليين أنه من المريح كراهيتهم كمجموعة. 34 بالمئة من اليهود اعترفوا بشكل تام أنهم لا يتقبلون الاسرائيليين. العرب الاسرائيليين حصلوا في اوساط اليهود على نسبة 27 بالمئة أنهم لا يتقبلونهم مقابل 16 بالمئة يتقبلونهم.
لدى الحريديين كان الاصلاحيون هم الاكثر كرها – 78 بالمئة قالوا إنهم لا يتقبلون الاصلاحيين ولم يعترف أحد أنه يتقبلهم. يأتي بعدهم في القائمة: العرب واليساريون: 53.5 بالمئة، ومن ثم المثليين: 51.5 بالمئة. في اوساط "عرب إسرائيل" كان اليمين هو الاكثر كرها: 32.9 بالمئة، ولكن بشكل عام أغلبية العرب الذين سئلوا كانوا محايدين – لم يكرهوا ولم يؤيدوا أي مجموعة.
من هنا انتقلنا الى اسئلة محددة: هل توافق على السكن في مبنى يسكن فيه شخص مثلي/ اسرائيلي اثيوبي/ عربي (أو يهودي في حالة العرب)/ ومعاق؛ هل توافق على أن يجري لك عملية طبيب كهذا وحصل على التأهيل في اسرائيل؛ هل توافق على أن يتعلم أبناؤك في صف فيه ابن أو ابنة لعائلة كهذه؛ هل توافق على استضافة أحد من هذه المجموعات في بيتك؛ هل توافق على أن يتزوج أبناءك بشخص من تلك المجموعات.
النتائج كانت صعبة. فلدى الحريديين: 74 بالمئة لن يسكنوا في مبنى فيه مثليون؛ 50 بالمئة لا يوافقون على علاجهم عند طبيب مثلي؛ 48 بالمئة يرفضون أن يعالجهم طبيب عربي و69 بالمئة يرفضون أن يعالجهم طبيب معاق؛ وحول الزواج لم يوافق أحد على أن يتزوج أحد أبنائه من عربي أو عربية؛ 85 بالمئة رفضوا زواج ابنهم أو ابنتهم من مثليين و80 بالمئة رفضوا زواج ابنهم أو ابنتهم من معاق.
في الوسط العربي: حوالي 40 بالمئة لن يسكنوا في مبنى فيه عائلة اثيوبية، 81.4 بالمئة لن يسكنوا في مبنى فيه مثليون وحوالي 24 بالمئة لن يسكنوا في مبنى فيه عائلة يهودية، أما المثليون فلم يتم التطرق اليهم: 87 بالمئة غير مستعدين لتزويج اولادهم من شخص أحد والديه مثلي، 79 بالمئة غير مستعدين لأن يعالجهم طبيب مثلي.
هذه المعطيات تظهر جيدا في الميدان. بعد اختبارات قمنا باجرائها، مؤخراً، في البلاد تبين لنا أن الجيران ليسوا جديرين في نظر الجميع. أي كل مجموعة نظرت الى ممثلي المجموعة الاخرى بشكل سلبي. هذا صحيح بالنسبة للعرب والاثيوبيين والمعاقين: في كل حي فحصناه تقريبا سجلت معارضة شديدة لانشاء مؤسسة لمن يعانون من الشلل الدماغي أو المرضى النفسيين.
معيار تقبل الآخر تم بالتعاون بين معهد القدس للعدالة الذي يعنى بحقوق الانسان وحرية الدين والاعتقاد، ومعهد "عينة" لدكتور مينا تسيمح. كل ذلك تم استنادا الى اجابات عينة من 590 رجل وامرأة.
"المجتمع الاسرائيلي مكون من مجموعات سكانية متنوعة وكثيرة"، قال المحامي كيلف مايتس، مؤسس معهد القدس للعدالة، "معيار تقبل الآخر يشير الى شروخات عميقة اتسعت في السنوات الاخيرة، وهي تهدد استقرار الديمقراطية التي هي الامر الاهم في الدولة. وهذا الامر يستوجب استعداد المجتمع الاسرائيلي ككل بتوزيع التسلسل الهرمي بين جميع اطياف السكان والحفاظ على حقوق الاقليات وحقوق المواطن والسماح بحرية الدين والاعتقاد وتقبل قرارات المؤسسات السياسية والقانونية وعلى رأسها محكمة العدل العليا".

تأثير السياسيين
في المقابل، قمنا بمسح الشبكات الاجتماعية، وتبين أنه في آب الماضي سجلت 234542 شتيمة وتحريض وعنصرية منها 7154 كانت دعوة مباشرة للعنف الجسدي (القتل، الاغتصاب، والاحراق).
يتبين أن هناك علاقة واضحة بين تصريحات السياسيين وبين الردود العنيفة والتحريض لدى مستخدمي الشبكات الاجتماعية. عندما قال نائب وزير الداخلية، يارون مزوز، لاعضاء الكنيست العرب: "قولوا شكرا لأن لكم بطاقات هوية"، جاء الرد في الشبكات الاجتماعية سريعا حيث شمل 2100 تعبيرا عنصريا على اقواله، بما في ذلك 400 دعوة غير مباشرة للعنف الجسدي (لا سيما من مؤيديه) و80 دعوة للعنف الجسدي.
تقرير الكراهية وضع بمبادرة من صندوق بيرل كتسنلسون بالتعاون مع شركة "فيغو"، وهي شركة ابحاث رائدة. "في هذه الايام نمر بتجارب صعبة من العنصرية الكلامية تجد تعبيرها في كل زمان وكل مكان"، قال خميس أبو العافية، عضو الصندوق، حول النتائج. "كمن يعيش هنا ويهتم بما يحدث فقد قررت التجند بكل قوتي لاقتلاع هذه الظواهر وتحويل اسرائيل الى مكان افضل".
العنصرية هي كلمة فاسدة وغير سليمة. وليس هناك فاعلية علمية لكلمة عنصر؛ وقد عرّف الانثروبولوجي ومحاضر الطب البروفيسور آشلي مونتيغيو في 1942 هذا المصطلح بأنه "الاسطورة الاخطر على الانسانية". كتابه الذي حمل هذا العنوان صدر مع انتهاء الحرب في 1945 وشكل اساسا علميا لليونسكو في 1950. وقبل بضعة اشهر عاد البروفيسور روبرت فالد زوسمان الى الموضوع في كتابه تحت عنوان "اسطورة العنصر – وجود الفكرة غير العلمية المقلقة"، حيث يستمر في ادعاءات سلفه. "العنصر بالمفهوم البيولوجي لا يوجد في الانسانية. والانسانية هي عنصر واحد وجنس واحد". فما هو الموجود اذاً؟ هناك مفهوم اجتماعي حول العنصر وهناك ايمان بوجود عناصر منفصلة لها مميزات اجتماعية بيولوجية، وهي مصنفة من الاعلى الى الاسفل. وهو ايمان أعمى ينتقل من جيل الى جيل ومن شخص الى آخر.
في ظل غياب العنصر وخصوصا "العنصر اليهودي"، كما أثبت آشلي مونيغيو قبل 70 سنة، فانه ايضا لا يوجد "عنصر عربي" أو "عنصر آري" أو"عنصر يساري". إن استخدام كلمة عنصرية يهدف الى التعامل المتحفظ بين القوميات أو الطوائف. هل تؤمن باله واحد أو لا تؤمن بتاتا، يحمل موقفا مختلفا ويحب اشخاص مختلفين، وهذا يحدث الضبابية والبلبلة. هل الشخص الذي لا يتحمل ضجيج الشارع الايطالي أو الهدوء في اللقاءات الاجتماعية في فنلندا هو عنصري؟ وأن العنصري هو من يزعم أن موسيقى بيتهوفن افضل من موسيقى أم كلثوم؟ لا. تقبل الآخر لا يعني التضامن معه؛ مسموح بل ومطلوب احيانا انتقاد الآخر وانتقاد ثقافته. المعارضة المطلقة لاهانة النساء التي توجد في ثقافات قومية ودينية معينة لا تعبر عن عدم تقبل الآخر. هذا طلب لتقبل الآخر. ألا نمنع قتل داخل العائلة على خلفية الشرف باسم التعددية الثقافية أو تعذيب الاولاد أو تقديم شهادات كاذبة في المحكمة؟ بيقين نمنع. عدم تقبل الآخر يصعب تعريفه وادخاله في أطر، لكن من يصادفه ذلك يميز فورا طابعه الحقيقي.
لنترك العنصرية ولنتحدث عن عدم تقبل الآخر. عدم تقبل ديني، قومي، طائفي وفيزيائي. الى أي حد انتشر في المجتمع الاسرائيلي؟ الى أي حد هي مخيفة ومتكدرة الصورة التي ظهرت في الاستطلاعات والابحاث والفحص الميداني الذي أجرته الصحيفة من اجل هذه النشرة الخاصة؟.
لمعرفة عمق عدم تقبل الآخر من خلال استطلاع، يمكن استخدام طريقتين في البحث. الاولى مباشرة: أن يطرح على المشاركين سؤال هل تحب وتتقبل مجموعة سكانية كهذه أو تلك؟ وطريقة غير مباشرة: تقديم مجموعة من الاسئلة حول الاستعدادية الفعلية واليومية لتقبل الآخر في الجالية والمجتمع والعائلة. ويمكن القول إن بعض المشاركين يمتنعون عن التعبير عن شعورهم في ردهم على سؤال مباشر (كي لا يظهر كأنه عنصري أمام من يطرح السؤال، وقد لا يعترف بذلك بينه وبين نفسه) لكنه سيتردد أقل عند الحديث عن عدم التقبل الموجود في داخله.
اذا استخدمنا الاستعدادية لتقبل الآخر/ المختلف في العائلة القريبة مثل الزوج أو الزوجة، فان نسبة الرفض وعدم التقبل في اوساط الجمهور اليهودي، مخيفة. 85 بالمئة يعارضون زواج اولادهم من عرب اسرائيليين، 42.5 بالمئة لا يريدون رؤية عريس أو عروس من الطائفة الاثيوبية و39.5 بالمئة يرفضون عريسا أو عروسا هم أبناء لمثليين. 51 بالمئة من اليهود في اسرائيل يتعاملون بشكل سلبي عند زواج ابنائهم من شخص لديه اعاقة معينة.
يمكن تبرير هذا الرفض بسبب الخوف على مستقبل الاولاد والقول إنه لا ينبع من عدم التقبل، بل من حب الوالدين. لكن عدم استعداد اليهودي الاسرائيلي للتواصل مع العربي الاسرائيلي يوجد بشكل كبير في الاجابات السلبية حول اسئلة اخرى: السكن المشترك، التعليم المشترك والعلاج من قبل طبيب عربي في المستشفى. تشير النتائج الى قناعات متجذرة تعتبر العربي شخص خطير علينا بسبب كونه "عنصرا دون".
ومع ذلك، ردا على سؤال مباشر حول الشعور تجاه العرب، فان ربع الجمهور اليهودي يعترف أنه لا يتقبلهم. كيف؟ بأن أقلية قليلة فقط مستعدة لتصنف كعنصرية، حتى لو كان تجاه العرب. فكيف اذا كانت الطائفة الاثيوبية. المصداقية السياسية الاجتماعية تتطلب في هذا الوقت احاطة هذه الطائفة أو تلك بالحب وليس التحفظ منها. 2.5 بالمئة فقط من اليهود الاسرائيليين مستعدين للاعتراف في استطلاع الرأي للصحيفة بأنهم لا يتحملون "الاثيوبيين". 75 بالمئة يتحملونهم ولكن من بعيد. 42.5 بالمئة غير مستعدين لزواج اولادهم وبناتهم من الطائفة الاثيوبية. 15 بالمئة غير مستعدين للعيش مع الاثيوبيين في بيت مشترك، أو استضافتهم للقاء اجتماعي.
المجتمع العربي في اسرائيل، كما يظهر في الاستطلاع، يعاني من عدم تقبل الآخر بشكل كبير، تجاه المثليين: 80 – 90 بالمئة من "عرب اسرائيل" غير مستعدين لأي صلة معهم. وغير مستعدين للعيش في المبنى ذاته أو ارسال اولادهم الى المدرسة ذاتها أو استضافتهم في البيت. وهذه نتيجة مشوهة للمواقف المسبقة المزروعة عميقا في الثقافة الاسلامية العربية. والامر المقلق هو النظرة الشخصية السلبية نحو الاشخاص المعاقين الذين يتم القاؤهم على هامش الحياة. نتائج البحث تشير الى انفتاح الاقلية العربية على الاغلبية اليهودية – لا سيما في مجال السكن والتعليم – هذا اذا تجاهلنا نسبة استثنائية من الذين رفضوا الاجابة، حيث يصعب معرفة مواقفهم. والامر المؤسف هو أن هناك ابحاثا قليلة تبحث هذه المواضيع داخل المجتمع العربي.
في تسلسل غير المقبولين من الجمهور اليهودي، يبرز المكان المرتفع لـ "اليساريين": 34 بالمئة لا يتقبلونهم. وفوقهم الحريديون، وبعدهم في الدور يأتي العرب والمستوطنون. هذا التسلسل يعكس التفضيلات السياسية والاجتماعية وينبع من لغة الكراهية التي تملأ الشبكات الاجتماعية، والتي تسمى خطأ "اجتماعية"؛ في حين أنها غير اجتماعية، كما يُظهر بحثنا. الشبكات هي دفيئة للكراهية المكتوبة والمبثوثة؛ وبفضلها تحولت الكراهية الى روتين في النقاشات في الانترنت.
ثلاثة ارباع اليهود يعتقدون أن المجتمع الاسرائيلي هو عنصري، والربع يعتقدون أنه يتقبل الآخر. العنصرية بمفهومها الواسع تتحول الى عادة وميزة اجتماعية وهي تعطي الصبغة القانونية للكراهية: يبدو أن الكراهية مسموحة لدينا، مسموح عدم تقبل الحريديين علنا، وأيضا العرب والمستوطنين والاغنياء وموظفي الشركات الحكومية ونساء بالسواد وراكبي الدراجات والمزارعين والمثليين، لأنهم ليسوا مثلنا.
وثيقة حقوق الانسان الموجودة في لب الديمقراطية الليبرالية لا تقول إن الناس متساوون. إنهم مختلفون لكنهم متساوين في الحقوق. لذلك تسمى هذه حقوق الانسان.
عدم التقبل يبدأ في النقطة التي يتحول فيها الاختلاف الى دونية: أنت تختلف عني، يعني أنك أقل مني. لا أريد الاقتراب منك ليس لأنني لا أحب موسيقاك ومطبخك بل لأن موسيقاك ومطبخك يحولانك في نظري الى شخص دون، غير مساو لي. إن تربية الاولاد على تقبل الآخر تعني تعليمهم تقبل الاختلاف بين ابناء الجنس البشري كأمر طبيعي.

عن "يديعوت"