كورونا يعيد تقسيم العرب بين أغنياء وفقراء!

حجم الخط

بقلم: طلال سلمان*

 

بداية، كل رمضان وأنتم بخير، وعسى أن يمن الله علينا بتبدل في الاحوال ويعيد لهذه الامة اعتبارها لتاريخها ويفتح امام اهلها ابواب العزة والكرامة لبناء المستقبل الافضل الذي يستحقون، والذي كاد يضيع منهم او يسرق في ظل تواطؤ السلاطين مع العدو الاسرائيلي.

إن الامة ليست في افضل احوالها، والعلاقات بين دولها المختلفة تتسم باللياقة مع التحفظ، وتفتقد حرارة الاخوة وصدق التعاون ووحدة الموقف.. ولو في مواجهة جائحة كورونا التي ضربت دول العالم، شرقاً وغرباً، جنوبا وشمالا، حتى زادت اعداد ضحاياه عن المليون نسمة، لا فرق بين النساء والرجال، وان كانت الاصابات بين الاطفال أقل، ولله الحمد.

كشف هذا الوباء التخلف السياسي ونقص الحرارة بين الإخوة، قبل أن يكشف نقص الجهوزية في مختلف البلاد العربية عن استيعاب الصدمات الموجعة كانتشار هذا الوباء في أربع رياح الارض ما بين مكة المكرمة والمدينة المنورة وبغداد الرشيد وتونس الخضراء وجزائر المليون شهيد والمغرب المطل على امجاد الاندلس..

في البدء كان الانكار.. برغم أن دول العالم، من كبراها كالصين ودول اوروبا الغربية، فرنسا وايطاليا واسبانيا والنمسا وسويسرا والدانمارك واسوج والنروج، قبل أن تعترف ا لولايات المتحدة الاميركية بوصول الوباء اليها، وضرب اكبر مدنها واعظمها سكانا، نيويورك، ثم يتابع انتشاره في مختلف الولايات، شمالاً وشرقاً وغرباً وجنوباً، تمهيداً لان ينتقل إلى اميركا اللاتينية فيضرب في البرازيل والارجنتين والمكسيك.. ولا تنجو منه الا كوبا..( بشفاعة فيديل كاسترو ونظامه الثوري..) !

***

كان لبنان اول من اعترف بوصول الوباء اليه، وباشر بنشر اعداد الاصابات التي نقلت إلى المستشفى الحكومي عند مدخل بيروت الجنوبي..

ثم تشجعت الكويت ودولة الامارات وبعدها قطر، قبل أن تتقدم السعودية لتقر بإصابات معدودة. قبل أن تسمع ارقام الاصابات في ايران فتندفع نحو الحقيقة فترفع ارقام الاصابات بل وتضاعفها ... بينما يذهب الملك سلمان إلى منتجعه على البحر الاحمر..

وتريثت مصر لتتأكد من حجم الاصابات، ثم باشرت في إعلانها، ملتحقة بتونس والجزائر والمغرب، التي ظلت أرقام الاصابات فيها اقل بما لا يقاس من ارقامها في مختلف دول اوروبا، ثم روسيا التي تأخر الوباء في الوصول اليها، ويستشري فيها، كما في سائر انحاء اوروبا.

الطريف أن الرئيس الاميركي ترامب قد اتهم الصين "بتربية" هذه الجرثومة القاتلة ثم ارسالها، إلى بلاده. وردت الصين على ما اعتبرته "هراء" وأكملت علاج المصابين الجدد ممن ضربهم الداء الوبيل.

***

القصد من هذا العرض الاشارة إلى واقعة مؤلمة عنوانها: أن العرب يتبدون الآن وكأن كل دولة تتصرف بمنطق: يا رب رأسي!

لم تتصل دولة عربية بأخرى "شقيقة" لتطمئن الى احوالها مع زحف الوباء على معظم دول العالم، ولتتبادل معها الخبرات والتجارب التي اجرتها على الوباء: مصدره، طبيعة تكوينه، كيفية الوقاية منه، ثم كيف يعالج وبماذا؟

كانت كل دولة في شغل شاغل عن الأخرى، بمنطق "اللهم نفسي.."

وحرصت معظم الدول العربية، على استعادة مواطنيها ممن يعملون او يدرسون في مختلف جامعات دول الغرب والولايات المتحدة الاميركية.. التي حجرت على مواطنيها شهرين قبل أن تسمح بالدخول او الخروج أو التنقل بين ولاياتها الخمسين.

***

غطى العالم وجهه بالكمامات..

صار عليك أن تتأكد أن من تخاطب صديقك قبل أن تحادثه ممغمغاً من خلف الكمامة..

ساد الذعر في أربع رياح الارض، وصار الكل يخاف من الكل ويخاطب من يرغب في محادثته من خلف قناعه الواقي.

سقطت ارضاً "العلاقات المتميزة" بين الدول المتحالفة، وضمنها الاتحاد الاوروبي.

وغضبت دول اميركا اللاتينية على دولة ترامب التي لم تساعدها في تأمين الادوية التي قد تخفف من سرعة انتشار الوباء، او قد تسهم في علاجه..

بالمقابل تقدمت الصين من روسيا لتساعدها على معالجة الوباء التي تأخر في الانتشار في بلاد بوتين، ثم اخذ يتوسع مع كل شمس.

لم يعد المواطن العربي يلح على مسؤولي دوله بضرورة تحقيق حلم الوحدة، او الاشتراكية، او الاستقلال والبعد عن التبعية..

ولكن من حقه أن يطلب منها التعاون في رد المصاعب والكوارث وفي مواجهة الوباء القاتل متى ضرب "الاخوة" او "الاشقاء" او "شركاء المصير".

لقد اشتبكت الولايات المتحدة مع الصين حين اتهمتها بأنها تكتمت في ابلاغ الدول الاخرى بما جرى لها وفيها.. وردت بكين بانها حاولت ابلاغ واشنطن، لكن الرئيس الاميركي دونالد ترامب قال انه لا يريد منها شيئاً غير وقف تصدير الفيروس القاتل اليها.

***

اما حكام العرب فلم يتكرم واحد منه بسؤال اشقائه من الملوك والرؤساء العرب عن الاحوال عنده، وهل وصلهم الوباء. وكيف وبماذا يعالجونه، وهل، لا سمح الله، يحتاج فقيرهم إلى مساعدة من غنيهم، وإذا لم يكن لديه ما يكفي من اسباب العلاج فهو حاضر لتقديم ما يفيض عن حاجته.

وقديما قالت العرب: وتعاونوا على البر والتقوى وليساعد غنيكم فقيركم في ما يحتاج اليه، والناس شركاء في الماء والكلأ واسباب الوقاية من الامراض والاوبئة.

حماكم الله، من كل وباء.. ووحد صفوفكم واعاد توحيد جمعكم وحصنكم ضد الاوبئة والامراض جميعاً.. واعاد الله رمضان، الشهر الفضيل، وانتم في أتم الصحة واحسن الحال.

والامر لله من قبل ومن بعد.

*رئيس تحرير "السفير" اللبنانية

ينشر بالتزامن مع صحيفة "الشروق" المصرية