إسرائيل دولة الأبارتهايد بشهادة دنيس غولدبرغ

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي



في يوم الاستقلال مات بطل يهودي، ولم يذكر موته هنا. مات دنيس غولدبرغ في المدينة التي ولد فيها، كيبتاون في جنوب افريقيا، وكان عمره 87 عند وفاته. كانت شخصيته مثالاً للنضال، والتضحية، والشجاعة والتضامن؛ كل الصفات التي لا توجد في اليسار الإسرائيلي. لو أنه هاجر الى إسرائيل لاعتبر هنا خائنا ومخرباً. ولكن في إسرائيل لم يكن في أي يوم يهود مثله، على استعداد للتضحية بكل شيء من أجل نضال الفلسطينيين من أجل الحرية.
في جنوب افريقيا، لم يكن هو اليهودي الوحيد الذي ضحّى بكل شيء من أجل نضال السود في سبيل الحرية. قُتلت روت بيرست في عملية تصفية، وفقد البي ساكس يده وعينه، وبعد ذلك أصبح قاضيا في المحكمة الدستورية لبلاده. لا توجد طوائف يهودية كثيرة نما فيها أبطال مثل هؤلاء. في إسرائيل بالطبع لا يتحدثون عنهم.
لم يكن غولدبرغ يهودياً مهماً مثل شلدون ادلسون أو مؤثراً مثل سيفان رهف مئير، لكنه هو واصدقاؤه كانوا ابطالاً سيذكرهم التاريخ.
هم لم يناضلوا من أجل شعبهم، بل ناضلوا من أجل شعب آخر غير شعبهم. يصعب التفكير بسلوك أكثر أصالة ونبلا وشجاعة من ذلك.
إذا كان هناك مصدر للفخر اليهودي فهو يتجسد باليهود الذين اخترقوا الخطوط في جنوب افريقيا – الاشخاص الذين لم يتبنوا موقف القيادة اليهودية في بلادهم، المتعاونة الكبيرة مع نظام الغرب ومع صديقته الكبيرة دولة إسرائيل.
اعتُقل غولدبرغ مع نلسون مانديلا في 11 تموز 1963، في مزرعة آرثر غولدبرايخ، وهو بطل يهودي آخر. من بين الـ 17 عضواً من قيادة المؤتمر الوطني الافريقي، الذين اعتقلوا في ذاك اليوم في مزرعة ليليسليب، كان خمسة منهم يهودا.
حُكم غولدبرغ – إلى جانب مانديلا وآخرين – بأربعة أحكام مؤبد عن 200 عملية تخريبية. هؤلاء المخربون الكبار يعتبرون اليوم أبطالا وطنيين وعالميين – هذه مادة أخرى للتفكير في إسرائيل.
في النضال الشرس، الذي زادت حدته في نهاية الأسبوع على صفحات «ثقافة وأدب» بين حنان حيفر ودان ميرون حول شجاعة قلب س. يزهار، كان بإمكان شخصية غولدبرغ أن تشكل نموذجا لتوضيح موقف حيفر.
آمن غولدبرغ بالكفاح المسلح. وقد أمضى 22 سنة في السجن إلى أن أُطلق سراحه، ضمن أمور أخرى، بفضل محرر الأسرى الإسرائيلي، حيروت لبيد. وقد تم نقله الى إسرائيل، وعاش فترة قصيرة جداً في كيبوتس ابنته معيان باروخ، وسارع إلى الابتعاد عن هنا.
مثل باقي أصدقائه في الكفاح، أُصيب غولدبرغ بالاشمئزاز مما يحدث هنا. قال لي توم سيغف في حينه، عندما كانوا يكتبون كلمة زنوج في الصحيفة، إن إسرائيل هي جنوب إفريقيا الشرق الأوسط، وإن الحل لهما يجب أن يكون واحداً: دولة واحدة وحقوقا متساوية للجميع. في بلاده تحقق الحلم وعاد غولدبرغ اليها تحيط به هالة. في نهاية الاسبوع كتب حفيد مانديلا، زويلفيليل مانديلا، في مجموعته في «الواتس آب»: «نؤدي التحية لشخص كبير وزعيم لنضالنا: لقد انتمى للجيل المميز من الأشخاص الذين اختاروا حياة النضال على حياة الراحة، دون خوف من وحشية دولة الابرتهايد.
أنهى مانديلا بيانه بكلمات «لتكن ذكراه مقدسة» بالعبرية. قشعريرة وفخر يهودي. هو أيضا أرفق ببيانه صورة له مع غولدبرغ وهو يجلس على كرسي متحرك.
لم أتعرف إلى دنيس غولدبرغ، ولكني التقيت صديقيه في النضال، روني كسرليس، الذي كان وزير الخدمات السرية أثناء رئاسة مانديلا، وبن تورك، عضو البرلمان من قبل الـ «آي آند سي»، وهما يهوديان أيضاً.
لم يكن هناك الكثير من اليهود الذين ينتقدون بشدة إسرائيل كما كانوا. ليس بالإمكان أن تكون محارباً من أجل الحرية مثلهم وتفكر بصورة مختلفة.
في نظر أشخاص مثلهم، يعرفون شيئا أو شيئين عن حقوق الإنسان وعن المساواة وعن النضال، فإن إسرائيل هي دولة ابرتهايد بالضبط مثلما كانت بلادهم.
ولكن في إسرائيل لا يريدون أن يعرفوا عن غولدبرغ وأصدقائه. أيضا بيت سفير جنوب إفريقيا في رمات غان متروك منذ عدة أشهر: احتجاجا على سياسة الاحتلال والابرتهايد. في مصادفة هزلية، مات غولدبرغ في يوم استقلال إسرائيل. فلنشعل هنا شمعة رمزية لذكراه.

عن «هآرتس»