بقلم: نحميا شترسلر
لا يوجد أفضل من "يوم الغفران" من أجل حساب النفس. قد تكون فكرة حل الدولتين فشلت، ويجب الذهاب الى الامام لحل افضل هو "الدولة الواحدة" التي تكون ديمقراطية ورحيمة ومتساوية، دولة كل مواطنيها، ترعى كل سكانها دون تمييز ودون مواقف مسبقة وتكون نموذجا عالميا للسلام والاستقرار – الذئب يعيش الى جانب الخروف، والنمر يرعى الى جانب الجدي.
هذه الفكرة جذابة وتناسب جميع الرومانسيين الذين لا يفهمون شيئا عن النفس الانسانية ولا يتعلمون شيئا من التاريخ. لا يفهمون أن الانسان مخلوق قبلي بطبيعته. قبل 2 – 3 ملايين سنة عاش الانسان الاول في مجموعات صغيرة وفرت الامن الجسدي والغذائي والاجتماعي، ووفرت ايضا الشعور بالانتماء. بعد ذلك انتظم الانسان في قبائل سمحت له بالبقاء في محيطه الخطير.
استبدلت القومية القبيلة على شكل الدولة، حيث وظيفتها الدفاع عن الانسان في وجه التهديد الداخلي والخارجي بمساعدة الجيش والشرطة، وهي تشكل مظلة وجودية عند وجود ضائقة أو مرض، وتوفر الدولة ايضا الحاجة النفسية العميقة للانتماء الى مجموعة معينة. ومن اجل الدولة الانسان مستعد للتضحية بحياته.
وحتى يكون واضحا للانسان من هي المجموعة التي ينتمي اليها أفرزت القومية تمايزا في اللغة والثقافة والتاريخ والدين. هذا هو سبب حفاظ اليهود على هويتهم القومية خلال ألفي عام، وبعد ذلك أقيمت هنا، في هذا المكان المميز في العالم حيث الصلة التاريخية، دولة ملجأ. هذا هو السبب الذي يدفع الفلسطينيين بعد أن تبلوروا كقومية الى السعي لاقامة دولة مستقلة خاصة بهم. لذلك فان حل الدولة الواحدة غير ممكن وهو ينافي طبيعة الإنسان.
ولاثبات ذلك يكفي أن تنظر حولك، الى الدول التي حاولت أن توحد في داخلها قوميات بشكل مصطنع، حيث تعاني هذه الدول من حروب داخلية، احيانا خفية وأحيانا ظاهرة.
في تركيا مثلا هناك حرب اهلية طويلة ودموية لأن الاكراد يريدون دولة خاصة بهم. العراق وسورية وليبيا تمر بعملية دموية من التفكك القومي. الاتحاد السوفييتي تفكك الى عدة دول قومية. والشيء ذاته بالنسبة ليوغوسلافيا. في بلجيكا الفالونيين السبعة يكرهون الفلميين. في اسبانيا توجد مجموعات الباسك السرية. ومنطقة كاملة، كتالونيا، تسعى الى الاستقلال. في كويبك يريدون الانفصال عن كندا والكثير من الاسكتلنديين لا يريدون بريطانيا.
لدينا الوضع أخطر كثيراً، حيث يدور الحديث عن شعبين لديهما وعي قومي عميق، ويختلفان عن بعضهما في كل شيء. واذا فرضوا عليهما العيش معا في دولة واحدة فستكون هذه دولة الحرب الاهلية التي لا تتوقف، بكل الاشكال وبما في ذلك العمليات "الارهابية" والقتل.
ستحاول كل قومية الحصول على الاغلبية في واقع ينقسم فيه السكان الى نصفين متساويين. الصراع العنيف سيشمل كل مجالات الحياة، من تطبيق قانون العودة أو حق العودة وحتى أداء الجيش وتوزيع الميزانيات. لن يكون المواطن مواليا للدولة المصطنعة بل لقوميته، وهو سيقاتل جاره بكل قوته اذا كان من القومية الاخرى، وسيشعر بالقرب ممن هم من قوميته.
لذلك فان الدولة الواحدة هي فكرة لا اساس لها ولا يمكنها أن تقوم. هناك من سيتركها فورا، وهناك من سيتجند للحرب الاهلية الدموية، حتى يفهموا أنه عندما تنبأ النبي يشعياهو حول الذئب والخروف، فانه كان يقصد نهاية العالم، إلا إذا كانت نهاية العالم قد حانت.
عن "هآرتس"
أمريكا وإسرائيل..اليوم التالي لحرب لبنان توازيا مع حرب غزة
01 أكتوبر 2024