عشر أسباب تسهل عمليه الضم الصهيونية للاغوار الفلسطينية

حجم الخط

بقلم د. رائف حسين

 

 الضم الصهيوني للاغوار الفلسطينية اتي ان لم نغير كل شيء. هذا الضم ليس هو بداية كما وأنه ليس ردة فعل أو عنجهية نتانياهويه … انها تكمله لمشروع بدأ في سبعينات القرن الماضي بالاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 ومستمر دون انقطاع حتى يومنا هذا مرورًا بسن قانون القدس في الكنيست وضمها لإسرائيل عام 1982 وصولًا إلى صفقة القرن وانكار سيادة الشعب الفلسطيني على قسم صغير من وطنه.

 

ردات الفعل الفلسطينية الرسمية على قرار الضم تعبر بشكل صارخ عن حالة الضياع الفلسطيني الكامل. تصريح الرئيس محمود عباس ان الضم سيعني انتهاء العمل بكل الاتفاقات الموقعة وتصريحات صائب عريقات واخرون من رجال الصف الأول بالسلطة ان الضم يعني دفن حل الدولتين يوضحان جليًا عمق المأزق السياسي الفلسطيني وفقدان البوصلة النضالية والإفلاس الفلسطيني الكامل.

حماس تفاوض على هدنه والمعارضة تصدر بيانات والسلطة (فتح ) تستنكر … والشعب يكافح من اجل لقمة العيش .

إسرائيل تخطو يوميًا خطوات واضحة، دبلوماسية وسياسية وعلى الأرض ببرنامج ضمها واستيطانها ومشروعها الكولونيالي ... والفلسطيني يتمنى ان تمر هذه "الغيمة السوداء" بخير !

السياسة فن الممكن … بالتمني لوحده انت تعيش بالخيال لتفيق بعد فتره وجيزة على واقع اسود حالك داقع.

عشر أسباب تسهل على إسرائيل مشروع ضمها ودفن الحلم الفلسطيني بالدولة المستقلة

أولاً ؛ اتفاقات أوسلو جعلت من أراضي الدولة الفلسطينية أراضي متنازع عليها .

بغض النظر عن كلام بعض الأطراف الفلسطينية عن تجاوز اتفاقات أوسلو كون الطرف الاسرائيلي لم يلتزم بها وخرق بنودها مرارًا وتكرارًا … الحقيقة هي ان منذ بداية المحادثات على هذه الاتفاقية كان هنالك تصوران: تصور فلسطيني (أوسلو فلسطيني) مبني على الأحلام وتصور اسرائيلي اخر (أوسلو اسرائيلي) مبني على مشروع مدروس محكمة خطواته باستراتيجية تراكميه نرى إرهاصاتها على الأرض. أوسلو فلسطين تم تجاوزه منذ التوقيع والتسليم بان الأرض متنازع عليها وأوسلو إسرائيل بدأ بالتحقيق باليوم الأول عندما رضي الفلسطيني بهذا البند.

ضم الأغوار هو تجسيد مكملا لهذا البند كما كان الاستيطان بالقدس الشرقية وبمناطق ب ومناطق ج من الضفة الغربية تجسيدا اوليا وتراكميًا له.

تنفيذ بنود آية اتفاقية بين طرفي النزاع يحتاج إلى قوة فرض… هذه القوة تملكها إسرائيل بوحدتها الداخلية واستراتيجياتها الدبلوماسية ودعمها من الخارج وتفتقر لها الحالة الفلسطينية في كل مستوياتها.

ثانيًا ؛ إجراءات مصادرة الأراضي الفلسطينية منذ 1994 والرد الرسمي والشعبي الفلسطيني عليها.

منذ بداية عهد السلطة الوطنية الفلسطينيه وحتى اليوم قامت إسرائيل بمصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الفلسطينية وبنت عليها المستوطنات أو جعلتها " محميات طبيعية" . عدد المستوطنات زاد اضاعفا وكذلك عدد المستوطنون … السلطة الوطنية جابهت هذه الاستراتيجية بالاستنكار والبكاء في المحافل الدولية وأحيانًا كانت توقف المفاوضات مع الطرف الاسرائيلي لتعود اليها بعد فترة وجيزة دون ان تحقق أي إنجاز ودون ان تعيد شبرًا واحدًا من الأراضي المصادرة !

الحالة الشعبية الفلسطينية كانت تنتفض احيانا غضبا على إجراءات الاحتلال لكن سرعان ما كانت تتلاشى هذه الهبات لفقدان الاستراتيجية النضالية وضعف المعارضة وتواطؤ السلطة من مبدأ " الحفاظ على الإنجازات" . الهبات الشعبية الصادقة النابعة عن حس وطني عالي كانت سريعا تصادر من قبل القوى السياسية الفلسطينيه كاداة لنزاعاتها الداخلية. إسرائيل، التي تعمل وفق استراتيجية واضحة، كانت تتراجع احيانا عن هرولتها الى الأمام بمشروعها الاستيطاني لتمتص غضب الشارع الفلسطيني وتحتوي "زعل حلفائها" بالغرب لتعود بعنفوان جديد لتكمل خططها. إسرائيل كانت تدرك تمامًا سيكولوجيا العقل الفلسطيني الرسمي والشعبي وتعرف حدود "زعل حلفائها"… وهي تعرف تمامًا ان عملية الضم سوف تسير وفقا للسيناريوهات القديمة … لذا لا تخشاها.

ثالثًا؛ مصير السلطة الفلسطينيه ومصير معظم رجالها، السياسي والمادي، اصبح بيد اسرائيل.

منذ بداية العمل باتفاقيات أوسلو وما تلاها من تفاهمات واتفاقات حرصت اسرائيل على ان يكون الطرف القبيل لها هي السلطة الفلسطينية وليس منظمة التحرير الفلسطينيه. الاستراتيجية كانت خلق سلطه بمؤسسات واجهزة ورجال تنافس على الأرض م ت ف.

إسرائيل غضة النظر عن تجاوز السلطة في بناء اجهزتها الأمنية وتسليحه لاتفاقات اوسلو  وسمحت للسلطة ان "تلعب دور الدولة" بوزراء وسفارات واجهزه وبروتوكول رسمي قناعة منها ان هذه الامتيازات سوف تجعل من المنتفعين منها اداة للسيطرة على الوضع الداخلي الفلسطيني وإعفاء الاحتلال من كل التزاماته. وكلما زاد المنتفعون من السلطة كلما اصبح بقاء السلطة هدف بحد ذاته. بعد ربع قرن نرى ان طبقة واسعة حصلت على امتيازات اقتصادية واجتماعيه وسياسية وأصبح همها الوحيد المحافظة على هذه الامتيازات ودرء أي خطر يهدد هذه الامتيازات . مقاومة الضم، بكل الوسائل، يهدد امتيازات هذه الطبقة المتنفذة والتي اصبح مصيرها بيد إسرائيل وتحت رحمة سياسييها.

رابعًا؛ الشرذمة للكيان الفلسطيني وتقسيمة إلى مناطق أ ب ج

قبول السلطة الفلسطينية على خطة تقسيم أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى مناطق مختلفه بسيادة جزئية على بعضها وانعدام السيادة على قسم كبير اخر منها فتح باب الجشع الاستعماري الصهيوني على مصراعيه. في مناطق ج حيث لإسرائيل الكلمة الأولى والأخيرة تمت مصادرة الأراضي وبناء المستوطنات وفي مناطق ب حيث تملك إسرائيل حق الفيتو وبيدها الحل والربط حولت الأراضي إلى محميات طبيعية ومنعت الفلاحين من الوصول إلى حقولهم وزرعت شبكة محكمة من الحواجز ونقاط التفتيش لتمنع أي تواصل بين الفلسطينيين والمستوطنات الصهيونية. وببناء الطرق الالتفافية ضمنت إسرائيل تحرك قطعان مستوطنيها دون ان يمروا بمناطق أ، مكان تواجد اكثر من 80% من السكان الفلسطينيين. ببناء جدار الفصل العنصري قسمت إسرائيل الضفة الغربية الى كانتونات مقطعة الأوصال مغلقة بالجدار والحواجز العسكرية وأصبحت السيطرة على بقع سكانيه محكمة للغاية وقطعت بهذه الخطوات كل إمكانيات التماس بين المستعمرين والسكان الأصليين.

هذه الشرذمة الاستراتيجية لم تعيق فقط التواصل الاجتماعي والثقافي والاقتصادي بين أوصال الوطن الفلسطيني بل قطعت أيضا إمكانيات تواصل النضال. هذا ما نتابعه في مجابهة الجدار ومصادرة الأراضي في مناطق ب و ومناطق ج وضعف الزخم النضالي أمام الاستعمار الزاحف بفلسطين. ضم الغور والذي يقع في مناطق ج بعيدا عن الزخم السكاني في المدن الفلسطينيه سوف يجعل نضال أهل القرى هناك نضال داوود الفلسطيني ضد جوليات الصهيوني.

خامسًا؛ استبعاد الأكثرية الساحقة من سكان الضفة الفلسطينية عن النضال المباشر ضد الاحتلال.

تضخيم اجهزة السلطة الإدارية والأمنية وربط حوالي مئتي الف إنسان بالمعاش الشهري الذي تدفعه السلطة لموظفيها جعل هؤلاء وعائلاتهم ( حوالي مليون إنسان ) رهائن للقمة العيش. السلطة تعني لهم الحياة وانتهائها يعني انتهاء حياتهم بشكل أو اخر. النضال ضد الاحتلال يعرض السلطة واستمرارها للخطر وبهذا يعرض لقمة عيش نصف السكان للخطر. هذا الدياليكتك الاستعماري كتبت عنه مراكز الدراسات الاسرائيلية دراسات عديده وكان منذ بداية السلطة الفلسطينية جزء أساسي من الاوسلو الاسرائيلي وخطة تحييد أقسام كبيرة من الفلسطينيين عن مواجهة الاحتلال. ببناء جدار الفصل العنصري وزرع نقاط التفتيش زاد هذا الشرخ وتم تحييد الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين من ساحة النضال والمواجهة المباشرة مع الاحتلال.

سادسًا؛ لكم ضفتكم ولنا غزتنا … الانقسام الثلاثي وضياع المصير المشترك

خروج الاحتلال من غزة سنة 2005، الذي وصفه البعض " بتحرير غزة" مهد الطريق لانقسام جغرافي اجتماعي اقتصادي وسياسي فلسطيني. الانقسام جعل من فلسطين سلطتين وجغرافتين بمصيرين منفصلين وقيادتين ببرنامجين متعارضين. هذا الانقسام كان وما زال هدية سخية للاحتلال وإدامته خدمة مجانيه للمحتل. أسرائيل تعمل كل ما في وسعها وباستراتيجية الجزر والعصا تجاه السلطتين لإدامة الانقسام … هي تقوم بهذا لانه يخدم مصالحها … أما لماذا يغذي أطراف الانقسام، فتح وحماس, هذا الانقسام؟ فهذا سؤال لم يطرحه الشعب الفلسطيني للأسف على الطرفين بالطريقة المناسبة حتى الان!

ضم الأغوار الفلسطينية اصبح، كما نتابع، شأن ضفاوي بامتياز … فلا يغركم تهديدات حماس الرنانه … هي جزء من مسرحية النضال ليس الا … وإسرائيل تدرك هذا تمامًا .

مصير غزة لم يعد من مصير الضفة والعكس صحيح …ومصير الشعب الفلسطيني ضاع في ملفات الانقسام وقُدِم قربانا لسلطتي غزة ورام الله.

سابعًا؛ م ت ف وضياع الهوية الفلسطينية

منذ حرب أسرائيل على منظمة التحرير في لبنان عام 1982 وحربها على مؤسسات وقيادات منظمة التحرير بالضفة والقطاع كان هدفها الاستراتيجي بعيد المدى هو القضاء على منظمة التحرير التي أصبحت ليس فقط الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني المعترف بها عالميًا,  بل أصبحت أيضًا الهوية الجامعة لكل الفلسطينيين بغض النظر عن أماكن تواجدهم.

م ت ف وحدت المصير الفلسطيني قبل ان توحد برنامجه السياسي ونضاله من اجل حق تقرير المصير. هذا كان العمود الفقري الذي بني عليه الحلم الفلسطيني والذي دأبت إسرائيل لوضع خطط لكسره. بقيام السلطة الوطنية التي أصبحت بديل عن منظمة التحرير وصلت إسرائيل تقريبا غايتها… الفلسطيني "الكريم" قام بمنح إسرائيل ما تريده، فهمش مؤسسات منظمة التحرير ودفن الهوية الفلسطينية الجامعة بيديه. وأصبح النظام الفلسطيني الوطني مقطع الأوصال، كل يحاول إنقاذ واقعه ويقلع شوكته بيده… اللاجئ بأمره والغزاوي بكفاحه من اجل البقاء والضفاوي يصارع والمغترب يلعق جروح منفاه والفلسطيني بالداخل يؤكد على خصوصية واقعه. إسرائيل لم تعد تواجه شعبا موحد بقياده موحده وبرنامج واحد لمصير مشترك … بل هي تراقب من بعيد كيف تتنافس اشلاء الشعب الفلسطيني على الفتات.

ردات الفعل المتواضعة على ضم القدس ونقل السفارة الأمريكية من قبل مكونات الشعب الفلسطيني أعطت الاسرائيلي حافزًا ليسرع في مشروع ضم الأغوار. وهو يدرك تمامًا ان مجابهة هذه الخطوة من قبل الشعب الفلسطيني المتشرذم المنشغل بهمومه المحلية امر يمكن تجاوزه سياسيًا وأمنيًا بسهوله.

ثامنًا؛ بالاستنكار لا تبنى مواجه … الرأي العام العالمي لن يكون كاثوليكيا اكثر من البابا.

التعويل الفلسطيني على الرأي العام العالمي دون استراتيجية وطنية واضحة له تاريخ حافل بالفشل. تذكرنا لزيارات الرئيس الراحل عرفات المكوكية لعواصم الدول العالمية ليشكو الاسرائيلي الذي لا يلتزم بالاتفاقات تجعلنا نراجع زمن بداية الضياع الفلسطيني وفقدان الرؤية … استنكارات الرئيس محمود عباس ورسائله لرؤساء العالم متمنيا عليهم الضغط على الاسرائيلي لكي لا يحرجه أمام شعبه تجعلنا نذرف دمع علقم مر على ما آلت اليه الحالة الفلسطينيه … والدبلوماسية الفلسطينيه … حدث ولا حرج!

زعماء العالم سوف يستنكرون خطوة إسرائيل بضم الأغوار وممكن ان تدعوا بعض الدول السفير الاسرائيلي لاسماعه بعض الكلام " الجارح" قبل الذهاب معه لتناول طعام العشاء سويا كما يفعل الأصدقاء … اكثر من ذلك في ضل الانقسام الفلسطيني وانعدام استراتيجيه وطنية واضحة لن يحصل. وهذا امر موجود منذ زمن طويل في حسابات الدبلوماسية الاسرائليه.

تاسعًا؛ البعد العربي اصبح في خبر كان.

إسرائيل الثالثة تتبع أيدلوجية الصهيونية الجديدة التي اسميها نتانياهوية … هذه قدمت لبعض الدول ألعربيه رؤيتها لحل الصراع المبنية على التطبيع من اجل الوصول إلى سلام بعيدا عن معادلة الأرض مقابل السلام. بعض الدول ألعربيه وعلى رأسها الدول الخليجية تبنت هذا المفهوم الصهيوني الجديد وتخلت عن مبادرتها المسمى بالمبادرة ألعربيه للسلام من العام 2002. وذهبت بعضها ابعد من ذلك عندما حضرت احتفال الإعلان عن صفقة القرن التي ترسم خطوات ضم الأغوار للكيان الصهيوني… والشعوب العربية معظمها منشغل في همومها اليومية في ظل انعدام ملامح المواطنة في دولهم … وزاد الطين بلة بعد ما سمي بالربيع العربي … التضامن مع فلسطين ما زال عنوان لأكثرية الشعوب العربية الا ان تجسيد هذا التضامن اضمحل مع الوقت واصبح قاب قوسين او ادنى ليرقد في خبر كان في ضل الأوضاع الفلسطينية الداخلية المخزية .

عاشرًا ؛ المجتمع اليهودي الاسرائيلي يقف بأكثريته مع ضم الأغوار.

في الماضي البعيد كان هنالك تيارات بالمجتمع الاسرائيلي اليهودي تؤمن وتصارع من اجل حل الدولتين وانهاء الاحتلال… هذا كان في إسرائيل الاولى وإسرائيل الثانية وانتهى في إسرائيل الثالثة التي بدأت مع صعود نتانياهو عام 2006 وبداية النتانياهويه ، الصهيونية الثانية.

هذه الايدولوجية, الصهيونية الجديدة, لا تري مكان لدولة كاملة السيادة بين الأردن وإسرائيل كما وترى ان حقها الإلهي في أراضي الضفة الغربية حق مقدس لا تنازل عنه. خطة نتانياهو بضم الأغوار تلاقي دعم الأكثرية الساحقة بالمجتمع اليهودي الاسرائيلي ومن يعارض هو فقط يعارض طريقة الضم وتوقيته لكن لا يعارض مبدأه … لهذا تستند هذه الخطوة على اجماع صهيوني قل مثيله بالماضي وممكن تشبيهه بالاجماع حول ضم القدس الشرقية.

الضم اتي لا محالة ان لم تقف القيادات الفلسطينية وتتجاوز انقساماتها الشخصية والفئوية وتضع مصلحة الشعب والوطن بأعلى سلم أولوياتها وتعمل يد بيد لتقديم استراتيجية نضال موحده ضد الاحتلال وارهاصاته على الارض… حل الدولتين اصبح منذ سنين طويل في خبر كان وعزة الميت بدفنه لا بالنواح عليه!

ان الأوان لطرح استراتيجية فلسطينيه هجوميه جديدة تطالب ببناء دولة فدرالية ديمقراطية على أراضي فلسطين التاريخية … هذه الاستراتيجية تحمل في طياتها حلولاً واضحة لكل المعضلات وتجيب على كل الأسئلة ألآنية والمستقبلية وتؤمن العيش بسلام واطمئنان لكل من يرغب بالسلام من الطرفين.