على القيادة الفلسطينية تقديم اقتراح مضاد لخطة ترامب

حجم الخط

بقلم: دينيس روس وديفيد ماكوفسكي*

 

لسنا من المعجبين بخطة ترامب للسلام، فهي تقسم ما يمكن أن تكون أراضي الدولة الفلسطينية المستقبلية إلى كتل صغيرة تفتقد للامتداد الجغرافي، لغرض ضم جميع المستوطنات الإسرائيلية الـ 130 الى إسرائيل. وهي تدعو كذلك الى استيعاب 15 مستوطنة معزولة والمقامة داخل ما يفترض ان تكون الدولة الفلسطينية في إسرائيل، مما يثير أسئلة الاختصاص القضائي الأساسية داخل الدولة العتيدة. وهي تحرم الدولة الفلسطينية من حدودها مع الأردن، وبالتالي تكون الدولة دون ارتباط بمحيطها العربي.

وسواء كانت هذه المشاكل عملية أو نفسية، فإن العيب الأساسي للخطة هو أنه من خلال استيعاب كل المستوطنات، فان ذلك يجعل هذا من فصل الإسرائيليين والفلسطينيين في دولتين أمرًا مستحيلاً.
 ومنذ عام 2000، كانت المقاربة الأميركية تجاه المستوطنات تفهم أن البعض منها بحاجة الى الضم الى إسرائيل كجزء من أي اتفاق سلام. وبالفعل كانت السياسة الأمريكية تجاه الإسرائيليين والفلسطينيين تتحدث عن ضم الكتل الاستيطانية الى إسرائيل، وهي تجمعات المستوطنات المقامة في المناطق الأقرب إلى خطوط الرابع من حزيران 1967، ومن ثم تعويض الفلسطينيين بأراض مقابل القيام بذلك. وتلك المقاربة المعروفة منذ فترة طويلة باسم "الكتل الاستيطانية للتبادل"، لها ميزة الحفاظ على خيار الانفصال ودولتين لشعبين.

وللأسف فأن خطة ترامب، ما لم يتم تعديلها، تجعل الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين مستحيلاً، مما ينتج دولة واحدة لشعبين، وهذه وصفة لاستمرار الصراع.

لكن الرد الفلسطيني الحالي برفض التعامل مع ترامب يضمن أسوأ ما في العالم. فالرفض يجعل من السهل على إسرائيل المضي قدمًا ويمنح إدارة ترامب الذريعة لدعم الضم الإسرائيلي من جانب واحد.

ولطالما كان الرفض والقول لا، الطريق السهل للقادة الفلسطينيين. فهم يسعون للاحتفاظ بقدسية القضية، حيث لا يمكن لأحد الإدعاء أنه استسلم أو تنازل عن أي شيء، ويحافظون على شعار "المقاومة" التي تُبقى رموز الحركة على حالها، وكلها أوسمة للشرف. ولذلك كان من الطبيعي القول لا لمعايير كلينتون عام 2000 على الرغم من أن الفلسطينيين كانوا سيحصلون على دولة حقيقية وعاصمة في القدس الشرقية تشمل جميع الأحياء العربية في المدينة. وبالنسبة لعرض أولمرت عام 2008، لم يرد الفلسطينيون على الإطلاق، على الرغم من أنه قدم للفلسطينيين أكثر من كلينتون من حيث الكتل وتبادل الأراضي. وعندما قدم الرئيس أوباما إطار عمل في 17 آذار 2014، كان جادًا، كما نجم ذلك عن جهد مكثف، إلا أن الفلسطينيين فشلوا مرة أخرى في الرد رغم أنهم وعدوا بالقيام بذلك في غضون أسبوع.

وكان من الممكن أن ينتج عن ذلك دولة قابلة للحياة وذات مصداقية. ومع ذلك لم تسفر أي من تلك العروض عن أي اقتراح مضاد من القيادة الفلسطينية. (سأل أحد المفاوضين الفلسطينيين السابقين في حديث خاص: "هل يمكنك أن تتخيل أين سنكون إذا قبلنا معايير كلينتون في أيلول 2000؟). ونسمع آراء مماثلة في محادثات خاصة في بلدان عربية مختلفة. وهناك فقط، يتم التعبير عن الإحباط والسأم من الفلسطينيين بشكل أكثر حدة، ونُسأل لماذا نضيع وقتنا في هذه القضية "عندما يكون الفلسطينيون غير قادرين على قول أي شيء غير لا وطرح مواقف لا تخدم القضية الفلسطينية.فبالنسبة لأولئك الذين يردون بالقول أننا لم نتنازل أكثر ونذل أنفسنا، فقد يكون ذلك صحيحا. وأيضا هناك شيء آخر صحيح: الاحتلال مستمر، وأن القدسية الفلسطينية والشلل في يد اليمين الإسرائيلي الذي يستغله للدفع بالمزيد من النشاط الاستيطاني. فالوقت ليس الى جانب الفلسطينيين كما أن الرفض المستمر يؤدي إلى قدر أقل من الاهتمام الدولي بقضيتهم وطرح أقل العروض للحل.

لقد حان الوقت للقادة الفلسطينيين للتفكير بدرجة أقلبالقدسية وأكثر بالنتائج. وحان الوقت للقادة الفلسطينيين للتفكير أكثر برفاهية الجمهور الفلسطيني وبدرجة أقل بصورهم كمقاومين. وحان الوقت للقادة الفلسطينيين أن يكونوا أذكياء وينهوا نمط الخسارة الفلسطينية والإذلال الحتمي.

وهناك طريقة واحدة للقيام بذلك: التعامل مع إدارة ترامب. ونحن نعلم أن ذلك صعب على الفلسطينيين بعد إعلان ترامب بشأن القدس، وقطع تمويل الأونروا، ووقف المساعدات للمستشفيات في القدس الشرقية. ونحن لا نستخف بتقديم هذا المقترح. لكن الواقع هو أن الرئيس ترامب عندما أعلن عن خطته قال أن الفلسطينيين لديهم فترة أربع سنوات للانخراط، ودعا وزير الخارجية مايك بومبيو الفلسطينيين علنا ​​إلى تقديم اقتراح مضاد إذا كانت لديهم مشاكل مع الخطة.

لذا يجب على القادة الفلسطينيين اختبار هذه الكلمات، خاصة لأنه في حال غياب الانخراط، سيوافق ترامب على مضي رئيس الوزراء نتنياهو قدمًا بضم المناطق الممنوحة لإسرائيل في الخطة، ولربما بعد وقت قصير من الأول من تموز. وصحيح ان الدول الأوروبية والعربية ستواصل انتقادها المكثف لإسرائيل للقيام بذلك، لكن انشغالهم بكوفيد 19 وضرورة الاستجابة للدمار الاقتصادي يعني أن من غير المحتمل أن يفعلوا أي شيء غير ذلك ذي معنى للفلسطينيين.

لكن بامكان القادة الفلسطينيين القيام بشيء لأنفسهم ولشعبهم. وعلى الرئيس عباس الإعلان عن أنه في الوقت الذي يوجه فيه انتقادات كبيرة لخطة ترامب وعدم استعداده لقبول شروطها الحالية، فإنه مستعد لتقديم اقتراح مضاد جاد، وأنه مستعد لفحص إذا ما كانت الخطة هي مقترح للأخذ به أو إهماله، وإظهار الفلسطينيين بأنهم غير مشلولين. ويمكنه أن يضيف فيما إذا كانت خطة ترامب قد صممت لتعزيز مفاوضات بحسن نية، فهو مستعد وبهذه الروح أن يقدم اقتراحًا مضادًا متوازنا ومتضمنا أفكارا جديدة، من شأنه أن يؤدي الى دولتين قابلتين للحياة حقًا.

ولربما سيجادل البعض في أن مشاركة الفلسطينيين ستساعد ترامب، فالافضل للفلسطينيين الانتظار لمعرفة ما سيحدث في تشرين الثاني على أمل أن يفوز الديمقراطيون بالانتخابات والنأي عن خطة ترامب. وبالطبع، كل شيء ممكن ولكن يجب أن لا تكون هناك أوهام: هذه القضية لن تؤثر إلا قليلاً على الناخبين الأمريكيين، ولا توجد ضمانات حول نتيجة الانتخابات أو ما سيفعله الديمقراطيون إذا فازوا. وعلاوة على ذلك، فمن المرجح أن تساعد البراغماتية الفلسطينية انخراط الإدارة الديمقراطية الجديدة في هذه القضية في وقت ستكون فيه بالتأكيد انشغالات أخرى في عهد الرئيس.

حان الوقت للقادة الفلسطينيين لتغيير آلية التعاطي، وتقديم اقتراح مضاد حقيقي وليس مجرد تكرار للشعارات القديمة، والاستعداد وعدم الإنتظار بأن يأتي شخص لإنقاذهم. فما ييعلمنا التاريخ اياه بأن لا أحد سيفعل ذلك.

* دينيس روس وديفيد ماكوفسكي زميلان في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى. شغل روس مناصب رفيعة للرؤساء الجمهوريين والديمقراطيين وكان مبعوثًا لبيل كلينتون إلى الشرق الأوسط.