أزمة «كورونا» وأهمية تقوية المختبرات الوطنية

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

بقلم: عقل أبو قرع

دروس كثيرة تعلمناها وما زلنا وسوف نتعلمها في المستقبل من أزمة «فيروس كورونا» الحالية، سواء أكانت تتعلق بأهمية الوقاية والإجراءات الاحترازية، أو بأهمية التعاون والعمل كفريق واحد من كافة الأجهزة المعنية بالأزمة، أو بأهمية وجود الثقة مع الناس في الشارع وفي البيوت، وبالتالي الالتزام بالتعليمات والخطوات العملية المطلوبة، أو بأهمية وجود القادة والقيادة التي تخطط وتقرر وتنفذ بشكل تناغمي يخدم المصلحة العامة، وربما من أهم الدروس هو ضرورة وجود البنية التحتية القادرة على التعامل مع الأزمات، وفي حال الأزمة الحالية، أي أزمة كورونا ذات الطابع الصحي العام، ضرورة وجود البنية التحية من كوادر بشرية وأجهزة ومعدات ومواد مخبرية وطبية وأدوية وأدوات الوقاية وعيادات وغرف العناية المكثفة وأجهزة التنفس الاصطناعي وغيرها.
وكذلك وجود نظام معلومات وتواصل متكامل يوثق الفحوصات والحالات والمخالطين ويتتبع ما يحدث، ومن أهم عناصر هذه البنية التحتية هو وجود مختبرات وطنية، تحوي الأشخاص المؤهلين والمدربين، وتشمل أجهزة للفحوصات ومواد الفحص، وبروتوكولات وتعليمات جاهزة وموثقة للفحص والنشر والتتبع، وبيئة صحية ملائمة للتعامل مع مواد ملوثة وخطيرة، بدون الحاجة الى انتظار وصول مواد من هنا أو من هناك، أو الحاجة لاجراء تدريبات في آخر لحظة، أو الحاجة لقرار سياسي أو مالي بتخصيص الأموال لهنا أو لهناك.
وفي مثال أهمية المختبرات الوطنين، فإن ما ينطبق على الأزمة الحالية «كورونا»، ينطبق كذلك على أزمات أخرى يمكن أن تحدث، مثل حالات تسمم جماعي لسبب ما وفي ظرف ما، سواء أكان تسمماً كيميائياً أو بيولوجياً، أو تلوث الطعام والمياه، أو في حالة المختبرات الجنائية مثلاً، حالات وفاة غامضة واحتمال انتشار واسع للمخدرات وبأنواعها وما الى ذلك، هذا بالاضافة الى احتمال تفشي أمراض أخرى، ليس من الضرورة أن يكون السبب فيها فيروس، ويمكن أن يكون بكتيريا في حالات أمراض معدية، مثل مرض «السل»، أو كائنات دقيقة أخرى مثل حالات الملاريا، أو تكون بكتيريا مقاومة لادوية عديدة وناقلة لأمراض معدية خطيرة، وهذا جميعه يتطلب وجود التحضيرات والبروتوكولات والادوات والاشخاص وحتى لو تم استثمار المال في ذلك.
وأثبتت الازمة الحالية لنا وللعالم مدى أهمية إجراءات الوقاية ووجود التحضيرات الملائمة، لأن تكاليف التعامل مع الازمة تصل الى مئات أضعاف الاستثمار في وسائل الوقاية منها، ولا عجب أن بعض التقارير الحالية تشير الى ان الاضرار المتوقعة لـ «كورونا» على الاقتصاد العالمي قد تصل الى حوالي الـ 8 تريليون دولار أميركي، هذا بالاضافة الى تبعات وتداعيات مئات الآلاف من الوفيات والملايين من الاصابات، التي وصلت الى انه في بعض الدول لا توجد أسرة أو أمكنة من أجل المرضى في المستشفيات والعيادات، والتي لم تتعامل مع الأزمة بجدية ولم تقم بالتحضيرات واجراءات الوقاية المطلوبة.
ومن الامثلة التي يمكن الاستشهاد بها على أهمية الاستثمار في النظام الصحي المتكامل، ومن ضمنها المختبرات القادرة على الفحص السريع والتعرف على العدوى والتعامل مع التبعات، هي النظام الصحي الالماني والكوري الجنوبي وكذلك النظام الصحي التركي، حيث انه من المعروف أن من أهم بنود الميزانية في تركيا كان الاستثمار في التعليم والصحة، التعليم الذي يشمل البحث العلمي ومنه البحوث الصحية والطبية والتي تشمل البحث المخبري، وذلك الاستثمار في النظام الصحي بشكل متكامل ومع توقع أسوأ الأزمات، سواء أكان ذلك في الكادر البشري أو المستشفيات وغرف العناية المركزة والمختبرات وأنظمة التواصل والحصول على المعلومات.
وأثبتت الأزمة الحالية، انه ورغم وصول حالات الإصابة بـ «كورونا» الى أكثر من 140 الف حالة في تركيا، الا أن السيطرة على الوباء كانت سريعة، بفعل توفر الأجهزة وأدوات الفحص السريع وبالتالي العزل والتتبع، وهذا ما أدى الى عدد حالات وفاة منخفض مقارنة بدول أوروبية أخرى، وكذلك توفر المستشفيات والعيادات والأجهزة، حيث أشار تقرير الى انه ورغم عشرات الآلاف من الإصابات، فإن نسبة إشغال غرف العناية المكثفة في تركيا لم تصل الى نسبة الـ 50% من قدرتها الإجمالية، وهذا باختصار يعود الى الاستثمار في النظام الصحي، ومن أهم ذلك البحوث والمختبرات وما تحتاجه من أجهزة ومعدات ومواد واشخاص.
ورغم أننا قد تخطينا هذه الازمة ولو على الأقل في الوقت الحاضر بسلام وبدون خسائر كبيره، ورغم أننا استطعنا التعامل مع هذه الأزمة بمسؤوليه وبشكل علمي مدروس ومن ضمن ذلك اجراء الفحوصات حسب البروتوكولات العالمية، ورغم اننا تعلمنا من هذه الازمة أهمية التواصل وتوفر المعلومات ووجود الثقة والعمل كفريق متكامل، الا أنه مطلوب التحضير للازمة القادمة، والتي قد تكون أخطر واكثر ايلاما، ومن ضمن ذلك الاستثمار في وتقوية المختبرات وبانواعها، ومن خلال كل مكوناتها أو عناصر نجاح عملها، وسواء أكانت الازمة القادمة على شكل فيروس أو بكتيريا أو كائن دقيق مجهول أو تلوث كيميائي للمياه أو الطعام أو الهواء.