تأثير الضمّ أحاديّ الجانب على العلاقات الإسرائيلية - المصرية

حجم الخط

بقلم: أوفير فينتر



بينما يتركز النقاش في موضوع بسط السيادة الإسرائيلية في الضفة الغربية على آثاره على العلاقات مع الأردن والسلطة الفلسطينية، فان على إسرائيل أن تبحث أيضا في آثار الخطوة على العلاقات مع مصر. فقد مالت مصر لتفسر التصريحات في إسرائيل بشأن ضم أحادي الجانب كـ «حيلة» انتخابية، غير أنه منذ توقيع الاتفاق الائتلافي بين «الليكود» و»أزرق أبيض» تغير النهج في القاهرة، التي بدأت بالعمل كي تمنع إسرائيل والولايات المتحدة من تنفيذ الخطوة. فإذا خرج الضم الى حيز التنفيذ، فستكون مصر مطالبة بأن تحسم بين خطوات رد ضد إسرائيل في الساحة العربية والدولية وبين المس المباشر بعلاقات السلام بين الدولتين. واستناداً الى سلوك مصر في الماضي يمكن التقدير بأنها ستفضل الاكتفاء برد منضبط. وفي الوقت ذاته فانّ ضماً إسرائيلياً واسع النطاق، وتصعيداً أمنياً خطيراً بين إسرائيل والفلسطينيين وضغطاً جماهيرياً داخلياً من شأنها ان تجبرها على تشديد خطواتها. إضافة الى ذلك، فان خطوات الضم من طرف واحد تعتبر في مصر نهاية للمسيرة السياسية الإسرائيلية – الفلسطينية، وبالتالي فمن المتوقع لها ان تمس بالدور البناء الذي يمكن لمصر أن تؤديه في دفع مخطط ترامب الى الأمام وتعزيز ميول مشجعة للفلسطينيين لفحص بدائل «الدولة الواحدة» لتسوية النزاع مع إسرائيل.
في مؤتمر صحافي عقد في كانون الاول 2019 طُلب من الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، أن يعقب على التصريحات التي تطلق في إسرائيل بشأن الضم في غور الأردن، وأجاب بابتسامة بأنه «يوجد فرق بين الوعود التي تعطى قبل الانتخابات وبين تنفيذها بعدها». ولكن يبدو ان الاتفاق الائتلافي بين «الليكود» و»أزرق أبيض»، وبموجبه يمكن لرئيس الوزراء أن يطرح ابتداء من تموز بسط السيادة في اجزاء من الضفة الغربية على الحكومة والكنيست لإقراره، غيّر تقدير القاهرة حول نوايا إسرائيل في هذا السياق. وبناء على طلب الفلسطينيين، عقدت الجامعة العربية مؤتمراً عبر الفيديو خاصاً على مستوى وزراء الخارجية في 30 نيسان، خرج منه تحذير بأن من شأن الضم أن يصفي فرص السلام في المنطقة. وشجب وزير الخارجية المصري، سامح شكري، محاولة إسرائيل استغلال أزمة كورونا لتحقيق خطوات من طرف واحد وتثبيت حقائق على الارض، في ظل خرق القانون الدولي، على حد تعبيره.
ان اعتراض مصر على خطوات ضم من طرف واحد من جانب إسرائيل يقوم على عدة مداميك. في أساسه التضامن المصري التقليدي مع قضية الفلسطينيين، ومع حقهم في دولة مستقلة قابلة للعيش على أساس حدود 1967. إضافة الى ذلك، فانه يعبر عن مصالح قومية مصرية خاصة: التطلع لاستئناف المفاوضات لتسوية إسرائيلية - فلسطينية تساهم في استقرار المنطقة وقد تؤدي – وفق مخطط ترامب – الى إقامة مشاريع بمليارات الدولارات في الأراضي المصرية نفسها. وفضلا عن ذلك، تخشى مصر من تصعيد عنيف في الضفة الغربية – انتفاضة ثالثة – تزيد التطرف في إرجاء المنطقة، وتعزز القوى الراديكالية، بما فيها «حماس» في قطاع غزة، و»الإخوان المسلمون» في مصر، وتمس بالسياحة وبالاستثمارات الأجنبية، وتثقل على التعاون الحيوي مع إسرائيل، في مجال الغاز مثلاً.
ان أساس التفكير في القاهرة يتركز في هذه المرحلة على البحث عن سبل لاقناع إسرائيل والولايات المتحدة بالتراجع عن افكار الضم واعادة إسرائيل والفلسطينيين الى طاولة المفاوضات. نشر نائب مدير المركز المصري للبحوث الاستراتيجية، اللواء احتياط محمد ابراهيم، في 2 أيار مقالاً حول موضوع ضم غور الأردن، دعا فيه الدول العربية الى وضع هذه المسألة في مقدمة جدول أعمالها الدولي، وذلك من خلال عقد مجلس الأمن لبحث تداعيات الخطوة، وعرض رؤيا عربية فلسطينية موحدة ومتفق عليها أمام مجلس الأمن حول التسوية الشاملة، وكذا إطلاق رسالة تحذير للولايات المتحدة، وبموجبها سيضر الضم بالوضع الأمني في الضفة الغربية، ويضعضع استقرار المنطقة، ويضعف مكانة السلطة الفلسطينية حيال «حماس».
كما لمح إلى ان مصر تتوقع من السلطة الفلسطينية أيضا أن تبدي مزيدا من المرونة كي لا تتمكن إسرائيل والولايات المتحدة من تبرير خطوات احادية الجانب بدعوى أن الفلسطينيين رفضوا مخطط ترامب. ودعا ابراهيم السلطة الفلسطينية لاعادة احتساب طريقها والعمل مع الدول العربية على خطوة مسبقة لإحباط خطة ترامب. وتتضمن هذه الخطوة، على حد قوله، بلورة مخطط عربي فلسطيني بديل لمخطط السلام الأميركي، لا يترك فراغا لخطوات الضم الإسرائيلية، على أساسه تتمكن السلطة الفلسطينية من الدخول الى المفاوضات وإثبات كونها «شريكا» للسلام. وفي مقالات نشرت في الصحف المصرية دعيت «حماس» هي الأخرى إلى الاستجابة، باسم مكافحة الضم، للجهود المصرية لتحقيق مصالحة فلسطينية داخلية، والانضواء تحت القيادة الفلسطينية الشرعية في رام الله.
إذا خرج الضم الى حيز التنفيذ سيكون على مصر أن تحسم طبيعة ردها. يمكن التقدير بان القاهرة ستفضل الاكتفاء برد منضبط لا يعرض للخطر مصالحها الاستراتيجية الحيوية المتعلقة بعلاقاتها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلى رأسها المساعدة العسكري والاقتصادية الأميركية التي تتزايد أهميتها بسبب وباء كورونا؛ والوساطة الأميركية بينها وبين اثيوبيا في أزمة «سد النهضة»؛ والتعاون الأمني مع إسرائيل في مكافحة الإرهاب في شبه جزيرة سيناء. ومع ذلك، فان اعتبارات مصر قد تتغير في ضوء ضم واسع النطاق، وانفجار موجة عنف شديدة بين إسرائيل والفلسطينيين، وتعاظم ضغط الرأي العام الداخلي الذي يحثها على تشديد ردها. إضافة الى ذلك، ستجد مصر صعوبة في التخلف وراء الأردن، فما بالك الدول الأوروبية، إذا ما شددت هذه ردودها على الخطوة.
من غير المتوقع أن يخرج رد «منضبط» كثيرا عن شكل رد مصر على نقل السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف الأميركي بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان. في هذا السيناريو، ستركز مصر على العمل في الأطر العربية والإسلامية الجماعية في ظل الرغبة في الامتناع عن احتكاكات ثنائية مباشرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وستعمل بتنسيق مع الدول العربية لشجب إسرائيل في المؤسسات الدولية ذات الصلة، والدفع الى الامام بخطوات عقابية ضدها. كما من المتوقع صدور بيانات شجب عن وزارة الخارجية المصرية ومكتب الرئاسة وانتقادات ضد إسرائيل في وسائل الاعلام.
الرد «الحاد» من شأنه أن يتضمن مساً بالعلاقات الثنائية مع إسرائيل في مستويات مختلفة من الشدة، بدءاً بتقليص مظاهر السلام، عبر غطاء التعاون وحتى اعادة السفير الى القاهرة. في هذا السيناريو يحتمل حدوث تراجع في التحسن المقنون الذي طرأ على علاقات الدولتين في السنوات الأخيرة، مثل وقف الزخم الإيجابي، الذي نشأ حول «منتدى الغاز في شرق البحر المتوسط»، الذي تشكل في القاهرة في كانون الثاني 2019 والذي تقوم الشرعية لعمله ضمن امور اخرى على اساس مشاركة الاردن والسلطة الفلسطينية، المتضررتين الاساسيتين من الضم. ثمة صعوبة متعاظمة مرتقبة في تحقيق التعاون في مجالات اخرى ايضا، ثنائية واقليمية، وذلك بالذات في وقت أزمة طبية عالمية تشدد على المصالح المشتركة، وتخلق فرصا جديدة للتعاون، وتقلل أهمية الموانع السياسية التقليدية.
وبعد، فان ضما أحادي الجانب سيعزز في مصر الميول – الظاهرة منذ الآن في الخطاب – لفحص بدائل لصيغة «الدولتين» التي تبنتها القاهرة لأول مرة حين أيدت قرار 242 في تشرين الثاني 1967، وجعلت منذئذ معاهدة السلام مع إسرائيل حجر الأساس في سياستها. في وسائل الإعلام المصرية الرسمية تكثر الأصوات التي تقول ان خطوة ضم إسرائيلية ستقضي على مسيرة السلام، وتجبر الفلسطينيين على تغيير فكرتهم وتبني استراتيجيات عمل جديدة لتحقيق قضيتهم، بما فيها التخلص من اتفاقات اوسلو؛ وحل السلطة الفلسطينية؛ والسعي الى «دولة واحدة» مع مساواة في الحقوق والواجبات لكل مواطنيها؛ وتبني نموذج كفاح غير عنيف على نمط الكفاح ضد الابرتهايد في جنوب افريقيا.
لا تزال مصر تتبنى حل الدولتين، ولكن الضم سيجعله غير واقعي في نظرها. والمعنى هو مس محتمل باستعدادها وقدرتها على اداء دور بناء – الى جانب دول عربية اخرى – في تحقيق تسوية إسرائيلية- فلسطينية على اساس خطة ترامب. لقد امتنعت القاهرة حتى الآن عن الاعراب عن المعارضة الرسمية للخطة، بل أفادت ردود افعالها بانها تقدر الامكانيات الاقتصادية الكامنة فيها، وتفهم الحاجة لادراج المصالح الامنية الإسرائيلية في اطارها، ومنفتحة على البحث في صيغ حل وسط ابداعية في المسائل الجوهرية للنزاع. صحيح ان مصر لا يمكنها أن تفرض على الفلسطينيين بنود خطة السلام الأميركية بنصها، ولكن بوسعها أن تشجعهم على تبني مواقف واقعية اكثر، والفهم بان الزمن لا يعمل في صالحهم.
قبل ان تحسم إسرائيل لصالح ضم من طرف واحد، عليها أن تفكر بعناية شديدة في تداعياته السلبية المحتملة على علاقاتها مع مصر. وهذه لن تتلخص بالضرورة في تصريحات وتنديدات في الساحة العربية والدولية، بل قد تصل الى المس بالعلاقات الثنائية، وحشد تحولات جذرية في موقف مصر من مبدأ الدولتين ومن دورها في تحقيق تسوية إسرائيلية – فلسطينية على أساسها. وبالتالي من الأفضل لإسرائيل أن تربط المحور العربي البراغماتي، ومصر في مركزه، بمحاولة حقيقية لاستنفاد الفرص السياسية الكامنة في خطة ترامب والامتناع عن خطوات احادية الجانب وقابلة للتفجير.

عن «مباط عال»