تأثير اللغات وأهميتها تابع بشكل أساسي لعدد الناطقين بها، هذا ما يراه الكثيرون لكن الدراسات التي قام بها علماء اللغويات في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا تظهر نتيجة مختلفة، فالعديد من اللغات الكبرى كالعربية والهندية والصينية والتي يتحدث أكثر من 500 مليون شخص بكل منها على حدة أبعد ما تكون عن المراتب الأولى في ترتيب الأهمية.
في بعض الأحيان تكون لغة ذات تعداد ناطقين صغير نسبياً كالهولندية (التي يتحدث بها حوالى 27 مليون شخص فقط) ذات تأثير أكبر من لغة بعدد ناطقين يفوق 500 مليون إنسان كالعربية، وبحسب الباحثين يعود ذلك إلى كون الهولنديين في مثالنا هنا؛ أكثر اتصالاً بالإنترنت وأكثر ميلاً لتعدد اللغات، مقابل انعزال نسبي للغة العربية وضعف في حركة الترجمة بينها وبين اللغات الأخرى.
على الرغم من امتلاك بعض اللغات عدداً كبيراً من المتحدثين الكليين، فالعديد من المتحدثين عادة ما يكونون متحدثين باللغة كلغة ثانية وليس كلغة أم، فكما هو معروف، تتصدر الإنجليزية الترتيب العالمي للمتحدثين الكليين، لكنها تتأخر حتى المركز الثالث عند احتساب المتحدثين الأصليين فقط.
القائمة التالية تحوي اللغات صاحبة تعداد المتحدثين الأصليين الأكبر:
اللغة الصينية (مندرين): 1.2 بليون متحدث
تنتشر اللغة الصينية في الصين الأم كما في جزيرة تايوان والمناطق القريبة منهما، لكن رغم التعداد الهائل للمتحدثين بها فهي متأخرة جداً في التأثير العالمي، حيث يلعب انعزال الصين على الإنترنت دوراً كبيراً في ذلك، فبدل مواقع التواصل الاجتماعي المعتادة العالمية، يستخدم الصينيون مواقع خاصة بهم وحدهم، صنعت من الصينيين ليستخدمها الصينيون.
اللغة الإسبانية: 414 مليون متحدث
يعود الانتشار الكبير للغة الإسبانية إلى قوة الإمبراطورية الإسبانية سابقاً وشبكة مستعمراتها العملاقة خصوصاً في أمريكا الوسطى والجنوبية. حيث يعيش معظم متحدثي الإسبانية بعيداً عن إسبانيا ويتركز معظمهم في الأرجنتين والمكسيك ودول أمريكا اللاتينية الأخرى (عدا البرازيل المتحدثة بالبرتغالية).
اللغة الإنجليزية: 335 مليون متحدث
اللغة المهيمنة عالمياً في كافة المجالات الأخرى بعيدة عن الصدارة عند احتساب المتحدثين الأصليين فقط، فعلى الرغم من وجود أكثر من 600 مليون شخص يتحدثون الإنجليزية كلغة ثانية، فالمتحدثون الأصليون لا يزيدون عن 335 مليوناً متوزعين في المستعمرات السابقة للإمبراطورية البريطانية مثل: الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا ونيوزلندا حيث لا يشكل البريطانيون سوى أقل من خمس متحدثي اللغة كلغة أولى.
اللغة الهندية: 260 مليون متحدث
عند الكلام عن اللغة الهندية فسيخطر لأكثركم أعداداً أكبر بأضعاف من هذا العدد، لكن الهند صاحبة البليون وربع البليون من السكان لا تتحدث لغة واحدة فقط، حيث توجد لغات أخرى بالإضافة للهندية التي تعتبر اللغة الأولى في الهند مثل: البنغالية والتاميل والإنجليزية وغيرها مما يقلص حصة اللغة الهندية كلغة أم لخمس السكان فقط.
اللغة العربية: 235 مليون متحدث
تمثل اللغة العربية واحدة من اللغات القديمة التي لم تتغير بشكل كبير في القرون الماضية بل حافظت على قواعدها ومفرداتها بشكل كبير (ويعود الفضل في ذلك إلى القرآن الذي وحد لسان العرب) ورغم انقسام العربية إلى العديد من اللكنات واللهجات المختلفة من منطقة إلى أخرى؛ لا تزال اللغة ككل واحدة من أكبر اللغات العالمية ب 235 متحدث أصلي وحوالي 300 مليون متحدث بها كلغة ثانية.
اللغة البرتغالية: 203 مليون متحدث
رغم أن تعداد سكان البرتغال لا يتعدى 11 مليون شخص، فالبرتغالية هي اللغة الأولى لأكثر من 200 مليون شخص في العالم، حيث يقطن معظم متحدثي البرتغالية (أكثر من 90% منهم) في البرازيل التي كانت لفترة من الفترات مقر الإمبراطورية البرتغالية التي سيطرت على مساحات واسعة من العالم الجديد في أوجها.
اللغة البنغالية: 193 مليون متحدث
اللغة البنغالية هي اللغة الأساسية في دولة بنغلادش كما أنها من اللغات الأساسية في الهند وباكستان، وتعاني هذه اللغة من الانحسار نظراً لتهميشها نوعاً ما مقابل الإنجليزية والهندية (وهما لغتا الدوائر الرسمية في الهند أيضاً).
اللغة الروسية: 167 مليون متحدث
اللغة الروسية هي للغة الرسمية لجمهورية روسيا الاتحادية وللاتحاد السوفييتي السابق حيث حققت أقصى نفوذ لها في حقبته. تنتشر اللغة في كل من روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا والجمهوريات السوفييتية السابقة الأخرى. تواجه اللغة الروسية انحساراً ملحوظاً في العقود الأخيرة مع انحدار تأثير روسيا كقوة مهيمنة عالمياً وانحدار اقتصادها بشكل كبير مما يجعل المهتمين بالاستثمار والأعمال يحجمون عن تعلم اللغة لضعف جدواها.
اللغة اليابانية: 120 مليون متحدث
تنتشر اللغة اليابانية في الأرخبيل (مجموعة الجزر) اليابانية بشكل أساسي، ويعتقد أن طبيعة انعزال الجزر اليابانية جغرافياً عن محيطها أثر بشكل كبير بجعل اللغة حصرية للمتحدثين الأصليين بها على الرغم من وجود تأثير كبير للغتين الصينية والإنجليزية على مفرداتها وطريقة كتابتها.
لغة الجافا: 84 مليون متحدث
لغة الجافا هي اللغة الخاصة بقومية الجافا التي تسكن الجزيرة التي تحمل نفس اسمهم في إندونيسيا. يشكل المتحدثون باللغة حوالي 42% من إجمالي سكان إندونيسيا مما يجعلها اللغة الأقوى في البلد لكن ذلك لا يعطيها الانتشار الواسع الذي تحققه اللغات المؤثرة مما يجعلها لغة "ضعيفة" إن صح التعبير على الرغم من عدد المتحدثين بها.
اللغة الإنجليزية أكثر لغات العالم تأثيراً لعدة أسباب
من الممكن قياس قوة اللغة وتأثيرها بالعديد من الأساليب فالبعض يرى الأمر من منظور عدد الناطقين باللغة أو نفوذها الاقتصادي ربما، لكن وفقاً لفريق معهد ماساشوستس البحثي ومن ضمنه عالم الإدراك واللغويات ستيفن بينكر (Steven Pinker) فقوة اللغة لا تنبع منها بحد ذاتها لكن من مقدار ارتباطها واتصالها باللغات الأخرى.
للوصول لنتائج أكثر دقة، بحث الفريق في 3 مجالات لغوية:
حركة ترجمة الكتب والمقالات بشكل عام.
تواجد اللغة على صفحات الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).
وتغريدات حوالي 17 مليون مغرد على موقع التواصل الاجتماعي تويتر (أكثر من 10% من إجمالي مستخدمي الموقع النشطين).
أظهرت النتائج النفوذ الأكبر للغة الإنجليزية الواقعة في مركز شبكة اللغات العالمية مع عدم وجود منافس حقيقي أو مركز ثانٍ واضح بل مجموعة من الشبكات الفرعية مع مكانة قوية للغات التي لطالما لعبت دوراً كبيراً في التاريخ البشري كالفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية والبرتغالية والصينية.
اللغة المنعزلة عالمياً تشكل تحدي كبير بسبب طريقة كتابتها
من الأسئلة المهمة في هذا المجال هو موضع اللغة الصينية، فمن المثير للتساؤل سبب عدم كون اللغة الصينية أقرب إلى مركز شبكة اللغات العالمية كونها اللغة صاحبة أكبر عدد من المتحدثين في العالم. السبب يأتي من كون اللغة الصينية "منعزلة" نوعاً ما عن المحيط العالمي. فهي لا تزال تشكل تحدياً كبيراً لباقي سكان العالم بسبب طريقة كتابتها الغير مألوفة (حيث تعد الأحرف اللاتينية التي تكتب بها اللغات الأوروبية الأكثر انتشاراً) بالإضافة لكون الصينيين يستخدمون مواقع خاصة بهم فقط مثل: (Sina Weibo) وهو نظير موقع (twitter) العالمي، (Baidu Baike) الذي هو نظير ويكيبيديا. اللغة الروسية تعاني من حالة مشابهة مع انتشار استخدام موقع (VK) وهو النظير الروسي للموقع الشهير فيسبوك.
في النهاية... تستمر اللغة الإنجليزية حتى اليوم على عرش اللغات العالمية من حيث النفوذ والتأثير، لكن المستقبل مجهول في هذا المجال حيث شهد التاريخ نفوذاً مشابهاً للغات أخرى في حقب مختلفة مثلما اللاتينية التي اختفت بشكلها الأصلي الآن أو العربية التي أصبحت لغة ثانوية لباقي سكان العالم بعد أن عاشت فترة من المجد.