28 أيلول 2015
السؤال الأول: لماذا لم تفتح ولا تفتح روسيا وإيران بلدانهما للاجئين السوريين، وكلا البلدين ولغ في الشأن السوري تحت مزاعم حماية السوريين من الإرهاب، وبرر إرسال قنابله وخبرائه بمسوغ مساعدة الشعب السوري في محنته؟ السؤال الثاني: لماذا لا يتوجه اللاجئون السوريون انفسهم وبمحض ارادتهم إلى روسيا أو ايران، وهي الدول التي هبت لنجدتهم خلال السنوات الماضية فور اندلاع ثورتهم ضد الاستبداد الاسدي؟ لا يبحث هذان السؤالان الاستنكاريان عن اجابة هي واضحة لكل من يتابع المأساة السورية بقدر ما يسلطان الضوء على مفارقة مُمضة كبيرة تُضاف إلى مفارقات مواقف هاتين الدولتين.
روسيا تقفل حدودها في وجه السوريين وربما الوصول للقمر اسهل لكثير من السوريين من الوصول الى روسيا لو ارادوا التوجه اليها.
روسيا ايضا من البلدان غير الجاذبة اصلا بسبب تفاقم الشوفينية الروسية القيصرية وانبعاثها من القبور مع قدوم بوتين، وهي شوفينية يلحظها كل زائر، وتترجم عبر قوانين صارمة في الاقامة والعمل، ناهيك عن التجنيس الذي ربما يعد الاصعب منالاً في شمال الكرة الارضية كلها.
ولعدم وجود تكافؤ الفرص بين الافراد بغض النظر عن خلفياتهم وجنسياتهم فإن روسيا ليست جهة مرغوبة للسفر أو العمل، بعكس الدول الغربية التي تتهكم عليها روسيا، والتي يرغب في الهجرة إليها كثيرون ومنهم روس ايضا.
ايران ليست بأفضل حالا بطبيعة الحال، ذلك أن الشوفينية الفارسية المُتصاعدة تكاد تنافس الروسية في انغلاقها على ذاتها وعدم تقبلها للآخر.
والشيء المُفارق في الحالة الايرانية هو قربها الجغرافي من سورية وبالتالي سهولة أن تكون جهة مطروقة من قبل اللاجئين السوريين.
ورغم ادعاء طهران الرسمي بأن ايران تفتح حدودها للسوريين، وهو ادعاء يحتاج إلى تحقق، فإن السوريين انفسهم يديرون ظهورهم لها ويغامرون بأرواحهم ويلقون بأجسادهم في البحار والمحيطات عوض أن يصلوا لإيران بمخاطر لا تقارن مع تلك التي تواجههم عند توجههم لأوروبا.
ايران وروسيا مسؤولتان تاريخيا عن مئات الألوف من الضحايا السوريين الذين سقطوا خلال السنوات الماضية، سواء على يد النظام ام على ايدي الجماعات الارهابية المتطرفة من داعش واخواتها، وهما مسؤولتان عن تهجير ما يقارب خمسة ملايين سوري إلى خارج بلادهم واكثر منهم داخل بلادهم، فضلا عن ارجاع سورية عقودا عديدة الى الوراء عبر تدميرها التام.
كل ذلك من اجل الحفاظ على حكم فرد واحد يحقق للدولتين ما تريدان من بسط البلاد بطولها وعرضها كحصير مفتوح للنفوذ الايراني والروسي، والبلدان مسؤولان ايضا عن اي تقسيم قد يحدث لسورية على رافعة إقامة وتأسيس "دولة الساحل العلوية" لتوفير قاعدة وجود دائمة للروس، واطلالة دائمة للإيرانيين على البحر المتوسط.
في خضم هذا الولوغ "الاستراتيجي" في الشأن السوري والارض السورية، وتحت لافتة الدفاع عن الاسد، يتحول الشعب السوري نفسه بملايينه الى حطام يُداس تحت الارجل. من يستطيع منه الهجرة والهرب لن يتأخر، فإما ان يلتهمه البحر او تقذف به الامواج ميتا على شواطئها، والمحظوظون ينجون شبه موتى.
يحدث ذلك ولا يراه الايرانيون والروس ولا طبعا النظام في دمشق، وكأنه يحدث في كوكب آخر.
لا يكمن الخطر في لا مبالاة طهران وموسكو بملايين السوريين الذين لا يظهرون اساسا على شاشات رادارات الحسابات الاستراتيجية للعاصمتين، حيث ليس ثمة وقت للتفكير اساسا بقضايا هامشية و"تافهة" مثل لجوء ملايين الى خارج سورية، او سقوط آلاف الضحايا.
الضوء الاحمر يأتي من محاولة تبرير عدم استقبال ايران وروسيا للاجئين سوريين، وهو تبرير يكشف تفكيراً استئصالياً خطيرا كانت ترجمة نظيرة له قد حدثت في نطاق الاتحاد الروسي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وخاصة في حرب بوتين ضد الشيشان، وحدثت ولا تزال تحدث في ايران وان كان بوتيرة اقل وحشية وأبعد عن الإعلام ضد كل المكونات غير الفارسية في ايران وعلى رأسها العرب على طول ساحل عربستان والداخل، ذلك انه نسج وتناغم مع تجارب البلدين "الباهرة" في الإزاحة والإبادة الديموغرافية، يتصاعد حديث عنصري وإبادي يكرر بأن اللاجئين السوريين الذين اجبرتهم حرب النظام وحلفائه على ترك بلدهم هم اصلا من "اتباع" الجماعات التكفيرية أو المتعاطفين معها، ومن الذين لا يؤمنون بالعيش المشترك والتعددية الثقافية والدينية في سورية، وبالتالي فإن التخلص منهم شيء جيد ويجب الا يثير الشفقة ولا التحسر.
وتبعا لهذا التفكير، إذا اضفنا الملايين السورية التي هجرت داخل سورية بعيدا عن مدنها وقراها واريافها واضفناها الى معادلة "التحليل الإبادي" المذكور لوصلنا الى نتيجة سريعة مفادها ان معظم الشعب السوري صاروا من اتباع الجماعات التكفيرية، ولا بأس من التخلص منهم، وإعادة تركيب سورية ديموغرافيا وجغرافيا.
بطبيعة الحال، وعلى خلفية البشاعة الطائفية والتقسيم الديني الحادث حاليا في قلب المأساة السورية، فإن استمرار سيل تدفق مئات الالوف من اللاجئين السوريين (اتباع الجماعات التكفيرية!) الى خارج سورية يعني التأثير في التوازنات الديموغرافية وربما قلبها رأسا على عقب في بعض المناطق، مثلما يحدث في مناطق الساحل والمحاذية للبنان، وما حدث في القلمون ثم الزبداني اوضح دليل.
خلاصة ذلك كله، ان التغول والاحتلال الايراني الروسي لسورية يتم بأغلى الاكلاف على شعبها، وبأقلها على طهران وموسكو اللتين يأنف سياسيوهما ويتكبرون على السوريين وآلامهم وهجراتهم ولا يبدون أدنى استعداد ولو تظاهريا بتحمل جزء من مسؤولية الجريمة التاريخية التي اشرفوا على إنجازها.