28 أيلول 2015
المجرى المائي الذي تجتهد وحدات الهندسة في الجيش المصري، لإنجازه على الجانب المصري من الحدود مع قطاع غزة، يثير مخاوف متزايدة تتعدى القيادات السياسية لحركة حماس، إلى الجهات المتخصصة في موضوعات المياه والتربة والبيئة في القطاع.
قد يقول قائل إن مثل هذا المجرى الذي يمتد على مسافة أربعة عشر كيلومتراً من البحر حتى مثلث الحدود بين غزة ومصر والأراضي المحتلة العام 1948، لا يضيف الكثير من التداعيات الخطيرة على المستوى البيئي بعد أن أصدرت مؤسسات دولية تقارير تفيد بأن القطاع لن يكون صالحاً للحياة بحلول العام 2020، ما ينقل البحث إلى مستوى آخر يتصل بمسؤولية المجتمع الدولي، والسلطة الفلسطينية، إزاء الكارثة التي تنتظر نحو مليوني إنسان.
وبصرف النظر عن أي تبريرات جانبية، غير مقنعة، لتسويق مشروع المجرى المائي، فإن المسألة في جوهرها وشكلها أمنية سياسية ذلك أننا لا نشك للحظة أن الشقيقة مصر يمكن أن تفكر في القيام بأي عمل ضد القضية الفلسطينية وأهلها إن كانوا في غزة أو في أي مكان آخر.
ولكن من وجهة نظر أمنية سياسية، فإن المشروع يبدو غير ذي جدوى، خصوصاً وأن مصادر مصرية عديدة تشير إلى أن الجيش المصري نجح في تدمير خمسة وتسعين في المئة من شبكة الأنفاق، فضلاً عن الرقابة المشدّدة على مدار الساعة، على طول الحدود بين الجانبين المصري والفلسطيني فلماذا لا يستكمل الجيش إجراءاته الاعتيادية لتدمير ما تبقى من هذه الشبكة؟
أكثر من مسؤول مصري، وآخرهم الرئيس عبد الفتاح السيسي أعلن أن هذه الإجراءات القديمة منها والجديدة على الحدود تتم بالتنسيق الكامل مع السلطة الفلسطينية، وقد أكد الرئيس محمود عباس هذه الإعلانات، التي رحب بها.
على الصعيد المصري، يتخذ الحديث عن الأبعاد الأمنية، التي تقف وراء مشروع المجرى المائي، أبعاداً تتصل بما تواجهه مصر من حرب ضد الجماعات التكفيرية والإرهابية في شمال سيناء، وبحالة العداء السافر بين مصر وحركة حماس التي تدير قطاع غزة، وهي جزء من جماعة الإخوان المسلمين الذين يناصبون النظام في مصر، عداءً مستشرياً.
لقد باءت بالفشل كل المحاولات التي بذلتها حماس من أجل إقناع الأشقاء المصريين، بأنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية لمصر، وان علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين لا تلزمها بأن تتبنى السياسة ذاتها التي تمارسها الجماعة ضد النظام، ذلك أن مصادر إعلامية وأمنية مصرية لم تتوقف عن اتهام حماس بمساعدة الجماعات التكفيرية العاملة في سيناء.
طبعاً يضاف إلى كل ذلك أن مصر الدولة والنظام تتخذ موقفاً سياسياً، داعماً بالكامل للسلطة الفلسطينية والرئيس محمود عباس، باعتبارها تمثل الشرعية.
إذاً فإن ملف إصلاح العلاقة بين مصر وحماس قد تم إغلاقه طالما بقيت الأوضاع في الساحة الفلسطينية على حالها من انقسام وصراع، ما يعني أن مسلسل الإجراءات العقابية من جانب مصر، سيستمر ضد حركة حماس ما لم تتغير جذرياً معطيات الوضع الفلسطيني، سواء من خلال مصالحة أكيدة أو من خلال تغيير جوهري في سياسة وسلوك حركة حماس.
في الواقع، فإن السؤال الأساسي يذهب إلى السلطة الفلسطينية وإلى الرئيس محمود عباس، حتى بشأن المجرى المائي، الذي عليه أن يجد طرقاً ووسائل أخرى، للفصل بين موقفه من حركة حماس ومسؤولياته تجاه الناس في القطاع.
أكثر من ثماني سنوات مرت منذ وقع الانقسام، فشلت كل مشاريع المصالحة، وفشلت كل محاولات إخضاع حركة حماس سواء بالحصار، أو إغلاق المعابر، أو بالحروب التي شنتها إسرائيل على القطاع، لكن الناس في غزة لم يتمردوا على سلطة حركة حماس وننصح بأن لا يراهن أحد على مثل هذا الخيار.
إذا كان ثمة من يراهن على تمرد واسع يطيح بسلطة حماس أو يضعفها إلى الحد الذي يجعلها تخضع لشروط مصالحة في غير صالحها فإن عليه أن يتمعن جيداً في واقع القوى السياسية، وعلى رأسها حركة فتح، حيث إن هذه القوى هي التي تملك القدرة على فعل التمرد، وليس الأفراد أو النخب السياسية والاجتماعية.
والسؤال إذا كانت القوى الأخرى عدا فتح لا تفكر بمثل هذا الخيار أو أن أوضاعها وقدراتها لا تمكنها من الإقدام على ذلك فأين هي حركة فتح، وما هو مشروعها في غزة، وفي غياب إجابات مقنعة عن هذه الأسئلة فهل يعقل أن يظل سكان القطاع يعانون أشد المعاناة، نتيجة لعناد أطراف الانقسام؟
ثمة شكوك بدأت تتسرب إلى نفوس الناس في القطاع من أن أطرافاً كثيرة ومن بينها فلسطينيون تتمنى ما تمناه اسحق رابين يوماً حين قال إنه يتمنى لو أن يصحو من النوم فيجد غزة وقد ابتلعها البحر. شعور عارم بظلم عميق يجتاح أهل القطاع، بسبب تجاهل السلطة والقيادة لأبسط متطلبات حياة تتوفر فيها الحدود الدنيا من أسباب الحياة التي تميزهم عن الحيوانات.
في كل مرة نواجه خلالها أزمة جديدة أو قديمة علينا أن نسأل أولاً عن مسؤولية الفلسطينيين إزاء أسباب وقوعها ووسائل معالجتها، ولذلك فإن المسؤولية الأساسية إزاء المجرى المائي على الحدود، تعود للطرف الفلسطيني، ودون الاستفاضة في شرح الأبعاد البيئية للمجرى المائي، ومسؤولية أي طرف عربي ونحن جزء منه، علينا أن ننتظر ما ستفعله إسرائيل التي أعلنت عبر القناة الثانية، عن مشروع مجرى مائي واسع يحيط بقطاع غزة ويحيله إلى جزيرة بكامل المواصفات.