ليس من السهل ان نأخذ تلك القرارات التي اتت من خلال كلمة او خطاب للرئيس عباس دون الغوص في اعماق الجمل والمصطلحات حتى قرار الحكومة اليوم بوقف التنسيق الامني مع الاسرائيليين والتنسيق الامني والمدني مركب متشابك لا يقتصر على المعلومة الامنية بل حركة الافراد وذوي الفكر والنشطاء والاعلام والثقافة والتربية الوطنية بشكلها الموائم لمعطيات وفرضيات اوسلو وكذلك الحالة الاجرائية لوجود السلطة ومؤسساتها وافرادها القادمين من الخارج وجواز السفر المدون فيه صدر بموجب اتفاقية اوسلو ... والارتباد الاقتصادي والمالي ببنك اسرائيل ووزارة المالية الاسرائيلية ، المهم هل وضعت السلطة او منظمة التحرير بديل لاوسلو ..؟ هل البنية الوطنية جاهزة لتحمل هذا القرار بعد عقود من الانهيارات الداخلية والبطالة والفقر وتفشي الفساد والمحسوبية وحالات الفلتان لمراكز قوى محددة في الضفة ... هل هذا له علاقة بتوسيع مهام مكتب الرئيس ووضع نظام اساسي له يوازي النظام الاساسي المعمول به لحكومة السلطة .
ماذا لو كان هذا القرار منذ انتهاء المرحلة الانتقالية ..؟؟ ماذا لو تم تحويل الحالة الوظيفية لفتح والسلطة من مؤسسات ترعى الالتزامات باوسلو وبنودها الى تنظيم واطار ومؤسسات ثورية ..! اعتقد ان هذا القرارالذي اتخذ يوم 19/5/2020 هو كمن وضع الضحية بين فكي الاسد ، علما بان خيارات السلطة والمنظمة قليلة بل مفقودة في التعامل او ايجاد بدائل تتعامل مع الواقع . اعتقد التحرك الامريكي والاسرائيلي وهو تحرك مزمن في اتجاه تحقيق المصالح الاسرائيلية لو رجعنا للخلف لمبادي كيري للسلام او مبادرات وخطة ايجال الون فهي تدعو لتهويد الاغوار والحل الاقتصادي فيما تبنى هذا الطرح بلير رئيس وزرار بريطانيا السابق والتركيز على قضية الامن مدرسة بمبيو او غرينبلات او كوشنير او ترامب لا تبتعد كثيرا عن خطة وطرح كيري او مباديء كيري للسلام .
خطاب عباس لم ياتي باسم منظمة التحرير الموقعة او الشريك في اتفاق اوسلو وهي الجهة القانونية والوطنية التي وقعت والسلطة ومؤسساتها وابتداع الوزارة اتى بضغط امريكي اسرائيلي لو تذكرون لنزع صلاحيات ابو عمار وتحويلها لرئاسة الوزاء برئاسة محمود عباس وابتداع برلمان سموه المجلس التشريعي نصا ما قاله عباس في خطابه( أنّ السلطة أصبحت «في حِلّ من كل الاتفاقات والتفاهمات مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية ومن كل الالتزامات المترتبة على تلك التفاهمات والاتفاقات، بما فيها الأمنية»، معتبراً أنّ ضمّ أراض في الضفة الغربية «يقوّض فرص التوصّل للسلام) اي ما زال الاعتراف قائم بين منظمة التحرير واسرائيل والسلطة غير مخولة قانونيا بسحب او الغاء الاعتراف .
ولكن اريد ان اذكر بانها ليست المرة الاولى او الثانية التي يتحدث فيها عباس عن سحب الاعتراف باوسلو واذكر منها سابقا اعتقد في 30/5/2015 امام الجمعية العامة قال عباس انه سحب الاعتراف باوسلو وانه طالب العالم بالاعتراف بدولة فلسطينية وبقيت الحالة الاجرائية على الارض في تعميق التعاون بين اسرائيل والسلطة في كل المجالات .
اذا ما هي قدرة السلطة السياسية في السيطرة على واقع الضفة ضمن وجود منسق اسرائيلي تتسع مهامه يوميا ويجد 100الالاف تتعامل معه من عمال ووسطاء ومقاولين وغيره وحركةو المعابر ، اعتقد اسرائيل او امريكا لم تكترث لقرار عباس لانه لم يصدر بشكل قانوني عن منظمة التحرير ، فقرار عباس لن يؤثر كثيرا على الحركة اليومية بين الاجهزة الامنية والاحتلال او الاجهزة الامنية ومكتب السي اي ايه في القدس فاسرائيل ايضا لها بدائل قوية على الارض من تشكيلة فتح عباس ومن اجهزته ومن وجهاء ورؤوس اموال ومقاولين ومئات الالاف من العمال ، اذا ستبقى السلطة السياسية معزولة ، بل قرار عباس عن السلطة يمكن ان يؤدي لترحيل ما تريد اسرائيل من شخصيات اتت بموجب الاتفاق وتكميم حركة التنقل لهم . ولكن اريد ان اذكر كمؤشر بما قاله نصر يوسف عندما كان وزيرؤا للداخلية امام المجلس التشريعي عندما تم مسالته عن حالات الفلتان وبتاريخ 10/6/2005م(اعترف اللواء نصر يوسف في جلسةٍ ساخنة للمجلس التشريعي الفلسطيني بعلاقة الأجهزة الأمنية الفلسطينية المباشرة مع مخابرات دولٍ أجنبية، وقال إنّه بفضل تدخّلٍ أمريكيّ تمّ وقف الاتصالات المباشرة بين دولٍ أوروبية وأجهزة الأمن الفلسطينية المختلفة.
وقال يوسف إنّ دولاً معيّنة ومخابراتها كانت علي اتصالٍ مباشر مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، متجاوزة الطرق الشرعية، مشيرا إلي أنّ تدخّلاً مباشراً من المبعوث الأمني الأمريكيّ الجنرال وليم وورد أوقف هذه الاتصالات، حين طلب وضمن خطّة إصلاحات، من هذه الدول وقف الاتصالات المباشرة مع الأجهزة الأمنية، وذلك لتعزيز دور وزارة الداخلية. وقال يوسف نحن نحاول القضاء علي مراكز القوي داخل الأجهزة الأمنية، ولكن الأمور بحاجةٍ إلي وقت .
خطاب عباس اعطى اشارة البدء في عملية الضم القانوني لاجزاء كبيرة من الضفة في ظل تحايل بروتوكلي في طريقة اعلانه بانسحابه من اوسلو ، وفتح وتوسيع الطريق لتغيير جوهري في الحياة السياسة والمؤسساتية في الضفة واخضاعها لروية الاحتلال وحالاته الاجرائية وهذا ما طلبه عباس بان يتكفل الاحتلال بالمناطق المحتلة بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949م، بالاضافة لالتزامه المطلق او ما يتمخض عنه من حالة وظيفية اخرى بمحاربة الارهاب بكل انواعه واصنافه كما ذكر .
اذا يبقى المجال مفتوحا الان لتهويد ما يسمى يهودا والسامرة واختزال الكيان الفلسطيني في غزة من خلال تصور اكثر من حكم ذاتي واقل من دولة انتقاليا وتوسيع القطاع بمحاذاة الشريط الجنوبي من فلسطين النقب وربط بعد وعاء زمني متفق عليه ما تبقى من جز سكانية من الضفة ستعمل وقتا بروابط مدن لها صلاحياتها الادارية والامنية التي لا تبتعد عن الرؤية الاسرائيلية لحفظ الامن والسلم الاجتماعي
لم تكن المفاوضات يوما ً ذات حل للشعوب المطالبة بحقوقها، وخاصة في حالة احتلال عنصري فاشي استيطاني اقصائي للأرض، بنيت نظريته على التوسع في الاستيطان وعلى نظرية الترانسفير للسكان أصحاب الأرض.
ربما كان خندق اوسلو ببنوده قد اتاح للعدو الصهيوني مساحة واسعة من التحرك وتقييد أكثر للفلسطينيين وقواهم، فلقد ذكر وزير الدفاع الصهيوني السابق معبراً عن استراتيجية الكيان بقوله في خطاب عبر الاذاعة الصهيونية " جميعا ً يجب ان نتحرك ، ان نركض ، يجب ان نستولي على مزيد من التلال ، يجب ان نوسع بقعة الأرض التي نعيش عليها، فكل ما بين ايدينا لنا وما ليس بأيدينا يصبح لهم"
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز معلقة على انسحاب شارون من غزة عام 2005 بأنه اتاح لإسرائيل الفرصة كي تكرس احتلالها وتكثف من نشاطها الاستيطاني في اراضي الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس وتعديل ما اصطلح عليه بـ"المعادلة الديموغرافية" ، واوضحت الصحيفة بأنه مرت سنوات حتى الآن منذ الانسحاب من غزة وقد حققت هذه السنوات الكثير للاحتلال من حيث ترسيخ وجوده والمضي قدما ً في بناء المستوطنات الاسرائيلية داخل اراضي الضفة الغربية المحتلة ، بما فيها القدس الشرقية ، فأصبح ما يزيد عن 600 ألف مستوطن يقيمون في مستوطنات كبرى تحيط بالقدس وفي الأغوار وفي المناطق الاستراتيجية في الضفة الغربية من خلال طرق استراتيجية قاصرة على المستوطنين فقط ، وذكرت الصحيفة ايضا ً ان اسرائيل لا تنوي الانسحاب من ياهودا والسامرة الارض التاريخية في معتقداتهم ، وتطمح ايضا ً بالسيطرة على 98 % من اراضي فلسطين التاريخية ، حيث تمثل غزة فقط 1.5 % فقط من تلك الأراضي .
كانت جولات كيري العشر وما تمخضت عنه من حمل لوجهة نظر الأمن الصهيوني والاستراتيجية الصهيونية وما ابتدعه بلير ودايتون سابقا ً من الحل الاقتصادي لمناطق الكثافة السكانية في الضفة الغربية لا يزيد عن ذلك.
ولكن جولة كيري العاشرة بالتحديد حملت معها وفي ملفاتها تهديدات فعلية لبقايا اوسلو ولبقايا السلطة التي عملت سنوات وجودها على بلورة اجهزة أمنية مهمتها تنفيذ البند الاول والثاني في خارطة الطريق وهو الخاص بالأمن وحماية المستوطنين والاستيطان وملاحقة ما يسمى بالارهاب في مناطق أ و ب.
مع جولة كيري يقدم مشروع للوزارة الاسرائيلية بتهويد اراضي الغور قافزة عن ما طرح سابقا ً في الحوارات السابقة بأن المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين حول وجود قوات دولية او قوات اسرائيلية ودولية على الشريط الحدودي مع الاردن.
في ظل هذه الظروف يصرح كبير المفاوضين صائب عريقات بأن الرئيس الفلسطيني عباس يمكن ان يتعرض لنفس الظروف التي تعرض لها من قبله ياسر عرفات عندما رفض املاءات وايرفر " كامب ديفيد"، ولكن هناك فرق بين ياسر عرفات وبرنامجه وبرنامج الرئيس الحالي محمود عباس ، فربما كان ياسر عرفات يطمح من اوسلو بكل مساوئها ان يقلب المعايير من داخل الضفة الغربية وغزة بناء على نظرية ابو جهاد بأن الثورة يجب ان تنتقل للداخل ، وتعزيز البنية التحتية للشعب الفلسطيني القادر على المواجهة ، ربما خدع ياسر عرفات بكامب ديفيد وبنودها حيث واجه من التآمر الداخلي والخارجي عليه والاقليمي ايضا ً والدولي بما اعاق كل ما فكر فيه ياسر عرفات ،فانطلقت الانتفاضة الثانية وقال للإدارة الامريكية انتظركم لتمشوا في جنازتي، اما الرئيس الحالي محمود عباس الذي اوفى سياسيا ً ودبلوماسيا ً وامنيا ً بكل الفرضيات الامنية التي يستوجب عملها في خارطة الطريق في البند الأول والثاني، الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي اعلن برنامجه بوضوح بأنه ليس مع الانتفاضة وليس مع اطلاق الصواريخ وليس مع المقاومة المسلحة ، وهو مع المفاوضات ثم المفاوضات ، واللجوء الى المجتمع الدولي فهي الورقة الوحيدة التي يهدد فيها الرئيس الفلسطيني اسرائيل اذا تعنتت في الاستجابة لحل الدولتين ، ولكن الاحداث تقول والتاريخ يقول ان اسرائيل لم تعطي أي معايير لأي قرارات دولية ولأن المجتمع الدولي الممثل في الأمم المتحدة ومجلس الامن ما هي الا مؤسسات حامية للوجود الأمني والاستيطاني على الأرض الفلسطينية ، فكان لبرنامج عباس في التفاوض اسلوب عقيم ليس له رؤية ولا ينتزع حقوق كمثل الحالة الفلسطينية .
في هذا السياق اعرب رئيس الوزراء الاسرائيلي على انه في المستقبل ينتظر رئيس جديد وشريك يتخذ قرارات جريئة من أجل السلام !
اطروحات كيري التي هي عبارة عن ملفات من مركز الابحاث الصهيوني في نيويورك وفي جامعة بنغوريون يرتكز على ثلاثة محاور:-
1 – نظرية الأمن وتعزيز وجود الاجهزة الأمنية في الضفة الغربية وضخ الاموال اللازمة لها.
2 – الانسحاب من مناطق ج وتسلميها للسلطة بناء على حسن النوايا .
3 – ضخ اموال لتعزيز القدرة الاقتصادية للبنية التحتية الفلسطينية في الضفة الغربية ، وفتح مجال العمل في داخل العمق الصهيوني .
اما ما حمله كيري من ما يسمى خطة اطار او مبادئ فهي تؤجل القضايا الرئيسية المطروحة منذ بدء المفاوضات وهي قضية القدس واللاجئين والحدود لمفاوضات مستقبلية على خمس سنوات او اكثر ، وبذلك يطرح كيري دولة الريح التي تربط الضفة بغزة من خلال سكة حديدية مع مساعي بدأت تبرز للسطح عن مصالحة لتعزيز موقف المفاوض الفلسطيني كممثل وحيد للشعب الفلسطيني امام ادعاءات قادة اسرائيل بأن محمود عباس لا يمثل كل الفلسطينيين وغزة خارجة عن مؤسساته واجهزته الأمنية .
من خلال ما طرحه كيري وامام الخريطة السياسية والجغرافية لحركة الاستيطان، وماهو موجود على لائحة التنفيذ لبناء 6000 وحدة سكنية تعني ان اسرائيل لن تتخلى عن ما يسمى ارض يهودا والسامرة، وتترك المجال الزمني لتطور الصراع في المنطقة مع ضبط امني لوقع الحركة الفلسطينية الذي يتمنوها ان تتجه نحو الشرق ، فلقد صرح وزير الدفاع الاسرائيلي بأن أي اتفاق مع ابو مازن لن يعطي حلا ً للصراع مع دولة اسرائيل .
لقد فقدت السلطة الفلسطينية كل اوراق قوتها امام الضغوط التي يمكن ان تتعرض لها من الجانب الامريكي والاوروبي، فلقد هدد الجانب الامريكي السلطة ان لم توافق على اعلان المبادئ الجديد واتفاق الاطار فإن اوروبا ستقطع الدعم المالي عن السلطة في ظل نضوب للتمويل العربي من جراء ما يسمى الربيع العربي والفوضى الحادثة في البلاد العربية وازدواجية المعايير لتلك الانظمة في الازمات المحلية والدولية ، ومحاربة ما يسمى بالإرهاب .
لقد عمل البرنامج السياسي الفلسطيني برئاسة محمود عباس على تفريغ المقاومة من محتواها المادي والمعنوي والثقافي ايضا ً، وكل ما قدمه محمود عباس من ولاء لنظرية السلام على اراضي 67 و التصريح المعلن في الأمم المتحدة وفي الجمعية العامة بأن أي اعتراف بفلسطين لا يعني نزع الشرعية عن اسرائيل التي وصفها بالدولة الجارة والصديقة .
خيارات السلطة صعبة جداً في مواجهة الضغط الأمريكي والضغط الامني الصهيوني ، اذا اين المخرج لتلك السلطة التي عملت على الاعتراف بذاتها واهملت الطاقة الشعبية والقدرات الشعبية التي يمكن ان تواجه أي متغير يهدد الحقوق الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني على تلك الأرض.
وهنا يأتي السؤال هل السلطة قادرة على مواجهة الضغط الأمريكي بمكوناتها الحالية ؟ وهل قادرة على تجاوز ضخ المال الاوروبي لمؤسساتها ؟ وهل قادرة على اداء واجباتها تجاه الشعب الفلسطيني في ظل نضوب المال الاوروبي؟
ام ان السلطة يمكن ان تحل نفسها ؟
هذه اسئلة كثيرة وملحة امام المفاوض الفلسطيني وامام السياسيين الفلسطينيين ولكن ارشح ان القيادة السياسية الفلسطينية اذا اتبعت لغة " لا " فإن بدائل اسرائيل موجودة في داخل البنية المؤسساتية للسلطة في الضفة الغربية ، فهناك منهم من يتطلع لحل اقتصادي ذاتي امني مع اسرائيل ولم يصرح رئيس الوزراء بأنه ينتظر رئيسا ً جديدا ً .. هذا التصريح لا يأتي من فراغ ،فربما تحدث دراما جديدة في الضفة الغربية واستبعد ان تتجه السلطة الى غزة لبناء معادلة جديدة مبنية على مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال ، بل كل محاولاتها الان لجر غزة للبرنامج السياسي لها الذي يعطيها نوعا ً من القوة.
وفي النهاية ان السلطة في موقف لا تحسد عليه الان في ظل خيارات تكاد تكون معدومة لديها الا اذا قررت ان تتبع لغة الثوار .