الشائعات .. والتمرد على الفيروس

حجم الخط

حافظ البرغوثي يكتب

تدفق الآلاف من المتظاهرين إلى شوارع مدن أوروبية وأمريكية، مطالبين بالخروج الحر والعودة إلى العمل بعد أشهر من الحظر، وهذا الخروج يطرب بعض القادة، خاصة من اليمين الذين عاندوا جائحة «كورونا» منذ البدء، وقللوا من خطورة الفيروس، وانتشار العدوى، مثل الرئيس ترامب، وأصدقائهن كالرئيس البرازيلي جاير بولسونارو، ورئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون، لكن الأخير تراجع عن مواقفه السابقة المعارضة للإغلاق، والحظر، ومحاولة خلق مناعة القطيع، بعد أن داهمه الفيروس.

قادة الدول التي تعاني ارتفاع عدد الإصابات، لم يستطيعوا انتظار الوقت المناسب لتراجع الفيروس وموجات انتشاره المتلاحقة، فقد صرفوا ميزانيات ضخمة من الأموال المستقرضة مقابل سندات، كما في أوروبا، أو المطبوعة من دون تغطية في الأغلب، كما هي حال إدارة ترامب، فالجائحة وفقاً للعلماء ستمتد وقتاً طويلاً، ما يعني أن العجلة الاقتصادية يجب أن تستأنف نشاطها لحماية الاقتصادات من الركود، والمجاعات المرتقبة. فقد انهارت أسواق الأسهم، وتراجعت أسعار السلع التصديرية الصناعية لإغلاق الأسواق، وتجمدت تجارة وصناعة السيارات والطائرات، وتلاشت السياحة مع السفر، وما حافظت على بقائها هي الصناعات والصادرات الاستهلاكية الضرورية والمنتوجات الصحية والطبية فقط، أما ما عدا ذلك فهو في حالة ركود، وانهيار.

مرحلة «كورونا» أعادت الإنسان العاقل إلى جاهليته كإنسان غير قادر على مواجهة فيروس غامض، رغم التفسيرات الكثيرة. فالتخبط ظهر جلياً منذ البدء في فهم الفيروس، ومنبعه، وسبل مكافحته، وكثيرة هي المعلومات التي تم تأكيدها، ثم نفيها. وعشرات المرات تم الإعلان عن قرب التوصل إلى لقاح أو علاج، وتبين أن الأمر بعيد المنال. وترامب أعلن مرات عدة أن اللقاح قريب، ثم لجأ مع الفرنسيين، و«الإسرائيليين»، إلى علاج الملاريا، أي لم يأتوا بجديد. والمعلومات متناقضة حتى الآن، مثل الحرارة تقتل الفيروس، ثم تبين أنها لا تقتله، المصاب المتعافي يقاوم الفيروس، ثم تبين أنه عرضة للإصابة ثانية، ثم تحدث البعض عن ثلاثة أنواع من «كورونا»، أضعفها قاتل، حتى طرق العدوى عليها خلاف حتى الآن، والكحول لا يقضي عليه، إلخ.

وقد ظهرت دلائل على أن الفيروس ظهر في جنوب فرنسا لدى مريض لم يسافر قط، وكذلك لدى مريض توفي في إيطاليا قبل انتشار الفيروس في الصين، حتى الكمامة الزرقاء التقليدية في المستشفيات منذ عقود، تبين أنها لا تمنع العدوى فكل المعلومات الطبية باتت في موضع شك. وأمام مشهد مختلط، ومضطرب، وسجال سياسي الهدف بين الصين، وترامب، ومنظمة الصحة العالمية، نمت نظريات المؤامرة، وتظاهر من هم ضد الحظر، والحجر، والإغلاق، منددين بالمؤامرة دولياً من قبل متنفذين، وكبار رجال المال، ومنتقدي مشروع اللقاحات الجماعية باعتباره مؤامرة للهيمنة على سكان الأرض، بواسطة لقاح وشريحة تزرع في الجسم، وقد ساعد على انتشار الشائعات حول المؤامرات أن أغلب سكان الأرض ظلوا في منازلهم، بسبب الإغلاق أمام الإنترنت الذي بات الوسيلة الإعلامية المتاحة من دون غيره، حيث إن الانقطاع عن الناس مادياً يولد الشائعات. فقد بدأ صبر الناس ينفد، وتمردوا على الفيروس من منطلق أن العالم مجبر على التعايش معه مثل الفيروسات الأخرى، وأمراض السرطان، والإيدز، وحوادث السيارات، فلا بد من التعجيل بتحريك الدورة الاقتصادية ضمن ضوابط، ثبتت نجاعتها في بعض الأماكن. كذلك يبدي الكثيرون في أوروبا، وأمريكا، وغيرهما، قلقاً بشأن حقوق الإنسان في ظل «كورونا»، حيث اتخذت كغطاء لتمرير سياسات معينة، كما في الولايات المتحدة، وغيرها، واعتبر المتظاهرون في أوروبا الإغلاق وقيود الحظر على التنقل نوعاً من القمع، واستغل بعض القادة الجائحة لإنقاذ نفسه، مثل نتنياهو، وهو ما يحاوله ترامب، أيضاً. أما المحتجون فيرفعون شعارات «نرفض قانون فيروس كورونا، واللقاح الإلزامي، وتطبيق الوضع الجديد، والإغلاق غير القانوني». فهم هنا باتوا يرون في الفيروس مؤامرة ضد الحريات. لكن مع إعلان شركة موديرنا الأمريكية أنها أجرت تجارب إيجابية على لقاح، سرت موجة من التفاؤل في الأسواق العالمية، ما يحيي الأمل في العودة إلى الحياة الطبيعية قريباً. وغداة هذه الأخبار الإيجابية، قفزت الأسهم الأمريكية، والأوروبية، كما جاءت أسهم الشركات المرتبطة بالسفر بين أكبر الرابحين، حيث ارتفع التفاؤل بإمكانية أن تكون شركات السفر أولى الشركات المستفيدة من عودة الحياة إلى طبيعتها.