داعش بالأرقام: هل باتت دولة "الأمر الواقع"؟

داعش
حجم الخط

 بعد مرور أكثر من سنة على تأسيس التحالف الدولي بقيادة أمريكا ضد تنظيم "داعش" والذي بات يُعرف باسم "الدولة الإسلامية"، يتعاظم السؤال المركزي عن مدى تأثر التنظيم من الغارات الجوية التي ينفذها التحالف طيلة الأشهر الفائتة، وماذا تحقق في الحرب عليه؟

ولعل قرار روسيا الإنضمام للتحالف ضد داعش، وبدء فرنسا توجيه ضربات عسكرية في سوريا، والاتفاق الاستخباراتي العراقي - السوري - الروسي – الإيراني، يُظهر ضمنياً وظاهرياً أن ضربات التحالف لم تُؤتي أكلها بالشكل المطلوب.

حاولنا الغوص في حقيقة "داعش" بالأرقام وخاصة فيما يمتلكه من عُدة وعتاد وقدرات في هذه الأثناء وفي خضم الحرب عليه والمفارقة بينه وبين جبهة النصرة المقربة من تنظيم القاعدة. 

وفي هذا الإطار يكشف الباحث بالجماعات الإسلامية حسن أبو هنية في حديث لاذاعة راية المحلية عن تفوق تنظيم "الدولة" من حيث التسلح والتمدد بشكل كبير، فهو يسيطر على مساحات تفوق مساحة بريطانيا بما يُعادل "40" بالمئة من مساحة العراق، وأكثر من 55% بالمئة في سوريا، في حين تسيطر جبهة النصرة على ما بين 8-10 بالمئة من المساحة فقط، لاسيما في ادلب وبعض مناطق الجنوب في درعا.

ويقول أبو هنية إنه يستند في معلوماته هذه إلى مشاهدات وبحوث في الميدان، إضافة إلى تقارير استخباراتية دولية، ويضيف أن عدد مقاتلي جبهة النصرة مع حلفائها من الفصائل الإسلامية الأخرى- مثل حركة "المثنى" بالجنوب السوري وأحرار الشام في الشمال، إضافة إلى "أنصار الدين" وهي ائتلاف من المقاتلين الأجانب وغيرها- لا يتجاوز ال 10 آلاف مقاتل على ابعد تقدير، غير أن تنظيم "الدولة" يتكون من جيش كبير يتكون قوامه مما يزيد عن 80 ألف مقاتل وقد يصل إلى (150 ألف) بين مقاتل وعضو وقائد.

وفي هذا السياق، يؤكد أبو هنية انضمام نحو 35 ألف مقاتل أجنبي وعربي لـ"داعش" في السنتين الأخيرتين، (7 آلاف) منهم قدموا من أوروبا وحدها و(2500) من شمال القوقاز، والبقية عرب، حسب تقرير تسلمه مجلس الأمن الدولي في مايو أيار الماضي. وأضاف أن لدى "داعش" ميزانيات ضخمة، بل أن التقارير تتحدث عن مستويات نمو كبيرة يحققها، وتجاوزت بعض الأنباء هذا الحد عندما وصفت واقع الخدمات في الموصل بالأفضل حالا من بغداد.

ورغم الضربات الجوية المتواصلة، فإن أبو هنية يرى أنها لم تؤثر على قدرة التنظيم على تأمين احتياجات عناصره وأعضائه، ويذهب إلى أكثر من ذلك عندما أشار إلى أن قيمة الفائض من مخزون القمح بلغ العام الماضي وحده "2" مليار دولار أمريكي، بالإضافة إلى أنه تمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي بخصوص المحاصيل الزراعية في مناطق نفوذه وسيطرته في سوريا والعراق.

وسيطر التنظيم عندما اجتاح الموصل منذ أكثر من سنة ونصف على معدات عسكرية بقيمة 28 مليار دولار أمريكي وفي الرمادي بقيمة 2.5 مليار دولار، وفي سوريا على معسكر 93 والطبقة، إضافة إلى تعزيز تسلحه من خلال السوق السوداء، الأمر الذي جعل طبيعة تسليح تنظيم "الدولة" يتفوق على المعارضة وعلى الحشد الشعبي الشيعي حتى اللحظة.

ورغم خسارة التنظيم لمناطق عديدة في شمال سوريا وفي العراق، إلّا أنه بالمقابل حصل على مناطق أخرى، فمثلاً خسر تكريت جزئياً ولكنه تمكن من السيطرة على الرمادي في مايو أيار الماضي، وفي سوريا خسر الحسكة وكوباني في الشمال، ولكنه سيطر على مناطق أوسع في تدمر وأجزاء من حماة وريف حلب الشمالي.

وبإجماع كل الخبراء العسكريين وكذلك اعتراف الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع- البنتاغون ومنهم رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي وخاصة في آخر اجتماع، فهم يُقرون أنه رغم الضربات المكثفة ضد "داعش" إلا أن التنظيم تمكن من التمدد في أماكن لم يكن موجوداً فيها منذ العاشر من حزيران عام 2014، وهو تاريخ السيطرة على الموصل العراقية.

ولعل جلسة الاستماع في الكونغرس قبل يومين إلى قائد القوات المركزية الأمريكية الجنرال "لويد اوستن" الذي أكد أن القضاء على داعش يحتاج إلى "6" سنوات، تظهر بشكل واضح كيف أن التنظيم رغم تنفيذ أكثر من 6500 طلعة جوية من قوات التحالف لا يزال بقوته وهو ما جعل الإستراتيجية العسكرية للتحالف تنصب الآن على صد واحتواء "داعش" وليس إنهاءها في هذه المرحلة، وفقاً للباحث حسن أبو هنية.

ويُبين كذلك أن العالم يتعامل مع داعش كدولة أمر واقع، لكن خوف واشنطن يكمن في التمدد الذي يُؤثر على مشروع "جو بايدن" الخاص بتكريس أقاليم السنة والأكراد.

ويتحدث المختص بالجماعات الإسلامية حسن أبو هنية عن قدرة التنظيم على حشد العناصر والتجنيد منذ سيطرته على الموصل في حزيران عام 2014 ، كما وأصبح به نظام من الولايات ولديه حدود وأجهزة تشبه الوزارات تُسمى الدواوين مثل (ديوان الجند أو بيت المال أو الشرطة) وله نظام بيروقراطي ضخم يقوم بهذه الخدمات، ناهيك عن العملة الخاصة به، ويوضح أن لدى "داعش" نظام دولة سلطانية بالكامل، فهو دولة بحكم الأمر الواقع وإن لم يُعترف بها عالمياً.

ويضيف ابو هنية أن التنظيم بات الآن يُكثف دعاية خارجية أكثر منها داخلية للمنطقة العربية، فتمكن من إنشاء منصات إعلامية مثل "الفورات ميديا" التي تستهدف بشمال القوقاز وهو ما دفع روسيا إلى التدخل الآن وتغيير إستراتيجيتها لتتشارك مع الولايات المتحدة في عمليات صد واحتواء التنظيم، "لأن هناك إدراك بأن النظام السوري قد ينهار بأية لحظة وهناك إمكانية للتمدد بشكل كبير، ولم تعد دعاية التنظيم الدموية التي كان ينشرها على مدار العامين الماضيين، وإنما بدأ يظهر نفسه وكأنه نظام حكم".

أما خبير الجماعات الإسلامية الدكتور مروان شحادة، فقد اقتربت الأرقام التي طرحها بخصوص عدد مقاتلي داعش من تلك التي تحدث عنها حسن ابو هنية بشكل كبير، حيث قال شحادة إنه لا يُمكن مقارنة حجم داعش بجبهة النصرة، فعدد مقاتلي التنظيم في سوريا والعراق يتراوح بين (80-100) ألف، ويسيطرون على سكان يقدر تعدادهم ما بين 9-12 مليون نسمة.

وأوضح في الوقت ذاته ، أن هذا الرقم الخاص بتعداد السكان قابل للتغير، لأن كثيرا منهم يغادرونها بسبب ما يصفونه بتشدد التنظيم واستهدافه للآخر الذي لا يُبايع قادتها، وفي المقابل، يقول مروان شحادة إن أعداد مقاتلي جبهة النصرة تناقصت ووصلت الآن إلى 5 آلاف كحد أقصى.

كما ويضيف أن عدد من التحق بتنظيم "الدولة" من أوروبا وأمريكا وصل إلى 25 ألف مقاتل في فترة زمنية قصيرة.

من ناحيته، يعتقد خبير الاستخبار العراقي المقيم في ألمانيا جاسم محمد أنه من الصعب تحديد العدد الحقيقي لكل من داعش والنصرة في ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة، وفي ظل عدم وجود خارطة ثابتة لجبهة النصرة وباقي التنظيمات الإسلامية في سوريا، علاوة على وجود حالات انتقال مستمر للمقاتلين من هذه الحركة إلى تلك.

وحول محاولات وجهود تقوم بها السعودية وقطر لـ"تبييض جبهة النصرة"، التي توصف بأنها اقل تطرفاً رغم تصنيفها من قبل مجلس الأمن ضمن قائمة "الإرهاب"، يرى محمد في حديث لـ"رايـة"، أن هذه الجهود لن تنجح لأنها سوف تصطدم بنواحي قانونية دولية.

في سياق آخر، استبعد خبير الاستخبارات العراقي أي تدخل عسكري بري سواء عربي أو غربي في ظل التلويح بحل سياسي للأزمة السورية مُستندة إلى تقسيم سوريا إلى "دويلات" بينها الدولة السلفية في شمال شرق سوريا.

جديرٌ ذكره أن الجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي اي ايه) دعا قبل نحو شهر واشنطن إلى أن تسعى لضم "بعض مقاتلي" جبهة النصرة، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، إلى التحالف الذي تقوده ضد الجهاديين في هذا البلد، وهي الدعوة التي تتطابق مع رؤيته بأنه لا يُمكن هزيمة داعش إلا بقوات عسكرية "عقائدية" من خلال دعم مقاتلين إسلاميين لقتال هذا التنظيم.