«وساطة» بين واشنطن و«السلطة»

حجم الخط

حافظ البرغوثي يكتب

أكدت السلطة الفلسطينية أنها لن تسمح بأي انفلات عسكري أو عودة ل «العنف» (المقاومة) في المناطق التي تخضع لسيطرتها في الضفة الغربية.

نشطت الدبلوماسية الروسية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، لإخراج الفلسطينيين و«الإسرائيليين» من أزمة وقف التنسيق والتحلل من اتفاقات أوسلو بينهما، وعقد اجتماع دعا إليه جوتيريس على مستوى المندوبين للرباعية الدولية، وقد نفت الخارجية الروسية أن تكون هناك مبادرة روسية بهذا الصدد، لكن تبين وفقاً للروس أن المبادرة جاءت من الولايات المتحدة في اتصال هاتفي جرى في التاسع عشر من الشهر الحاري بين نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوجدانوف، مع مساعد الوزير الأمريكي والممثل الخاص للمفاوضات الدولية آفي بيركوفيتش.

جاء الاتصال بطلب أمريكي، وكان الموضوع الأساسي في هذا الاتصال هو استئناف مفاوضات مباشرة بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين»، وبرعاية دولية. ولم يتم النقاش في أي شيء يتعلق بعقد لقاء فلسطيني أمريكي على أعلى المستويات، وفقاً للناطقة باسم الخارجية الروسية، ولم يطلب الجانب الروسي من أحد مثل هذا الأمر. وأكد الجانب الروسي مجدداً تمسكه الراسخ بأسس القانون الدولي المعروفة للتسوية في الشرق الأوسط، بما في ذلك مبدأ حل الدولتين الذي لا بديل عنه لتسوية الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي».

وكان جوتيريس رتب لقاء على مستوى المندوبين في الرباعية الدولية، وأبلغ الرئيس الفلسطيني بذلك، حيث رحب باللقاء وطالب باجتماع رفيع المستوى للرباعية تحضره واشنطن وروسيا ودول خليجية إضافة إلى الأردن ومصر، على أساس القانون الدولي وليس على أساس «صفقة ترامب» وقد أيد الروس الموقف الفلسطيني. بمعنى آخر رفض مشروع الضم الذي يطالب به «الإسرائيليون».

وتحاول الإدارة الأمريكية الخروج من الأزمة الحالية بالقول إنها تعارض الضم إلا من خلال التفاوض مع الفلسطينيين، وهي تبدو كمن يحاول استدراج الفلسطينيين للحوار معها بالحديث عن إدخال تعديلات على «الصفقة».

وكان المبعوث الأمريكي بيركوفيتش لم يرفض فكرة ترتيب لقاء دولي، غير أنه اشترط تناول «صفقة القرن» خلال الاجتماع، وأنه يجب على الفلسطينيين تقديم التعليقات والتعديلات التي يرغبون في إدراجها على الخطة الأمريكية، ويبدو أن ذلك صار محتملاً حيث خفت تصريحات نتنياهو حول ضم الأغوار والبحر الميت، واقتصر حديثه مؤخراً على ضم المستوطنات فقط. فالإدارة الأمريكية تدرك أن المضي قدماً في مخطط الضم كما يطالب به «الإسرائيليون» يعني عودة الوضع إلى نقطة الصفر واحتمال سقوط السلطة أو حلها مع ما يترتب على ذلك من تداعيات قد تؤدي إلى استئناف العنف، وتهديد معاهدتي السلام بين الأردن ومصر من جهة وكيان الاحتلال من جهة أخرى.

ووفقاً لمصادر أوروبية، فإن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي جزءان من المبادرة الروسية، ويرون أنها فرصة لخلق عملية دبلوماسية جديدة من شأنها أن توقف عملية الضم «الإسرائيلية» في الضفة الغربية المحتلة. ونقلت معلومات «إسرائيلية» عن بعض الدبلوماسيين الغربيين قولهم إن «السبيل الوحيد لوقف الضم هو استئناف الاتصالات بين الفلسطينيين والإدارة الأمريكية، وعقد مؤتمر دولي قريب تشارك فيه دول خليجية وأوروبا وأمريكا وروسيا والسلطة الفلسطينية، ومن المقرر أن تظهر نتائج الاتصالات بعد عطلة عيد الفطر».

وعلى الأرض يبدو أن الصورة تختلف الآن عما كانت عليه قبل أيام، فالاتصالات بين السلطة والاحتلال توقفت تماماً وسحبت قوات الأمن الفلسطينية وحداتها التي نشرتها خارج المدن لإقامة حواجز لتنفيذ منع التجول في إطار مواجهة الجائحة، وباتت أي اتصالات تتم عبر الصليب الأحمر. وبينما أكدت السلطة أنها لن تسمح بأي انفلات عسكري أو عودة للعنف في مناطقها التزم «الإسرائيليون» الصمت رسمياً حيال وقف الاتصالات معهم، رغم صدور تصريحات من حركة حماس تشجع على العمل العسكري في الضفة، لكن «الإسرائيليين» مطمئنون إلى أن حركة حماس التي تحترم تفاهمات التهدئة في غزة لن تقدم على أي عمل في الضفة، بل هناك معضلة الآن بين سلطات الاحتلال وحماس تتعلق بالتنسيق لإدخال البضائع إلى غزة عبر معبر كرم أبو سالم.

لكن مخاوف «إسرائيل» تكمن في أنه في غياب التنسيق وانتشار البطالة في الضفة، وتوقف إيرادات السلطة، فإن الردود العنيفة ستكون من جانب حركة فتح، حيث إن القاعدة الشعبية فيها بات من الصعب السيطرة عليها في ظل الظروف مع هجمة الاستيطان والضم الحالية.