الجنائية الدولية وسؤال "فك الالتباس" بين السلطة والدولة!

حجم الخط

 كتب حسن عصفور

 كشفت وسائل إعلام عبرية، عن مضمون رسالة المحكمة الجنائية الدولية الى السلطة الفلسطينية، التي تستفسر فيها عن "الولاية القائمة" في الضفة وقطاع غزة بعد خطاب الرئيس محمود عباس يوم 19 مايو 2020.

وبعيدا، عن تسريب الرسالة الى الإعلام العبري، وأثر ذلك السلبي، فما جاء توضيحا رسميا فلسطينيا لا يقدم ردا موضوعيا، لا سياسيا ولا قانونيا على السؤال المركزي للمحكمة الجنائية، بخصوص مفهوم "الولاية" التي تريد التدقيق به، لمتابعة ما سبق إعلانه حول ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، وفقا لبيان سابق من المدعي العام للمحكمة بن سودا.

دون البحث التفصيلي في مضمون رسالة المحكمة الجنائية، فالأمر الجوهري ان الرسالة تكشف عمق "العوار السياسي" في آلية التعامل الرسمي الفلسطيني مع ما جاء في خطاب الرئيس عباس وآلية "التحلل من الاتفاقات".

لا زالت "الرسمية الفلسطينية" تتعامل وكأن القانون الدولي يجب ان يسير وفق "هواها السياسي"، وان يتم كسر كل القواعد الدولية وأحكامها استنادا الى عبارة "قال الرئيس"، دون رسالة أو نص أو قرار يؤكد ما جاء في الخطاب.
الجنائية الدولية، وهي تسأل، وضعت "الرسمية الفلسطينية" أمام ضغط أكثر اثرا وفعلا من قوة "الشعب الفلسطيني"، وهي تهدد موضوعيا، بأن الأمر بات ملتبسا لديها، وما هي حقيقة "الوضع  القائم" في الضفة والقطاع، بعد كلام الخطاب، هل لا زلتم سلطة، بكل ما سبق وما حدث ليس سوى تغيير بعض جوانب العلاقة مع إسرائيل وخاصة ما يتصل بالتنسيق الأمني او المدني، ام ان ذلك يطال مجمل العلاقات، بما فيها الاعتراف المتبادل، بين منظمة التحرير والكيان.

الرسالة الدولية، هي جرس إنذار حقيقي، ان المطلوب ليس "بعبعة" إعلامية ولا أناشيد تغني لخطاب الرئيس، فكل ذلك ليس سوى غبار يذهب مع اول هبة ريح، لا يترك اثرا، حيث المؤسسات الدولية، لا تتعامل بمبدأ "النوايا الطيبة او السيئة"، بل تستند الى أوراق قانونية، تدرس ما بها لتقرر أهي على صواب أم هناك ما يحتاج التدقيق أكثر.

وسؤال المحكمة الجنائية، لن يكون الوحيد حول "فك الالتباس" بين حالة السلطة وحالة الدولة، ولذا لم يعد مقبولا ابدا أن يستمر ذلك الالتباس دون توضيح رسمي، فلو ان الأمر لم ينته ولا زال هناك زمن للتفكير في تحديد البعد القانوني – السياسي، يجب إعلان ذلك، وطلب فترة سماح زمنية لتحديد ذلك.

عدم "فك الالتباس" واستمرار المشهد العام (السياسي – القانوني)، وليس الاجرائي من حيث التنسيق، يؤثر على حركة الدعم والتضامن مع الموقف الفلسطيني، ليس شعبيا فقط، بل عربيا ودوليا، ويخلق انطباع أن المسالة ليست سوى "مناورة سياسية" لتحسين شروط العلاقات الثنائية بين السلطة الفلسطينية ودولة الاحتلال، ومحاولة لتصويب بعض مسارها، خاصة على الصعيد المالي.

فليس مفهوما ابدأ، كيف يمكن استمرار الادعاء الكلامي بالتحلل من الاتفاقات، واللجنة التنفيذية تعقد لقاء دون مشاركة الرئيس، بل ودون ان تعلن رسميا قرارات ترجمة خطاب الرئيس، وليس إعادة اصدار الخطاب عبر بيان صحفي لا قيمة قانونية له على الاطلاق، بل انه زاد الأمر التباسا، بالحديث عن "وضع آليات الانتقال من السلطة الى الدولة"، دون سقف زمني وكأن المسألة مفتوحة، ودون تحديد ماهية الوضع القائم.

ما يحدث راهنا، ليس سوى مهزلة سياسية حقيقية كشفت عورتها رسالة المحكمة الجنائية الدولية، وبيان "تنفيذية منظمة التحرير" يوم 27 مايو، الذي فتح الباب لمساومات خفية، بعد تأجيل قرار اعلان الدولة.
ما يحدث تكريسا لواقع استمرار السلطة حكومة وقرارا وموقفا، والخطاب يفقد قيمته السياسية يوما بعد آخر، وكل ما في الأمر انتظارا لقرار حكومة دولة الاحتلال، هل ستقوم بإعلان ضم أراض فلسطينية رسميا، ام انها ستبحث طرقا بديلة، لا تكشف عورة الرسمية القائمة.

بيان تنفيذية المنظمة يؤكد تماما، ان أمر فك الارتباط ليس نهائيا، بل هو انتظاري الى ما بعد قرار حكومة إسرائيل...وذلك ما سيفتح الباب لحركة الانفضاض الشعبي الذي أنتجه خطاب عباس، وبالتأكيد، يبني جدارا جديدا من عدم الثقة مع العرب والعالم.

دون اعلان دولة فلسطين وحكومتها من يرسل رسائل رسمية بتحديد ولايتها على الأرض الفلسطينية المحتلة وفقا لقرار الأمم المتحدة 19/ 67 عام 2012 حول الاعتراف بدولة فلسطين وحدودها المحددة، فالخسارة السياسية هي المنتج لحالة "التباس" قائم، وكل تأخير في ذلك ليس سوى "هدية سياسية" لدولة الاحتلال، وتأكيدا أن "الاستهبال السياسي" هو المبدأ السائد.