بدأ الجيش المصري منذ السابع عشر من سبتمبر الجاري بضخ كميات كبيرة من مياه البحر الأبيض المتوسط في المنطقة العازلة الفاصلة بين مصر والقطاع،والّتي بدأ بحفرها منذ نحو عامين على الحدود الفلسطينيّة المصريّة بطول 14 كيلومتراً، والملاصقة لمنطقة الأنفاق الواقعة في مدينة رفح الفلسطينيّة، بهدف تدمير تلك الأنفاق الّتي حفرها الفلسطينيّون خلال سنوات الحصار الإسرائيلي لقطاع غزّة.
بدأ الجيش المصري قبل أيام بضخ كميات كبيرة من مياه البحر لإغراق منطقة الأنفاق، مما قد يشكّل وفق خبراء تدميرا للبيئة الفلسطينية ويتفاقم معاناة المواطنين.
رأى سكان المنطقة الحدودية في مدينة رفح الفلسطينية أن تلك الخطوة ستؤثّر على حياتهم هناك، إذ قال المزارع مسيرة ضهير 47 عاماً، والّذي يمتلك أرضا زراعيّة بمساحة 9 دونمات، وتبعد عن الحدود المصرية أقلّ من أربعمائة متر، إنّ التربة تحتوي على نسبة أملاح عالية، وبسبب ضخّ مياه البحر، ستصبح مالحة أكثر عن سابقها وستؤدي إلى تلف مزروعاته، وقال "بالإضافة إلى تدمير التّربة، فإن الأرض ستنهار في كلّ الأماكن الموجودة فيها أنفاق، وإن لم تنهر اليوم فإنّها ستنهار غدا".
وأما المواطن عبد الرحمن جمعة، 37 عاماً، وهو أحد سكان حي السلام الواقع في رفح، والمحاذي للحدود مع مصر، عن تخوّفه الشديد من حدوث الانهيارات الّتي قد تطرأ في أي وقت تحت منزله، الّذي لا يبعد سوى ثلاثمائة متر عن الحدود.
وقال "الأنفاق تسير من تحت منازلنا. لذلك، فإنّ المياه ستدخل إلى الأنفاق وتدمّرها، وستؤدي إلى انهيار منازلنا، بالإضافة إلى أن المنازل لو بقيت قائمة، فإن المياه المالحة ستضر أساسات البيوت شيئا فشيئا".
ورأى الخبير في المياه والتربة البروفسور في الجامعة الإسلامية بغزة عبد المجيد نصار أن الأيّام المقبلة ستكشف عن الأضرار والكارثة، الّتي ستتعرّض لها مدينة رفح، بعد ضخّ الجيش المصريّ لكميّات كبيرة من مياه البحر، مشيراً إلى أنّ المنطقة ستتحوّل إلى بركة مياه سطحية، وستصبح التربة مشبّعة بالمياه ومفكّكة وتتحوّل إلى سائلة، وستبدأ المياه بالتسرب في شكل كبير إلى الخزان الجوفي.
وقال "وتبدأ في ما بعد عمليّات الهبوط الّتي بدأنا نشعر بها اليوم، خاصة أن رفح فيها عدد كبير من الأنفاق الممتدة إلى مسافات كبيرة داخل المدينة. لذا، سنرى في الأيام القادمة حدوث انهيارات سريعة في مناطق واسعة لأن التربة تخلخلت".
وأكد أن أضرار هذه العمليّة ستصل إلى أساسات المنازل الحدوديّة، لاسيّما أنّ خلال فترة وجيزة ستتصدّع هذه المنازل لأنّها قريبة جدّاً من الحدود.
وأشار نصار إلى أن ضخ مياه البحر ستكون له آثار كارثية على الزراعة والخزان الجوفي في رفح، وقال: "المياه أيضاً ستنتقل بشكل أفقي على سطح الأرض، وستؤدي إلى رفع ملوحة التربة، وهذا يعني أن الزراعة ستعدم هناك بشكل كلي ولسنوات طويلة.
ناهيك عن أنه ستحل في الطبقات العلويّة من الخزّان الجوفيّ مياه بحر تسربت بسبب تفكّك التربة، وهي الّتي سيستخدمها السكّان للري وبعض الاستخدامات المنزلية".
أضاف: فيما لو توقّف الجيش المصري عن ضخ مياه البحر خلال الأشهر المقبلة، فإن تنظيف التربة من الأملاح وإزالة الأضرار سيحتاجان إلى سنوات طويلة وكميات كبيرة من المياه العذبة.
وستترك عمليّة ضخ مياه البحر آثاراً سلبيّة على الاقتصاد الفلسطيني، خصوصا في مدينة رفح، إذ ستؤثر على المحاصيل الّتي تنتجها الأراضي الزراعيّة.
ومن جهته، لفت المحلّل الاقتصادي الدكتور سمير أبو مدلله إلى أن النية عند الجانب المصري قائمة على استمرار ضخّ كميّات هائلة من مياه البحر في رفح، مما يعني أن الآثار السلبية ستزداد.
وقال إن ضخ المياه كهذا يؤثر على التربة من ناحية الزراعة، فلا يجعلها صالحة للزراعة لأنّها ستكون ملحيّة بأكثر من المعدلات المسموح بها عالميّاً. وبالتالي، فإن مساحات كبيرة من الأراضي الزراعيّة الفلسطينيّة الممتدّة على طول الحدود المصريّة لن تكون صالحة للاستخدام أو الزراعة، وبذلك تقل المنتجات الزراعيّة في شكل ملحوظ.
وأشار أبو مدلله إلى أن بعد فترة سيهجر السكّان المنطقة بسبب تخلخل التّربة، وتحدث أزمة سكن أكبر ممّا هي عليه الآن في قطاع غزة، وقال"بحكم قرب المنازل من الحدود، والّتي لا تتجاوز مئات الأمتار، فإن السكان سيجدون أنّ بيوتهم مهدّدة بالهدم أو تصبح غير مستقرّة، لأنّ أسفلها سيكون رخواً. وبالتّالي، البناء لن يكون ثابتاً عليها، فسيضطرّون لهجرانها، وهذا سيضيف عبئاً ومشاكل كبيرة في ظلّ أزمة السكن وندرة موادّ البناء والحصار وضعف الحالة الاقتصادية".
ويبدو أن الخطوة الّتي بدأ بها الجيش المصري من طرف واحد في حجّة تدمير الأنفاق ستكون عواقبها البيئيّة والاقتصادية على قطاع غزّة وخيمة ما لم يتم تداركها قبل فوات الأوان.