حرب "العفريت" الآن في فلسطين

حجم الخط

بقلم د. طلال الشريف

 

 العفريت بيطلعلك في مكان وجودك ولا يأتيك من الخارج، والواقع والوقت الفلسطيني يحتاج المصارحة دون وجل أو خجل.

لن تنتظر إسرائيل لإنطلاق حراك شعبي فلسطيني في الأصل هو متوقع ومرصود لأصغر السياسيين والأجهزة الأمنية في إسرائيل، وإنتظار رد فعل الفلسطينيين على تنفيذ مصادرة ما قيمته 50% من أراضي الضفة الغربية والأغوار.

لن تنتظر إسرائيل إنطلاق العمليات العسكرية في الضفة الغربية وداخل أراضي 48 إذا كان هناك تقديرات ونوايا للفصائل الفلسطينية للقيام بذلك.
ولن تنظر إسرائيل إنطلاق صواريخ حماس والجهاد الإسلامي من غزة وتهديد الأمن الإسرائيلي.
لماذا نقول ذلك؟؟

أجيال الحروب الماضية العسكرية القديمة/الحديثة، لم تنته، ولكن تبدلت حيثيات القيام بها على دول وأحلاف عسكرية كبيرة وازنة القوة العسكرية والوعي المجتمعي والرفاه الإقتصادي ويمكن حساب التوازنات والخطط العسكرية بشكلها القديم، وبنفس الخطط والمناهج المعروفة منذ الخليقة، ولكن كانت تتطور أدواتها، وتفرض نفسها الصناعات الجديدة للأسلحة المقننة والموجهة والمدمرة في نفس الوقت، ولا تتغير الأساسيات في العتاد والعدة إلا بفارق القفزة الرقمية والتكنولوجيا الحديثة المعتمدة عليها.

الحروب الآنية، وهنا الحديث مخصص عن النمط المستحدث في العقدين الماضيين وسموه حروب الجيل الرابع التي إعتمدت على الاعلام والإشاعة والخلافات الداخلية في مجتمع العدو وأن يقوم مواطني الدولة المستهدفة بالتخريب والتمرد والإنقلاب وحرب العصابات على سلطاتهم الرسمية الحاكمة دون تدخل خارجي من قوات الدولة التي تسعى لهزيمة الدولة المستهدفة، لاحطناه في دول الربيع ومازال محتدما في سوريا وليبيا واليمن.

في فلسطين نمط من الحرب القادمة جديد ومستحدث وفي طريقه للتشكل وهي حرب (العفريت) كما أسميها أو نوع من الحرب (الإهلية بإدارة إسرائيل فقط) إذا أردتم، وليس حربا بالوكالة، لعدم وجود أطراف خارجية سوى إسرائيل، ولا تشبه حروبا سابقة بسبب ظروف خاصة ببيئتها.

البيئة التي تُحدِث خصوصية حرب "العفريت" ، هي كالتالي :
- قطاع غزة والضفة الغربية تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية.
-كلتا المنطقتين في العقل الأمني والسياسي والإقتصادي الإسرائيلي، مشكلة داخلية إسرائيلية.
-هناك إدارة خاصة بحماس في غزة، وهناك إدارة خاصة بالسلطة الوطنية والرئيس في رام الله.
- هناك إنقسام حاد أفقي وعمودي بين الجماعتين في غزة والضفة في رؤيتهما للصراع، وأداة النضال.
- هناك باتت ثقافتان متنافرتان لا تلتقيان ولا يجمع بينهما برنامج ولهما برنامجان مختلفان متصارعان منذ البدء.
- هناك نهج قمعي للسكان من الجماعتين بتفاوت.
- هناك مكاسب من السلطة للمتنفذين فيها في غزة وكذلك في رام الله.
- الشعب منقسم إنقساما شعبيا عميقا وإصطفافا أو فرزا حادا من الكراهية، ورفض الآخر، أي بمعنى أن مؤيدي حماس لديهم كراهية إستئصالية لكل ما هو وطني من الفتحاويين والفصائل الوطنية الأخرى، وكذلك الوطنيون لديهم كراهية إستئصالية للحمساويين والفصائل الأسلامية التوجه الأخرى.
- هناك فقر وعوز وبطالة ونقص في الخدمات في قطاع غزة وحصار وقطع رواتب من قبل رام الله .
- هناك فساد وواسطة ومحاباة في الوظيفة العامة في كلا السلطتين بالإضافة لحرمان الإسلاميين منها في رام الله، وحرمان الوطنيين منها في غزة.
- هناك ثراء فاحش للمتنفذين وتوابعهم والمستفيدين بوظائفهم من الإحتكار في الضفة الغربية وفي قطاع غزة.
- هناك فجوة عمرها ثلاثة عشر عاما من القطيعة وعدم إختلاط سكان المنطقتين ونزعات مناطقية وشوفينية تصل حد الكراهية نتيجة التعبئة العمياء وخلافات القادة
- هناك كم هائل من الإتهامات اليومية المتبادلة طوال اليوم والشهر والسنة لمدة 13 عام من الإشتباك الإعلامي والتخوين والتكفير وفشل المصالحة.
- هناك غياب لمجلس تمثيلي قد حل بقانون بقرار من الرئيس وهو المجلس التشريعي وغياب الرقابة والمحاسبة وأوجه الصرف وأوجه الدخل.
- هناك خلافات وتنافس شديد على خلافة الرئيس عباس، ليس بين الفتحاويين في رام الله فقط، بل أيضا مع حماس في غزة ما يبعثر الحالة الفلسطينية بشكل خطير لأن الصراع على السلطة والحكم أصبح صراعا رئيسا.
- هناك تحالفات عربية مع الجماعات الفلسطينية كلها، لكن لن تتدخل أي دولة إذا ما اندلعت حرب "العفريت" في الأراضي الفلسطينية كما قلنا لعدم سماح إسرائيل لهم للتدخل في مشاكلها، والضفة وغزة كما قلنا، يعتبرها الإسرائيليون مشكلة داخلية إسرائيلية.
-
- هناك بالتأكيد طابور خامس وطابور سادس وسابع تشكل بحكم وتأثير هذه البيئة الفالتة العقال من كل ضابط، وهنا مسرح مفتوح للمال السياسي والتدخلات أو التوجيهات الخارجية لصالح أجندات مشبوهة، ليس في صالح الفلسطينيين، منها ما هو مكشوف ومنها ما ستكشفه حرب " العفريت" القادمة، وهنا جماعات إرهابية، وخلايا نائمة بالتأكيد زرعتها كل أجهزة أمن العالم في الضفة الغربية وقطاع غزة يشرف عليها المايسترو الإسرائيلي الذي يسيطر ويسود البلاد، وهو اللاعب الأقوى في المعادلة، والأخطر هناك إنقسام عربي أخذ الفلسطينيين في جعبته فكبر حجم الشقاق غير المرتجع بين كل الجماعات السياسية في فلسطين، وحتى الشعب نفسه أصبح رهينة لمن يطعمه ويشغله ويمده بالمال السياسي دون تدقيق في مصدره ونواياه.

بالعربي الفصيح هنا لا يوجد شعب واحد الآن، بل جماعات مصالح لدول خارجية، وعلى رأسها إسرائيل، ولكنها أي إسرائيل نعود لنؤكد أنها لا تسمح لأي من تلك التدخلات الخارجية باللعب غير ما تريده إسرائيل في الساحة الفلسطينية وأن هذه الساحة سواء الضفة الغربية أو قطاع غزة هي تحت السيادة والسيطرة الإسرائيلية، ولهذا أسميناها حرب "العفريت" الذي سيخرج من المكان، ولن تنتظر إسرائيل تحريك هذه الحرب ردا على إنتفاضة في الضفة الغربية أو صواريخ حماس من غزة، فالبيئة محتقنة أصلا وقابلة للإشعال وليس المهم الإشعال، بل المهم إدارة حرب العفريت والتحكم في توجهاتها بعد الإشعال لتحقيق أهدافها.

هذه الحرب إن لم تكن بدأت فهي تلوح في الأفق، وهي حرب رادعة تشل الخصم قبل بدأ هجومه أو إحراج الخصم، كانوا زمان في الحروب العسكرية تسمى حرب إستباقية لشل قدرات العدو العسكرية ومفاجأته، ولها صفتان المفاحأة والضربة القاضية كما توصف حرب الأيام الستة أو حرب حزيران 1967 ، وحملت أيضا حرب أكتوبر كثير من صفاتها عند مفاجأة عبور قناة السويس، ولكن حرب العفريت هذه، تختلف في الردع عن المفاجأة في الحروب الأخرى لأن مفاجأتها في إدارتها وتوجيهها بعد إنطلاقها.

نمط الحرب الجديدة في فلسطين نابعة من حيثيات البيئة المتوفرة للخصم أي وجود الإحتلال في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، هذه الحرب عملت إسرائيل على تهيئة بيئتها الداخلية وخططها وباعتقادي هم ليسوا مثلنا ينتظرون ساعة الصفر للتحضير للحدث بل يكونون قد أشبعوها بحثا وتحضيرا وجهوزية، وهذا شيء معروف لدولة تمتلك جيشا ومؤسسة تشريعية وعناصر الجاهزية لكل تطور أو توقع وفي المقابل ساهم الفلسطينيون في تهيئة تلك البيئة أيضا على هذ النحو:

هذه الحرب بها شق هام جدا إستخدمته إسرائيل ضد الفلسطينيين وإستخدمه الفلسطينيون ضد بعضهم البعض، وهي الحرب النفسية أنها حرب غيرت السلوكيات والقناعات في عقر دار السلطتين والشعب والأفراد مدنيين كانوا أم عسكريين، وما فعلته بحصارها وتحكمها في الشأن الغزاوي والضفاوي، وبخلافات السلطتين مع بعضهما أضعفت وفصلت معنويات وإرادته الشعب طوال الفترة الماضية فالناس ليسوا كالسابق موحدين على إستراتيجية واحدة وليسوا معبأين إلا على بعضهم ينتظر الواحد منهم سقوط سلطة الآخر ويخشى من التصعيد خوفا من مآل السلطة إلى الآخر.

وعلى الأرجح لن تتحمل إسرائيل تكاليف الحرب العسكرية المباشرة التي تستنزف طاقاتها المالية والاقتصادية بشكل هائل، خاصة مع ترّدي الوضع المالي والاقتصادي لأكبر الدول في العالم، ولذلك قد تلجأ لحرب العفريت فلتشتعل اليلاد وهم يستطيعون بعد ذلك التحكم بها وإدارة دفة حرب داخلية لطابورها الخامس، وهو الدور الأكبر في حرب العفريت للوصول للقبول بصفقة ترامب.

حرب العفريت حرب فلسطينية فلسطينية طاحنة تديرها إسرائيل لمدة الأربع سنوات التي تحدث عنها ترامب ليأتي الفلسطينيون المطحونون خسائرا وألما وضياعا للموافقة على دولة وخريطة ترامب.

انتهت مرحلة والقادم القريب لا يشبه كل الذي مضى ولا شيء في بلدنا مضمون، وفي الغالب سيكون الواقع صعبا وغريبا داخليا، وتفجيرات وقتل وخداع غير مسبوق، فهذه هي مرحلة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية في أكازيون الدم والأرض الفلسطينية ...

وتجنب حرب "العفريت" ببساطة تحتاج متطلبين مهمين جدا قبل أي حراك أو إشتعال:
الأول: ألا يكون حراكا ضد المحتل مبطنا بالصراع على السلطة.
والثاني: أخرجوا أيديكم من جيوب الآخرين وضعوا أيديكم في أيد بعضكم ولترفع كل الأيدي عن الفلسطينيين.