عرفناك منذ البدايات القائد رمضان شلح

حجم الخط

بقلم عماد الفالوجي

 

 منذ أواخر السبعينات من القرن الماضي كنا شبابا متحمسين نبحث بكل صدق عن الحق والحقيقة نستمع لكل الأفكار التي كانت تطرح بكل قوة من قادة كبار سبقوا عصرهم وتقدموا كثيرا على واقعهم التقليدي بل تمردوا عليه في حينه ،، ولذلك كانت خطواتهم الأولى صعبة ومعقدة ، أدركها واستوعبها الكثيرون في أوقات لاحقة .

منذ أن سمعت خبر رحيلك بالأمس أخي القائد الكبير ابو عبد الله رمضان شلح طاف في خلدي كل الذكريات الأولى التي جمعتنا بك في تلك الغرفة المتواضعة على يمين مدخل مسجد الشهيد عز الدين القسام ومع الشهيد رفيق دربك فتحي الشقاقي - رحمه الله - والشيخ الفاضل عبد العزيز عودة - حفظه الله - وتلك المجموعة الأولى التي شكلت نواة الفكرة التي تولدت وترتكز على محور أساسي وهو " فلسطين محور الصراع الكوني " و " على أرض فلسطين اكتمال الظلم مع اكتمال الحق " ، ومن هنا بدأت الأفكار والتصورات ووضع الالنقاط على الحروف في مواجهة الواقع وضرورة تغيير المعادلة القائمة في طريقة وأسلوب التعامل مع هذا الاحتلال الجاثم على صدورنا وأرضنا ولابد من تغيير جذري لطبيعة هذا الصراع وأن يأخذ الفكر الإسلامي دوره ومكانته في معادلة الصراع عبر مراجعة شاملة لكل الحالة الإسلامية الراهنة مستفيدة من المتغيرات الإسلامية الحاصلة في العالم الإسلامي في حينه ،،

لا أنسى أبدا بالرغم من سخونة النقاش وقوة الأفكار المتلاحقة التي لا تتوقف التي يتم طرحها ، ما تميز به الأخ الكبير رمضان شلح - رحمه الله - تلك الابتسامة التي لا تفارقه عندما يستمع لكل ما يقال ، وذلك الهدوء العميق المتزن والاهتمام الكبير الذي كان يبديه لكل متحدث ، وقدرته على الصبر واحترام محدثه ، حركة يديه التي تنسجم مع حديثه الهاديء الواثق مما يقول ،، كان يردد في حينه " أعرف أن ما نطرحه لن يروق للكثيرين وأعلم أن الطريق طويل ويحتاج الى الكثير ولكني أعرف في نقس الوقت أنه لا بديل عنه ويجب أن تسير عليه مهما كانت الصعاب والتحديات " ،، وعندما اشتد الخلاف كان شعاره لكل الإسلاميين " الوحدة من خلال التعدد " ،، لم يستوعب الكثيرون ذلك الفكر الجديد المتوقد القادم من أجل التغيير ،، واستمر الدكتور رمضان في طريقه ومرت السنين وكانت الشهادة تنتظر رفيق دربه الشهيد عبد العزيز الشقاقي ليأتي فورا الدكتور رمضان تاركا كل صنوف الراحة التي كانت متوفرة له ولكنه لم يتأخر أو ينردد في حمل الرايه التي آمن بها ، وكان خير خلف لخير سلف ، وقاد الحركة فكريا وتنظيميا وسار بها بين الألغام حتى بلغت بفضل حنكته وحسن قيادته الى ما بلغت إليه ، حتى سلمها لخلفه كأفضل وأقوى ما تكون ،،

قدم الدكتور رمضان إرثا قكريا وثقافيا كبيرا ستكون لمن بعده مدرسة ونهجا في قوة الأسلوب وسلاسة الفكر وسهولة الفهم وقوة المنطق ،، كان مثالا في قدرته على الحوار ومسك كل الخطوط بيده مهما تناقضت وتباعدت ،، كان الأقدر على إرسال رسائله التي تحمل المواقف في كل منعطف لكل الأطراف بكل قوة ووضوع وحيادية وشفافية ،، جعلته يتمتع باحترام وتقدير الكل الفلسطيني دون استثناء سواء من اتفق أو اختلف معه .

من أجل ذلك لم تكن مفاجأة ان يبكيه ويرثيه الكل الفلسطيني ، ليس غريبا هذا الحجم الكبير الذي تزخر به كل الصفحات الإلكترونية وهي تنعيه بكل فخر واحترام وتقدير ،، الكل الفلسطيني وجد له مكانا في شخصية وفكر وعطاء الدكتور رمضان ،، وهذا يدلل على صدقه وحبه وإخلاصه لقضيته وشعبه ،، لم يتعامل أبدا بحزبية ضيقة بل أحب الجميع ، وابتسم للجميع ، وأعطي الجميع مساحة تليق بالجميع .

رحمك الله اخي الكبير صديقي والقائد والمفكر والوطني والمعلم الدكتور رمضان عبد الله شلح ،، ستبكيك كل ذرة تراب من فلسطين ، ستبكيل منابر المساجد في فلسطين ، سيبكيك حي الشجاعية الذي نشأت به وأحببته وأحبك ، سيبكيك شعبك يا صديقي وكل من عرفك عن قرب ، ولا نقول إلا ما يرضي الله " إنا لله وإنا إليه راجعون "