– الجمهور الفلسطيني لم يتجند، والقيادة بقيت وحدها ضد الضم

حجم الخط

هآرتس – بقلم جاكي خوري

في القيادة الفلسطينية يعملون ساعات اضافية مؤخرا: مقابلات وتصريحات لوسائل الاعلام الفلسطينية والاجنبية، مقالات شاملة ولقاءات مع سفراء ودبلوماسيين. في يوم الاثنين الماضي في ذروة المقابلات حسدت الفصائل الفلسطينية مظاهرة ضد الضم في ميدان المنارة في رام الله، خطب فيها عدد من الزعماء مدة ساعتين. فتح والاجهزة الامنية ارادت تجنيد مشاركين، لكن حتى هذين الجسمين القويين لم ينجحا في رفع معنويات الجمهور – بصعوبة تجمع 200 فلسطيني في الميدان.

​الخطباء ذكروا بأن الضم يمكن أن يؤدي الى تفكيك السلطة وتجميد حلم الدولة الفلسطينية. هذه تهديدات كبيرة كان يمكن أن تهز الجمهور في اوقات اخرى، لكن الفلسطينيين كان يعنيهم تصريح آخر: الاعلان عن توزيع الرواتب لموظفي السلطة الفلسطينية، الذي صرحه أمس رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية لوسائل الاعلام الاجنبية. صورة الميدان غير المكتظ والعناوين من الخطباء اظهرت صورة واضحة عن وضع القيادة الفلسطينية: ازمة ثقة بين الجمهور والزعماء عميقة جدا، حيث أن الرياح الداعمة لا يتوقع أن تأتي من هذا الجمهور. الجمهور لم يخرج الى الشوارع ضد الضم، في حين خرج من اجل الاحتجاج على الازمة الاقتصادية.

​التداعيات المدنية لوقف التنسيق مع اسرائيل يشعر بها جيدا على الارض الفلسطينية. مئات المرضى من سكان القطاع منعوا من تلقي العلاج في الضفة الغربية وفي اسرائيل؛ وفي مكاتب ادارة التنسيق والارتباط في الضفة الطوابير طويلة في ظل غياب جهاز منسق من قبل السلطة؛ وفي الصليب الاحمر ومنظمات حقوق الانسان تتراكم يوميا طلبات للتنسيق لقضايا مدنية مع اسرائيل.

​أمس المصورون الصحفيون الذين استنفدوا المكوث في الميدان بعد ساعتين على الخطابات توجهوا الى حاجز بيت ايل، منطقة احتكاك معروفة فيها يمكن أن تشتعل بسرعة مواجهات بين الشباب الفلسطينيين وجنود الجيش. ولكن ايضا الى هناك لم يكلف أحد نفسه عناء الذهاب. “لا يوجد أي حدث هام”، تذمر أحد المصورين.

​صندوق أدوات فارغ

​لقد مرت سنة ونصف منذ أن خرج عشرات آلاف الفلسطينيين الى الشوارع ضد قانون الضمان الاجتماعي الذي بادرت اليه السلطة والذي كان يمكن أن يمس بتوفيراتهم، الى أن نجح الاحتجاج وقام الرئيس الفلسطيني بتجميد هذا القانون. ايضا أمس، مركز الاهتمام كان المسألة الاقتصادية. حسب اقوال رئيس الحكومة الفلسطينية، فان وقف الرواتب جاء بسبب سلوك اسرائيل التي تربط حسب قوله تحويل اموال الضرائب للسلطة الفلسطينية باستئناف التنسيق الامني.

​“هذا ليس لأن الفلسطيني تنازل عن حلمه في تقرير المصير والاستقلال والتحرر وانهاء الاحتلال، بل هو ببساطة وجد نفسه في وضع لم يعد يصدق فيه أي احد”، قال ناشط قديم من فتح حول سلم أولويات الجمهور. “الشرخ بين القيادة والجمهور آخذ في الاتساع. وما حدث في ميدان المنارة هو شاهد على ذلك”.

​في القيادة الفلسطينية يدركون أن عدم دعم الجمهور يقلص اكثر الادوات التي توجد في الصندوق الفارغ اصلا. بقيادة عباس الجمهور الفلسطيني لن يعود الى ايام الانتفاضة وهو غير معني بذلك، ونضال غير عنيف ايضا هو بعيد جدا عن الواقع: فتح ستجد صعوبة في تجنيد الجمهور في المدن والقرى وفي مخيمات اللاجئين من اجل الاحتجاج. تهديدات بشأن التنسيق ومحاولة تجنيد دعم دولي تحولت الى الأدوات الوحيدة التي بقيت في ايدي السلطة. ولكن حتى هي لا تكفي من اجل أن تكون رافعة ضغط هامة على اسرائيل. وبالتأكيد ليس على الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب.

​هكذا، في ظل غياب استراتيجية بعيدة المدى ومع استمرار الانقسام بين فتح وحماس، فان السياسة الفلسطينية هي بالاساس سلبية. عيون الفلسطينيين تتطلع نحو الخطوات التي يقوم بها اللاعبون الآخرون في الساحة. هكذا كان الامر في السنة الاخيرة، التي فيها انتظروا تغيير الحكم في اسرائيل وخاب أملهم. وهكذا سيواصلون الآن انتظار الانتخابات الامريكية في تشرين الثاني بتوتر على أمل تجميد خطة الضم.