في عاصفة الخطاب نُسي تقريباً بصورة تامة أمر بسيط: حتى الآن لا يوجد اتفاق مع ايران، ومن المشكوك فيه جدا أن يكون. في وزارة الخارجية ولدى اجهزة الاستخبارات التقدير هو أن احتمال التوصل الى اتفاق مع ايران في هذه المرحلة منخفض وحتى منخفض جدا. هناك ثمانية مواضيع أساسية مختلف فيها، فقط اثنان منها تم تحقيق تقدم مهم فيهما. بالنسبة للمواضيع الستة الباقية ليس هناك أي تقدم. يصعب الاعتقاد أنه سيكون هناك اختراق في الايام المعدودة الباقية. الفرنسيون يعارضون، الألمان غير متحمسين، الاحتمال الاكبر هو أن يتم تمديد الموعد النهائي. كل هذه التفاصيل كانت واضحة ومعروفة لمتخذي القرارات حتى قبل هبوط نتنياهو في واشنطن.
يعرف نتنياهو هذا جيدا أكثر منا جميعا. فهو يتم تزويده بالمعلومات المحدثة وهو يقرأ تقارير الاستخبارات وكذلك يعرف أن الجولة القادمة لن تؤدي كما يبدو الى الاتفاق. لكن نتنياهو شخّص وجود فرصة سياسية نادرة لن يتنازل عنها، فهو عبقري سياسي وفي الأساس في كل ما يتعلق ببقائه الشخصي. على المدى البعيد، خطابه، أول من أمس، تسبب بالضرر أكثر من الفائدة. على المدى القصير؟ لقد أصاب الهدف. فقد سافر ليخطب في الكونغرس متجاهلا التحذيرات متسببا باهانة علنية للرئيس وحارقا للجسور الاخيرة التي بقيت لنا مع البيت الابيض. لكن بعد اسبوع أو عشرة أيام بعد اعلان الاطراف عن الافتراق بدون اتفاق سيعلن نتنياهو أن ذلك كان بسببه، مثل البرغوث على ظهر الثور، حيث يعلن لأقربائه «حرثنا»، بعد يوم من العمل الشاق. مردخاي، اليهودي الحديث، منع ثانية كارثة شعبه، فقد سافر الى عرين الاسود في واشنطن وخطب وأوقف بجسده الاتفاق. والمحزن جدا هنا أن عددا منا يشترون منه هذه البضاعة.
في الموضوع الجوهري صدق نتنياهو. النقاط التي أثارها في خطابه صحيحة. يجب التحذير، التوضيح، رفع العلم المناسب وتمزيق الاتفاق في وجه آيات الله. لكن الموضوع في الطريقة والاسلوب. بدلا من أن يكون واحدا من أفراد العائلة في البيت الابيض، الحليف الأقرب للرئيس اوباما، الشخص الذي يستطيع التأثير من الداخل (كما أثر أسلافه شارون واولمرت وحتى باراك)، تحول نتنياهو الى «شخص غير مرغوب فيه» في الغرفة البيضوية. كان عليه التصرف باحترام ازاء الرئيس الأميركي، وأن يخلق علاقات ثقة معه ويُبدي بوادر حسن النية مرة أو مرتين، كان عليه قول الحقيقة. لقد تصرف بالعكس. حاول إزاحة اوباما بتأثير سيده أدلسون، لقد باع المصلحة القومية الاسرائيلية من اجل مصالح ضيقة وغريبة، وبعد ذلك زعم أن اوباما لا يصغي إليه.
وصلت المواجهة غير المسبوقة، أول من أمس، بين رئيس الحكومة الاسرائيلية والرئيس الأميركي ذروتها. أمر كهذا لم يحدث في السابق، ونشك ما اذا كان سيحدث في المستقبل. زعيم أجنبي يصل الى الكونغرس الأميركي من خلف ظهر الرئيس ويلقي خطابا حماسيا ضد سياسة الرئيس. لقد وقف نتنياهو في قدس أقداس الكونغرس، ولن يغفر له اوباما ذلك بتاتا. نانسي بلوسي، من المؤيدين المتحمسين لاسرائيل وزعيمة الاغلبية الديمقراطية سابقا، تركت القاعة، أول من أمس، قبل انتهاء الخطاب وأصدرت بيانا مثيرا: «شعرت بالاهانة الشديدة عندما سمعت رئيس الحكومة، الاهانة التي عبر عنها في خطابه واستخفافه بذكاء الجمهور الأميركي». اذا كان هذا ما تعتقده بلوسي فمن المهم أن نعرف ماذا كان يعتقد اوباما.
يعود نتنياهو الى اسرائيل اليوم (أمس) وسيتحدثون لنصف يوم تقريبا عن خطابه وغدا أو بعد غد على الاكثر سيُغلفون بالصحف التي تضمنت خطابه اجهزة طرد مركزي مستخدمة. يوجد للادارة الأميركية جهاز ضغط قوي ومتطور، هذا المكبس سيتم تشغيله وسيعطي نتائجه. إن احتمالات نجاح نتنياهو في تحريك عدد مهم من النواب على المدى البعيد في كل ما يتعلق بالاغلبية المطلوبة في مجلس الشيوخ (الثلثين)، هي احتمالات منخفضة جدا، بل تكاد تكون معدومة. إذاً، ما الذي حققناه في نهاية الامر، ما هي النتيجة الكبرى للخطاب خلافا للتفاخر القومي بأن لنا رئيس حكومة لديه لغة انجليزية جيدة جدا وكاريزما عالية؟ نصف مقعد أو مقعد ونصف في الاستطلاعات.
خلافا لمستوى التوقعات العالي فإن الخطاب كان متوقعا وخاليا من المناورات ومن أي جديد وليس فيه ما يلدغ. لقد خاف نتنياهو من التهديد القاسي للبيت الأبيض أن لا يكشف أي مادة سرية («لأن ذلك سيعتبر خيانة للثقة»، قال المتحدث باسم البيت الابيض، غوش آرنست، أول من أمس)، وفرض على نفسه رقابة شخصية الى درجة مضحكة: للمرة الاولى لم يذكر المطالبة بالمنع التام لتخصيب اليورانيوم وعدم إبقاء أي جهاز طرد مركزي لدى ايران. اسرائيل، حسب خطاب نتنياهو، تنازلت عن طلباتها التهديدية فيما يتعلق الاتفاق المستقبلي مع ايران. ماذا طلبنا، أول من أمس؟ أن تتوقف ايران عن التصرف بعنف مع جيرانها، أن تتوقف عن تهديد اسرائيل، أن تبدأ بالتصرف كدولة عادية اذا أرادت التعامل معها كدولة عادية. هل لهذا نقوم بتحطيم كل الأدوات أمام الادارة الأميركية؟.
في الموضوع المهني، مطالب نتنياهو لم تكن دراماتية: تمديد الفترة المطلوبة لايران للتوصل الى القنبلة، عدم رفع العقوبات الاقتصادية إلا بعد تغيير ايران لسلوكها، إطالة فترة سريان الاتفاق من 10 الى 20 سنة. كل هذه الامور كان يمكن قولها في الخطاب أمام «ايباك»، وكان يمكن قولها أمام الكونغرس بعد الانتخابات. كل هذه الامور سبق وقالها في الماضي.
من جهته، اجتاز نتنياهو، أول من أمس، الخطاب بنجاح. أن يتحدث، لقد قلنا في السابق إنه يستطيع ذلك بصورة ممتازة، لقد حظي بالتصفيق، كما أنه اجتاز المطبات ونجح في تهدئة الاحتجاج الديمقراطي وتقليل الازمة إزاء اوباما. انجازات الخطاب وأضراره ستتضح بصورة صحيحة في الايام والاسابيع القريبة، احتمال أن خطاب الكونغرس سيساعد نتنياهو على الفوز في الانتخابات أعلى بكثير من احتمال أن يستطيع ايقاف البرنامج النووي الايراني. بالخطابات لا يوقفون التهديدات.
لقد تعهد نتنياهو بمنع الايرانيين من التوصل الى الذرة، كان لديه خيار عسكري لكنه خشي من استخدامه لأنه خشي على مصيره السياسي. هناك حقيقة يجب عدم نسيانها وهي أنه لم يتعهد لنا بالخطاب ضد البرنامج النووي بل تعهد بايقافه.
عن «معاريف»
يعرف نتنياهو هذا جيدا أكثر منا جميعا. فهو يتم تزويده بالمعلومات المحدثة وهو يقرأ تقارير الاستخبارات وكذلك يعرف أن الجولة القادمة لن تؤدي كما يبدو الى الاتفاق. لكن نتنياهو شخّص وجود فرصة سياسية نادرة لن يتنازل عنها، فهو عبقري سياسي وفي الأساس في كل ما يتعلق ببقائه الشخصي. على المدى البعيد، خطابه، أول من أمس، تسبب بالضرر أكثر من الفائدة. على المدى القصير؟ لقد أصاب الهدف. فقد سافر ليخطب في الكونغرس متجاهلا التحذيرات متسببا باهانة علنية للرئيس وحارقا للجسور الاخيرة التي بقيت لنا مع البيت الابيض. لكن بعد اسبوع أو عشرة أيام بعد اعلان الاطراف عن الافتراق بدون اتفاق سيعلن نتنياهو أن ذلك كان بسببه، مثل البرغوث على ظهر الثور، حيث يعلن لأقربائه «حرثنا»، بعد يوم من العمل الشاق. مردخاي، اليهودي الحديث، منع ثانية كارثة شعبه، فقد سافر الى عرين الاسود في واشنطن وخطب وأوقف بجسده الاتفاق. والمحزن جدا هنا أن عددا منا يشترون منه هذه البضاعة.
في الموضوع الجوهري صدق نتنياهو. النقاط التي أثارها في خطابه صحيحة. يجب التحذير، التوضيح، رفع العلم المناسب وتمزيق الاتفاق في وجه آيات الله. لكن الموضوع في الطريقة والاسلوب. بدلا من أن يكون واحدا من أفراد العائلة في البيت الابيض، الحليف الأقرب للرئيس اوباما، الشخص الذي يستطيع التأثير من الداخل (كما أثر أسلافه شارون واولمرت وحتى باراك)، تحول نتنياهو الى «شخص غير مرغوب فيه» في الغرفة البيضوية. كان عليه التصرف باحترام ازاء الرئيس الأميركي، وأن يخلق علاقات ثقة معه ويُبدي بوادر حسن النية مرة أو مرتين، كان عليه قول الحقيقة. لقد تصرف بالعكس. حاول إزاحة اوباما بتأثير سيده أدلسون، لقد باع المصلحة القومية الاسرائيلية من اجل مصالح ضيقة وغريبة، وبعد ذلك زعم أن اوباما لا يصغي إليه.
وصلت المواجهة غير المسبوقة، أول من أمس، بين رئيس الحكومة الاسرائيلية والرئيس الأميركي ذروتها. أمر كهذا لم يحدث في السابق، ونشك ما اذا كان سيحدث في المستقبل. زعيم أجنبي يصل الى الكونغرس الأميركي من خلف ظهر الرئيس ويلقي خطابا حماسيا ضد سياسة الرئيس. لقد وقف نتنياهو في قدس أقداس الكونغرس، ولن يغفر له اوباما ذلك بتاتا. نانسي بلوسي، من المؤيدين المتحمسين لاسرائيل وزعيمة الاغلبية الديمقراطية سابقا، تركت القاعة، أول من أمس، قبل انتهاء الخطاب وأصدرت بيانا مثيرا: «شعرت بالاهانة الشديدة عندما سمعت رئيس الحكومة، الاهانة التي عبر عنها في خطابه واستخفافه بذكاء الجمهور الأميركي». اذا كان هذا ما تعتقده بلوسي فمن المهم أن نعرف ماذا كان يعتقد اوباما.
يعود نتنياهو الى اسرائيل اليوم (أمس) وسيتحدثون لنصف يوم تقريبا عن خطابه وغدا أو بعد غد على الاكثر سيُغلفون بالصحف التي تضمنت خطابه اجهزة طرد مركزي مستخدمة. يوجد للادارة الأميركية جهاز ضغط قوي ومتطور، هذا المكبس سيتم تشغيله وسيعطي نتائجه. إن احتمالات نجاح نتنياهو في تحريك عدد مهم من النواب على المدى البعيد في كل ما يتعلق بالاغلبية المطلوبة في مجلس الشيوخ (الثلثين)، هي احتمالات منخفضة جدا، بل تكاد تكون معدومة. إذاً، ما الذي حققناه في نهاية الامر، ما هي النتيجة الكبرى للخطاب خلافا للتفاخر القومي بأن لنا رئيس حكومة لديه لغة انجليزية جيدة جدا وكاريزما عالية؟ نصف مقعد أو مقعد ونصف في الاستطلاعات.
خلافا لمستوى التوقعات العالي فإن الخطاب كان متوقعا وخاليا من المناورات ومن أي جديد وليس فيه ما يلدغ. لقد خاف نتنياهو من التهديد القاسي للبيت الأبيض أن لا يكشف أي مادة سرية («لأن ذلك سيعتبر خيانة للثقة»، قال المتحدث باسم البيت الابيض، غوش آرنست، أول من أمس)، وفرض على نفسه رقابة شخصية الى درجة مضحكة: للمرة الاولى لم يذكر المطالبة بالمنع التام لتخصيب اليورانيوم وعدم إبقاء أي جهاز طرد مركزي لدى ايران. اسرائيل، حسب خطاب نتنياهو، تنازلت عن طلباتها التهديدية فيما يتعلق الاتفاق المستقبلي مع ايران. ماذا طلبنا، أول من أمس؟ أن تتوقف ايران عن التصرف بعنف مع جيرانها، أن تتوقف عن تهديد اسرائيل، أن تبدأ بالتصرف كدولة عادية اذا أرادت التعامل معها كدولة عادية. هل لهذا نقوم بتحطيم كل الأدوات أمام الادارة الأميركية؟.
في الموضوع المهني، مطالب نتنياهو لم تكن دراماتية: تمديد الفترة المطلوبة لايران للتوصل الى القنبلة، عدم رفع العقوبات الاقتصادية إلا بعد تغيير ايران لسلوكها، إطالة فترة سريان الاتفاق من 10 الى 20 سنة. كل هذه الامور كان يمكن قولها في الخطاب أمام «ايباك»، وكان يمكن قولها أمام الكونغرس بعد الانتخابات. كل هذه الامور سبق وقالها في الماضي.
من جهته، اجتاز نتنياهو، أول من أمس، الخطاب بنجاح. أن يتحدث، لقد قلنا في السابق إنه يستطيع ذلك بصورة ممتازة، لقد حظي بالتصفيق، كما أنه اجتاز المطبات ونجح في تهدئة الاحتجاج الديمقراطي وتقليل الازمة إزاء اوباما. انجازات الخطاب وأضراره ستتضح بصورة صحيحة في الايام والاسابيع القريبة، احتمال أن خطاب الكونغرس سيساعد نتنياهو على الفوز في الانتخابات أعلى بكثير من احتمال أن يستطيع ايقاف البرنامج النووي الايراني. بالخطابات لا يوقفون التهديدات.
لقد تعهد نتنياهو بمنع الايرانيين من التوصل الى الذرة، كان لديه خيار عسكري لكنه خشي من استخدامه لأنه خشي على مصيره السياسي. هناك حقيقة يجب عدم نسيانها وهي أنه لم يتعهد لنا بالخطاب ضد البرنامج النووي بل تعهد بايقافه.
عن «معاريف»