التوصل الى سلام... التعايش مع الاعتراف المتبادل

حجم الخط

بقلم: غيرشون باسكين

 

لقد أجريت حتى الان اكثر من 90 استشارة لمدة 30 دقيقة مع عدد متساو تقريبا من الاسرائيليين والفلسطينيين والذين يمثلون مجموعة كاملة من الاراء والهويات من كلا الجانبين.

لقد كنت أسأل الناس تحت أي من الظروف يمكنهم القول ان الصراع الاسرائيلي الفلسطيني قد انتهى، كما طلبت منهم تقدير الظروف التي سيكون فيها الجانب الآخر من الصراع على استعداد لقول الشيء نفسه.

واحدة من اكثر القضايا اشكالية التي تظهر دائما تقريبا هي سؤال الطرفين حول مسالة الاعتراف الحقيقي بوجود الجانب الاخر وحقه المشروع في تعريف نفسه كشعب وحقه بالمطالبة بالارض الواقعة بين النهر والبحر، هل من الممكن التوقع بان يعترف الاسرائيليون والفلسطينيون بشرعية بعضهم البعض والنابعة من ارتباطهم العاطفي والتاريخي والديني العميق بالارض الواقعة بين النهر والبحر؟

هل يمكنهم فعلا تحقيق قفزة نوعية بالاعتراف لكن دون انكار حقوقهم ومطالباتهم بالارض؟

اصبح عدم اعتراف الفلسطينيين بحق الشعب اليهودي في اقامة وطنه في ارض اسرائيل احدى العقبات الرئيسية في العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية حسب وجهة نظر اسرائيل منذ بداية عملية السلام.

في عام 2009 في خطابه الشهير- بار ايلان لخص رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "جذر الصراع كان و ما زال هو رفض الاعتراف بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به في وطنه التاريخي.. القيادة الفلسطينية يجب ان تنهض وتقول: كفى هذا الصراع، نحن نعترف بحق الشعب اليهودي في دولة خاصة به على هذه الارض، ونحن على استعداد للعيش بجانبكم بسلام حقيقي... لذلك فأن الشرط الاساسي لانهاء الصراع هو الاعتراف الفلسطيني الملزم والقاطع باسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي".

يزعم الفلسطينيون ان ياسر عرفات قد استوفى شروط اسرائيل المسبقة للمفاوضات في رسالته الى اسحق رابين في ايلول 1993، حيث كتب فيها: "منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة اسرائيل في الوجود بسلام وأمن.. و أن منظمة التحرير الفلسطينية تؤكد ان تلك البنود من الميثاق الفلسطيني التي تنكر حق اسرائيل في الوجود و احكام الميثاق التي تتعارض مع التزامات هذه الرسالة اصبحت الان لاغية و لم تعد قابلة للتطبيق".

بهذا البيان تم التوقيع على اعلان مبادئ السلام وبدأت عملية السلام، ومع ذلك شعر العديد من الاسرائيليين ان رسالة عرفات لم ترق الى مستوى الاعتراف بشرعية اسرائيل وادعى الفلسطينيون، بحق، انه بينما يعترف الفلسطينيون باسرائيل فان اسرائيل تعترف فقط بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي للشعب الفلسطيني.

يزعم الفلسطينيون ان اسرائيل لم تعترف ابدا بشكل رسمي بحق الشعب الفلسطيني في دولة خاصة به، وفي الواقع هي لم تعترف ابدا بشكل رسمي بوجود الشعب الفلسطيني.

وفيما اذا كانت ادعاءات كلا الطرفين صحيحة أم لا فأن ذلك لا يهم.

ان احساس الناس في كلا الجانبين هو ان شرعيتهم موضع شك من الجانب الاخر، فأن معظم الاسرائيليين الذين تحدثت معهم وخاصة من المتدينين والمستوطنين قد وضعوا قضية الشرعية في مقدمة شروطهم لانهاء الصراع على ارض الواقع، كما وضع معظم الفلسطينيين الشرعية ايضا على رأس مطالبهم بالاضافة الى حاجتهم للاعتراف بمعاناتهم التي تمت على ايدي اسرائيل والاعتذار رسميا عن افعال اسرائيل الخاطئة.

يعتقد الكثير من الاسرائيليين بالمقابل انه يجب تضمين الصفح والمصالحة من كلا الجانبين، بما ان التسامح كان جزءا من عملية المصالحة المطلوبة والتي استغرقت وقتا طويلا، ولكن ربما لن يكون ذلك الطرح عمليا الا بعد التوصل الى اتفاق سياسي.

معظم الاسرائيليين الذين تحدثت معهم قالو انهم مستعدون للاعتراف بشرعية الفلسطينيين ولكن ليس جميع حقوقهم السياسية، على سبيل المثال يؤكد قانون الدولة القومية الاسرائيلية بوضوح ان الشعب اليهودي فقط لديه حقوق سياسية جماعية في ارض اسرائيل.

على الرغم من الصعوبات التي يواجهها البعض في كلا الجانبين لقبول شرعية الادعاءات من قبل الطرف الاخر، يؤمن جميع من اجريت معهم المقابلات بوجوب تعلم اللغتين العبرية والعربية و يعتقد الجميع تقريبا انه من المهم تعلم الروايات في مدارسنا عن كلا الجانبين، ومن المفارقات هو أن تعلًم سرد الروايات بين الجانبين هو شكل من اشكال الاعتراف بالشرعية وان لم يكن ذلك بالشكل الصريح.

في المحادثات السابقة التي اجريتها مع محمود عباس، وجدنا لغة يمكن ان تكون مقبولة للفلسطينيين فيما يتعلق بالعلاقة اليهودية بارض اسرائيل، لكن هذه اللغة لن تستخدم الا بعد اتفاق الفلسطينيين والاسرائيليين على قضايا جوهرية اخرى كالحدود والقدس واللاجئين.

يبدو من الواضح تماما انه يجب التعامل مع قضية الاعتراف بطريقة متبادلة، في ظل الظروف الحالية لعدم اجراء مفاوضات لسنوات وتفاقم الوضع على ارض الواقع في الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث من الصعب تخيل امكانية تحقيق الاعتراف المتبادل بالحقوق السياسية والارتباط بالارض، بحيث أن كل طرف يرى الاعتراف على انه لعبة خاسرة محصلتها النهائية صفر او انه بمثابة انكار لحقوقه ومطالباته المشروعة بالارض.

قد يتعين ان تظل احدى الطرق للمضي قدما في المستقبل بمثابة اعتراف بالحقائق على الارض بدلا من الشرعية الاخلاقية او التاريخية او الدينية: يعيش ملايين اليهود وملايين الفلسطينيين -الذي يجدون انفسهم على هذا النحو- العيش بين النهر والبحر ويؤمنون بمدى استعدادهم للموت من اجل هذا الاعتقاد بانهم موجودون كشعب وان الارض ملك لهم.

*الكاتب رائد اعمال سياسي واجتماعي كرس حياته لدولة اسرائيل وللسلام بين اسرائيل وجيرانها.نشر كتابه الاخير "السعي لتحقيق السلام في اسرائيل وفلسطين" من قبل مطبعة جامعة فاندربيلت وهو متاح الان في اسرائيل وفلسطين.