تعود فكرة الضم إلى أيام مناحيم بيجين، في ديسمبر/ كانون الأول 1981، عندما تقرر تطبيق قانون الاختصاص القضائي والإداري «الإسرائيلي»، من جانب واحد، على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، قبل أن يصار إلى إعلان ضمها. وتستخدم «إسرائيل» هذه الصيغة بدلاً من كلمة الضم التي قد تثير الكثير من النقد، ويتمسك أنصارها بأنها قد تفتح الباب للتفاوض عكس الضم الذي يعني عدم النقاش حوله. والضم يحمل في خطورته مصادرة الأراضي التي سيتم ضمها. ومن يسكنها، ويعيش عليها من سكانها الأصليين لم تعد لهم حقوق، والتعامل معهم على أنهم مجرد مقيمين يمكن طردهم في أو وقت. إذ إن «إسرائيل» تعتبر كل الأراضي الفلسطينية هي «أرض يهودا والسامرة»، وما تقدمه للفلسطينيين يعتبر تنازلاً من قبلها، وليس تنازلاً من قبل الفلسطينيين. و«إسرائيل»، كما جاء على لسان نتنياهو، لا تناقش الضم، فهذه مسألة حسمت.
بداية، إن مسألة ضم أية أرض فلسطينية تقع ضمن حدود الدولة الفلسطينية تعني نهاية هذه الدولة. فضلاً عن غور الأردن بمساحته التي تشكل ثلاثين في المئة من مساحة الضفة الغربية، إضافة إلى أهميته المائية، والاستراتيجية، والحدودية، والأمنية. وهذا يعني أنْ لا مستقبل للدولة الفلسطينية بضم غور الأردن. ثم إن ضم غور الأردن يقع في سياق مخطط «إسرائيل الكبرى». والأصل في ضم الغور يعود لخطة آلون 1967، ومضمون دراسة عن المعهد الأورشليمي للشؤون العامة والدولية (2-12-2013) الذي يترأسه دوري جولد، والتي تستبعد الانسحاب من غور الأردن بأي شكل من الأشكال. كما يؤكد البروفيسور رانون سوفير من جامعة حيفا، أن غور الأردن مهم من الناحية الاستراتيجية، واستمرار السيطرة عليه يعني أن الضفة ستبقى مطوقة. وكل الحكومات «الإسرائيلية» منذ عام 1967 اعتبرت الغور الحدود الشرقية ل«إسرائيل»، وهذا معناه أن هناك حدوداً مقابلة للأردن، وليس لفلسطين. وعملية الضم ليست بالجديدة للحكومات «الإسرائيلية»، فهي السياسة الممنهجة، والمنتظمة، وغير المعلنة منذ احتلالها كل فلسطين عام 1967.
ويبقى السؤال: هل ستتراجع «إسرائيل»، وتتحايل على عملية الضم، بالضم الجزئي؟ وهل تستمع لنصائح مؤيديها؟ وهنا ما كتبه الكاتب المحافظ والمؤيد ل«إسرائيل» دانيال بايبس، الذي قدم ستة أسباب يعارض فيها سياسة الضم:1- أن تتم عملية الضم في سياق موافقة الحكومة «الإسرائيلية» على التفاوض مع الفلسطينيين، والقيام بخطوة أحادية قد يثير غضب ترامب. 2- الضم سوف يقلل من دعم أصدقاء «إسرائيل» في الحزب الديمقراطي، وأوروبا. ولا أحدد يمكن أن يقرر تأثيرها في مستقبل العلاقات مع الولايات المتحدة. وتصريحات لسفير فرنسا في الأمم المتحدة بأن الضم سوف لا يمر من دون تحد، ولا يمكن تجاهله. 3 – تراجع فرص تحسين علاقات «إسرائيل» بالدول العربية التي لا تزال ملتزمة بالقضية. 4- الضم قد يقود لعنف فلسطيني، وبالتحديد لانتفاضة ثالثة، ستخرج عن نطاق السيطرة. وسوف يصعّب عملية السلام مع الأردن. والضم سوف يستدعي الروح الثورية الفلسطينية في كل مكان، خصوصاً الأردن. ويمكن أن يؤدي الضم لاستئناف الحرب مع حماس في غزة. 5- الضم سيغير من مواقف اليسار «الإسرائيلي»، وقد يقود إلى معركة سياسية داخلية. وانقسام لمؤيدين، ومعادين للصهيونية. 6- الضم يعني زيادة نسبة الفلسطينيين «كمواطنين إسرائيليين»، وزيادة عدد سكان «عرب إسرائيل»، وفي هذا خطأ كبير يهدد جوهر وجود «إسرائيل» كدولة يهودية.
والخلاصة، أن الضم سيحمل معه عناصر كثيرة لعدم استقرار المنطقة، وسيقوي من موقف الحركات المتشددة. وفي النهاية يقدم بايبس نصائحه: «لا تلعبوا على مزاج ترامب، ولا تغضبوا الديمقراطي، ولا الأوروبيين، ولا تحولوا القادة العرب ضدكم، ولا تشعلوا الفلسطينيين ولا تدفعوا في اتجاه راديكالية اليسار «الإسرائيلي»، ولا تضيفوا مواطنين فلسطينيين ل«إسرائيل»، وعلى «إسرائيل» أن تدافع عن هويتها، والضم عكس ذلك. وسيجعل حل الصراع أكثر بعداً.
ويختتم مقالته بالقول «على أصدقاء «إسرائيل» أن يرفعوا صوتهم ويقولوا: لا للضم».
هل سيقبل نتنياهو بهذه النصائح، أم يغمض عينيه، ويصم أذنيه، ويعلن الضم ويقود «إسرائيل»، قبل المنطقة، إلى حالة من عدم الاستقرار، والعنف الذي قد يجرف ما تبقى من أمل في سلام يقوم على حل الدولتين؟