في شعبة الاستخبارات دقوا الاجراس، ونتنياهو خرج عن عدم اكتراث

حجم الخط

هآرتس – بقلم عاموس هرئيل

من السهل جدا اطلاق النار على المبعوث. تقرير مركز المعلومات والمعرفة لمحاربة الكورونا الذي نشر في ظهيرة يوم السبت اثار عاصفة كبيرة. كاتبو التقرير الذين هم ضباط في قسم الاستخبارات في الجيش كتبوا أن زيادة الاصابة في اسرائيل تعكس وصول الموجة الثانية من الفيروس وأوصوا بعدة خطوات لوقف التفشي. النبأ الذي انضم الى سلسلة التحذيرات والذي هو أقل دراما من خبراء آخرين، سيطر على الاجندة الاخبارية. على الفور ثارت ايضا ردود مضادة: ما صلة الاستخبارات بتحليل الكورونا؟ من أين جاءتهم الخبرة لمكافحة الوباء؟ والاكثر اهمية ما صلة الجيش الاسرائيلي واعطاء تعليمات بشأن السلوك في موضوع اجتماعي جدا؟.

​نشر التقرير- بالمناسبة هو الوثيقة الـ 127 التي اصدرها المركز منذ بداية الازمة – كشف للجمهور حالة شاذة تقف وراء العلاج النظامي للكورونا في البلاد. ولا يوجد لدى وزارة الصحة جهاز فعال للجمع والتحليل ونشر المعلومات. عندما جاء الفيروس الى هنا تطوعت الاستخبارات العسكرية لاصلاح نقطة الضعف هذه. العقيد ن. رئيس الفرع التكنولوجي في قسم الابحاث، أقام هو ورجاله مركز المعلومات، المسؤول عن صورة الوضع اليومية للكورونا.

​يبدو من الغريب القول بأن جهاز الصحة ببساطة لم يكن قادر على بلورة قاعدة بيانات ذات جودة مماثلة. بالتدريج بدأ الباحثون في الجيش الاسرائيلي ايضا في تركيز بيانات عن تطورات في العالم. وبعد ذلك نشروا في كل مرة توصيات للعمل.

​في بداية شهر حزيران بعد الانخفاض الحاد في عدد المرضى بالكورونا النشيطين الذي سجل في شهر أيار، قلص الجيش التعامل مع الفيروس. وقد توصل الجيش ووزارة الصحة الى قرار يقضي بأن تتم استعارة عشرات الباحثين من الاستخبارات العسكرية لجهاز الصحة ومواصلة متابعة الكورونا. ولكن التبعية لم تنظم حتى النهاية، حتى في مجال الدعاية. هكذا حدث أن تقارير المركز التي لا يوجد فيها أي شيء سري تم نشرها على الجمهور بشكل مستعجل وغير رسمي. وهكذا حدث أنه في يوم السبت عندما احتل التقرير المتشائم العناوين ألقى كل من المتحدث بلسان الجيش والمتحدث بلسان وزارة الصحة الواحد على الآخر المسؤولية عن شرح التقرير الذي صدر بدون علمهما المسبق والتنسيق معهما.

​يمكن الافتراض بأن التقرير نشر لأن كاتبوه ومن قرأوه توصلوا الى استنتاج بأنه يجب أن يتم دق كل الاجراس وبسرعة. وما لم يتوقعوه هو قوة الرد المضاد. رجال الاستخبارات العسكرية تم وصفهم كهواة يبالغون ويرعبون. واخصائيون في الأوبئة استغربوا وبحق بشأن الخبرة المهنية التي بلورها رجال الاستخبارات العسكرية التي تقف وراء توقعاتهم الحاسمة.

​وقد أضيف الى ذلك رد الجمهور الشديد في الشبكات الاجتماعية. وكلما ترددت الحكومة أكثر في البيانات والمعلومات التي تنشرها وفي التوجيهات كلما ازدادت الشكوك في اوساط المواطنين فيما يتعلق بحسن نواياها وبخصوص سيطرتها على الحقائق. وهناك طبقات واسعة من الجمهور التي تضررت بشكل كبير اقتصاديا من الاغلاق الاول. الكثيرون فقدوا ثقتهم بصورة الوضع التي تقدمها الحكومة أو جهات تابعة لها عن تفشي الفيروس. وتحذير ضباط الاستخبارات العسكرية بدا لهم كرد آخر هستيري جدا استهدف التغطية على مؤخرة الدولة، وشكل مقدمة لفرض قرارات اضافية.
​وقد ساهم في التشكيك سلوك الحكومة الفاضح الذي ظهر مؤخرا في المهزلة حول انهاء السنة الدراسية. محاولة التعامل مع المعلمين والطلاب وأولياء الامور وكأنهم وحدة عسكرية ستنفذ الأوامر من خلال انضباط نموذجي تحطمت بشكل كبير. بدلا من الفهم بأنه لا توجد حاجة الى التصادم المباشر مع معلمي الثانوية وأن آباء كثيرين في الاصل يخافون من ارسال ابنائهم الى المدارس بسبب العدوى، أصرت وزارة التعليم بشكل زائد على اضافة ايام التعليم في الصفوف العالية.

​هكذا خطفت الوزارة في النهاية الشر الموجود في كل العوالم: طلاب الصفوف الثانوية خرجوا للعطلة الكبيرة بدون احتفالات الانهاء وتسلم الشهادات (الامر الذي ستحاول المدارس اصلاحه)، في حين أنهم في الصفوف الاعدادية لم يتم تمديد السنة الدراسية والآباء سيضطرون الى الدفع أكثر بسبب تبكير موعد المخيمات الصيفية، بالضبط في سنة توجد فيها ازمة اقتصادية شديدة. وهناك أمر آخر مقلق، لأنه يبدو أن الكورونا هنا ستستمر فمن المشكوك فيه اذا كان يمكن افتتاح السنة الدراسية بصورة كاملة في أيلول القادم. ولكن الجهاز ما زال بعيدا عن العثور على حلول تكنولوجية تمكن من توسيع التعليم في جميع المدارس بورديات أو كبسولات، مع تحسين قدرة التعلم عن بعد للطلاب الذين سيبقون في البيوت.

​وقد كان لتقرير خبراء الاستخبارات العسكرية تأثير ايجابي واحد: رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو خرج أخيرا عن اللامبالاة الغريبة التي سيطرت عليه مؤخرا وعاد الى التطرق بشكل علني للفيروس. بعد تصريحه القصير في يوم الخميس الماضي ناقشت الحكومة مكافحة الفيروس، وفي الغد سيتم عقد كابنتالكورونا الخاص. نتنياهو حذر: “اذا لم نغير على الفور سلوكنا فسنجلب على انفسنا اعادة الاغلاق”. ودائما من الاسهل اتهام المواطنين غير المنضبطين. ولكن في الصور التي نشرت من جلسة الحكومة ظهر عدد من المشاركين وهم لا يرتدون الكمامات، أو ارتدوها بصورة جزئية. نتنياهو تجاهل ايضا اسهامه في هذا الوضع: اعلانات النصر المبكرة، فتح المدارس الثانوية والمطاعم وقاعات الاعراس المتسرع، والرضى عن النفس الذي تلقى فيه الفشل الذريع لنظام الرعاية الصحية في صياغة نظام وبائي لقطع سلاسل العدوى. الشيء الرئيسي الذي يجب الاشادة به هو الثناءات الذي اغدقته المجلة الاسبوعية “الايكونوميست” على اسرائيل والتي ارتكزت على علاج الوباء في فترة الاغلاق، وليس على الخروج المتسرع وغير المنضبط في اعقابه.

​بشأن الفحوصات يبدو أنه بدأ أخيرا تحرك معين عند اعلان وزير الصحة يولي ادلشتاين عن زيادة الميزانية ومعايير لتشخيص الاصابات. ولكن هنا ايضا نتنياهو توجه الى الحل المريح بالنسبة له – اعادة ضبط الهواتف المحمولة الاختراقية للشباك، وهي مهمة الشباك نفسه غير متحمس لتنفيذها، وقد نجح في التملص منها في بداية الشهر الحالي.

​مسألة ثقة

​اسرائيل في نهاية الامر هي دولة في حوض البحر المتوسط، ولا تمتاز بادارة صارمة أو انضباط جماهيري عال. في شهر آذار عندما ضربت الكورونا هنا للمرة الاولى، بحجم محدود، نجحت الدولة في تقليص اضرارها بفضل عدة قرارات حكيمة، وتعاون مثير للانطباع من قبل المواطنين، والطواقم الطبية المشهود لها، التي قلصت بشكل كبير عدد الوفيات بسبب المرض. وخدمتها ايضا حقيقة أن متوسط العمر في اوساط السكان صغير نسبيا، وهكذا فان عدد المسنين الذين اصيبوا بالفيروس لم يكن كبير بشكل خاص.

​ولكن هناك فرق بين التجند القصير في حالة طواريء وبين وجود روتين حالة طواريء متواصل. الدول المتميزة الآن في مواجهة الفيروس هي دول شرق آسيا، التي فيها الانضباط الاساسي مرتفع جدا. أو دول اوروبية تضررت جدا وبعد ذلك اتخذت خطوات اغلاق متشددة.

​الولايات المتحدة مع حكم مركزي ضعيف ونفاد صبر اساسي للمواطنين بسبب التدخل في حياتهم (لا نريد التحدث عن زعيم متميز) تجد صعوبة كبيرة. دول اخرى مثل المكسيك والبرازيل تشهد الآن تفشي قاتل. القاسم المشترك بين دول ديمقراطية يظهر وضعها الآن جيد نسبيا يرتبط بالاساس بمستوى ثقة عال للمواطنين بالحكومة، هذا هو الوضع في نيوزيلاندا والمانيا، وهو بعيد جدا عن الوضع في اسرائيل.

​نتنياهو هو شخص حكيم ودقيق حسب كل الآراء. ولكن عندما يحيط رئيس الحكومة نفسه بوزراء متوسطين اختبارهم الوحيد هو اظهار اخلاص كامل في معركة الصد التي يديرها ضد الجهاز القضائي، فانه يوجد لذلك تداعيات. ليس بدون علاقة يمكن أن نشخص في السنوات الاخيرة تدهور متواصل في جودة الخدمات العامة. لذلك، ينضم الآن عجز شديد يظهره شركاء نتنياهو الجدد في ازرق ابيض، الذين كان تشكيل كابنت المصالحة اكثر اهمية بالنسبة لهم من المطالبة بالحصول على وزارة الصحة.

​ازاء شك الجمهور يبدو أنه سيكون من الاصعب اعادة مارد الكورونا الى القمقم للمرة الثانية. احداث الاسابيع الاخيرة تثير تفكير محزن آخر: ازاء فجوة ثقة كهذه بين الحكومة والمواطنين، كيف ستواجه اسرائيل الحرب المستقبلية التي فيها الجبهة الداخلية يجب عليها أن تتحمل جزء كبير من العبء، الى جانب الجبهة؟.